لما الحروف م الوجع .. ترفض تبوح!
هاتعمل إيه جناحات لطير مدبوح؟!
يطل علينا بهذا البهاء...
وهيبة الحكماء...
و وداعة الأطفال...
بهذا الرأس الذي ينحسر الشعر عن مقدمته ولا يهبه صلعٍةً مؤكدة..
و لحيته البيضاء.. ضحكته الطفلة.. التي تنطق ببراءة طفلين يطلان من عينيه، لا تخفي طفولة العينين حكمة
الشيخ وفلسفته التي ينطق بها وجهُه كما أشعاره التي غادرها سنين طوال ربّما ظنًا
منه أن اللغة فقيرة وضعيفة كمعول يفلّ قسوة جدران الفساد والوجع الإنساني.
هذه الملامح كانت مدخلي لهيبةِ الرجل الذي قرأت له قبل أن أراه وأستمع
لصوته وهو يلقيها..
هي هَيبة متعلم محب للشعر والكلمة، هيبة مريد في ساحة الأنقياء الذين
أفلتوا من طواعين المرحلة (الأنا – التكالب على الأضواء – شهوة الظهور) رغم
اندماجه الظاهر في الحركة الأدبية المصرية المعاصرة وتفاعله مع كافة الأطياف، غير
أنه غير محسوب على (شلّة) أو جماعة أدبية.
وكما يُعَرّف الأدب بكونه (الدعوة إلى الولائم.. مفردة آداب – جمع دأب – بعد قلبها إلى آداب، رياضة
النفس على ما يستحسن من سيرة وخلق، وعلى التعليم برواية الشعر والقصص والأخبار
والأنساب، وعلى الكلام الجيد من النظم والنثر وما اتصل بهما ليفسرهما وينقدهما( أو
(رد فعل «أدّب» بمعنى «هذَّب»،كما في حديث
النبي صلى اللّه عليه وسلم «أَدّبني ربي فأحسن تأديبي"
من منظوري الشخصي جمع أيمن هيبة في شخصيته السِمة المُستَحقة والمرجوة
ل(أنموذج) الأديب في مفهومي الرومانتيكي
فما كان عندي من منظور ورؤية عن الأديب ألا كونه خلْقًا وسيطًا بين
الملائكة والبشر.
تعددت لقاءاتي الشخصية ب أيمن هيبة، قبل أن أنضم وأنضوي تحت مشروعه
الأدبي "قاريْ حقيقي"، الذي استجاب لندائه وأحاط به نخبة من أنقى
الأسماء إنسانيًا وأفضلها إبداعيًا، والذي حقق انتشارًا وذاع صيته في الحقل
الثقافي المصري والعربي.. والذي استهدف قراءة واعية وحقيقية لإصدارات الكتب
ومناقشتها، والربط بين الجيل المتحقق أدبيًا وجيل الشباب.
وحين أنظر في المنجز الإبداعي لأيمن هيبة بتوهّج صور قصائده ونثره أستطيع أن أقول إنه
يتخلق من مخزون إنساني وقراءات مبكرة
مستنيرة واعية ومتنوعة، تباين
منتجه ما بين الشعر بعاميته وفصيحه والنثر، فأجاد في كل نوع رغم تمسكه بالشعر
العامي واهتمامه بإخراجه في كتابين مطبوعين (دقايق قبل القطر ما يركن و علبة
دخان). وثلاثة تحت الطبع (عصافير خشب - ربع الإزازة - لون السما ف شبرا(
ولأيمن هيبة فلسفته الخاصة وصوره
الفريدة، المرسومة بريشة فنان حقيقي
تضعه في مصاف أسماء ك فؤاد حداد و صلاح جاهين.. وغيرهما من سدنة شعر
العامية في مصر.
كمتأمل لتجربة أيمن هيبة الشعرية،
برؤية قارئ متذوق أرى عمق التجربة الإنسانية المتفرّدة، وأترك لأهل النقد
إزاحة الستار على فنيات وآليات العملية التقنية لرحلته..
أتأمله في روائع عاميته المصرية المتشربة بمفردات الشارع المصري، بدون
إسفاف لنستمع لصوته يغرّد:
"يمكن ..
لما الضلمه تزيد هاتشوف
نفسك من جوّا بشكل أوضح
وكأن الصدر إزاز
يبين لون القلب .. ويفضح..
حتى الإحساس"
أو :
"
سايق عليك المحبه
ماتعدى جنب غيطان وجع تانى
خلينى أدوق مرّه حلاوة الغُنا
من غير نايات باكيه
ولا صوت كمنجه حزين يشق الكبد
من غير قلوب شاكيه المرار والقهر
سايق عليك غربتى
سايق عليك وحدتى
سايق عليك المحبه والعشم والعمر ..
اللى سنينه اتسرّبت كالزيت ..
غطّت فلنكاتك
تدينى فرصه .. حتى لو كان شهر
سايق عليك النبى
ما تعدى جنب غيطان وجع تانى
يا قطر"
وكذلك صوته الشعري باللغة الفصحى حين يصدح:
من يوميات المشائين "
يمشي وحده ..
ظهرا .. عصرا .. في كل الأوقات
لا يتبعه ظلٌ..
يرفع قدميه اليمني.. ثم اليسرى.. ينظر تحتهما في إمعانٍ..
يتلفت حوله
لا يجد الظل
يلجأ للحائط مكدودا يبكي
الأحجار الصماء تمدد ظلا في الناحية الأخرى
لا يدركه..
ينهار سريعا مفترشا فخذيه
تحت الأغصان المتشابكة لإحدى الأشجار الضاربة بعمق في أصل الأرض..
يجلس وحده
يقنع نفسه..
أن الظل المفقود توحّد
في ظل الشجرة!"
ولا يفوتني أن أشيد بفنيته في السرد القصصي مرورا عابرًا بمقطع من
نص من قصة شخبطة طريق
"انتبه لبروز
صدر فتاة ترفع رأسها وتمشي منتصبة .. ولسان حالها يقول .. أين العيون لترى .. أبدأ
لعبتي فأبدل مكان الصدر لأضعه في الخلف .. ابتسم لرؤيتها مسطحة تماما من الأمام و
أربع نتوءات تبرز في ظهرها وتنمو وتزداد
ضخامة .. وما يلبث الثقل أن يجعلها تنكفئ على ظهرها..
ورغم كل ما وهبته الكلمة لأيمن من مقدرة وموهبة إلا انه يظل كأي مبدع
حقيق، يرى أنه ما زال بعد لم يخرج ما يرضاه عن نفسه لنفسه فيقول في أحد حواراته:
" أنا أيمن رزق
السيد هيبة واضح إني كمصمم أنشط مني كشاعر
واهو مشروع يضاف لكل مشاريعي المؤجلة كسلًا أو إفلاسا"
متحدثًا عن عمله كمصمم محترف..
وكما أقول له دائمًا، أن حروفه التي تترجم الوجع، تعملقه بداخلنا
فأستعير من شعره أمنيتي الخاصة:
يا عم أيمن:
سايق عليك المحبه
ماتعدى جنب غيطان وجع تانى
خلينى ادوق مرّه حلاوة الغُنا
من غير نايات باكيه