بقلم – عادل سعد
لما مرت هند بنت عتبة زوجة أبو سفيان وأم معاوية، فى طريقها من مكة للمدينة لحرب الرسول فى أحد، حرضت قريشا على نبش قبر آمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن كل عظمة من آمنة يمكن مبادلتها بفارس عند محمد، لولا أن معظمهم استفظع ذلك.
ولما قتل وحشى الأسود حمزة عم الرسول فى موقعة أحد شق بطنه وأخرج كبده وحملها إلى هند فلاكتها فلم تستسيغها فلفظتها، وراحت معه إلى جثة حمزة، فجدعت أنفه وقطعت أذنيه، ويقال إنها اتخذت من آذان قتلى المسلمين وأنوفهم خلاخيل وقلائد.
يومها غضب الرسول الحليم، وبكى لرؤية عمته صفية تتفقد جثمان شقيقها، وأقسم لينتقم، لولا أن كلمات السماء نزلت لتمنعه من الانتقام.
وجاء الأمويون للحكم وقبضوا على محمد بن أبى بكر الصديق فى مصر وأدخلوه فى جيفة حمار وأحرقوه انتقاما لما فعل بعثمان بن عفان.
ونبش آل مروان من بنى أمية قبر زيد بن على حفيد الرسول لخروجه على ملك بنى أمية واستخرجه الخليفة هشام بن عبد الملك من أكفانه وجلده وهو ميت وصلبه فى العراق على كناسة الكوفة.
وانتقم الخليفة العباسى العباس السفاح من كل ذلك، بأن أخرج كل خلفاء بنى أمية من مقابرهم وجلدهم وأحرقهم بالنار، وكانت لا تنفتح شهيته إلا بعد طعن عشرات من شباب بنى أمية بجراح قاتلة، ويمد بساطه فوق صرخاتهم لتنفتح شهيته لتناول الطعام.
وهكذا فإن ميراث القتلة باسم الدين فى بلادنا قديم، فى جينات من يتنطعون باسم الدين، ويرددون من سخف الكلام أن الأزهر مسؤول عن تفجير الكنائس. ويبدو أن الأمر لا يقتصر على هؤلاء المتطرفين دينيا فقط، بل هناك قتلة من الإعلاميين ورجال الدولة.
هؤلاء أدخلوا الفريق سعد الدين الشاذلى السجن الحربى، وحُرم من مخصصات أوسمة حرب أكتوبر وهو قائدها المنتصر، ونُزعت صورته من بانوراما حرب أكتوبر ليوضع بدلا منها حسنى مبارك.
واختطفوا د.عبد الوهاب المسيرى لاعتراضه على الرئيس وهو فى السبعين من عمره من السيدة زينب مريضا بالسرطان، وألقى فى الصحراء هو وزوجته، فأصيب بالتهاب رئوى ومات بعدها بستة أشهر.
وضربوا د.محمد حلمى مراد وزير التربية والتعليم ورئيس جامعة عين شمس الأسبق وهو على مشارف الثمانين، ووجده تلاميذه بعد ثلاثة أيام مكوّما بالبيجاما وفردة شبشب فى ركن غرفة بقسم مصر الجديدة على البلاط وبدون بطانية ينام عليها أو يتغطى فى عزّ برد يناير، وقيل لتلميذه المحامى الكبير إنها مجرد: «قرصة ودن» لانتقاده ترشح الرئيس.
وأوقفوا نجيب محفوظ وهو ميت، لتفتيش صندوق نعشه، لضمان خلوه من المتفجرات، لأن الرئيس سيمشى بجواره، ولما أخرجوه من أكفانه واطمأنوا، مددوه تحت الحراسة- ضمانا للأمن - فى حر الشمس ست ساعات، ينتظر الرئيس، القادم داخل سيارته المكيفة.
والواقع أن الصحافة المصرية تشوهت منذ السبعينات مع ظهور إعلاميين لا يدركون خطورة الكلمة واللعب بالدين، هؤلاء شجعوا الجماعات الإسلامية على ضرب الناصريين والشيوعيين، لترضية الرئيس، ولما استفحلت العقارب ورفعت أذنابها، رفعوا شعار الحوار مع المتطرفين، وحرضوهم على قتل بعضهم البعض، ولما قتلوا الرئيس السادات، تقررت تصفيتهم، ورفعوا مع اللواء زكى بدر شعار الضرب فى سويداء القلب، وأغمضوا أعينهم عن عمل السلفيين وفقا لتوجيهات سياسية، وهم لا يدركون جميعا أنهم يلعبون بالكبريت داخل برميل بارود، سينفجر فى وجوهنا جميعا.
هؤلاء الإعلاميون الذين ساهموا فى صنع المتشددين الإسلاميين وقتلهم وسجنهم، هم أيضا كانوا طوال الوقت يحاربون اعتدال الأزهر ويسخرون من علمائه.
وحتى بعد أن استولى الإخوان على الحكم، وتولى مرسى وبطانته، كانت كل جماعة من هؤلاء، ترتب مصر حسب أهوائها ووفق تصوراتها عن الإسلام مع استبعاد الأزهر الشريف.
وأعلن الشيخ يعقوب مهددا الأقباط أن غزوة الصناديق نجحت، ومن لا يعجبه ذلك عليه أن يهاجر كندا، وخرجت طوائف لهدم الأضرحة، باعتبارها عملا مقدسا، وانشغل البعض الآخر بإسلام بنات النصارى، ومن دخان فتنة هدم الأضرحة، وتكفير المتصوفة، أشعلوا النار فى البلد من أجل كاميليا شحاتة وسلوى عادل وأسماء التى كانت عبير، وحرصا على استمرار الحريق، خرج بعضهم ليعلن أن عدد نسوانهم، الأسيرات فى الكنائس والأديرة، لا يقل عن ثلاثمائة من الإماء والحرائر، وهو ما يعنى أن سجداتهم القتالية لن تتوقف قبل عصر يوم القيامة.
واستعاذ بعضهم من الشيطان الرجيم، وقرر الجهاد بالبحث عن الشيعة وقتلهم، وذُبح أحد شيوخ الشيعة فى إحدى القرى وجرى التمثيل بجثته بعد تعذيبه.
تلك، حتى لا ننسى، صور سريعة من الذاكرة، من حياة كان يجب أن نعيشها، وأفكار كان ينبغى أن تشغلنا، وفقا لمن يدعون الآن دفاعا عن الإسلام، وكان التصادم بين تلك الجماعات المتناحرة، حتميا، وسيقودنا يوما، إلى حرب الشوارع، وحرب المساجد، وأنصار بيت المقدس، وتنظيم القاعدة وداعش وأخواتها.
والمحزن أن الإخوة الإعلاميين الشرفاء كانوا طوال الوقت يلعبون على كل الحبال لترضية المتشددين ومكتب الإرشاد ولو على حساب الوطن. وأيامها زادت حدة سخريتهم من موقف الأزهر بعد أن بدا الصدام واضحا بين قياداته التى رفضت تغيير ثوابتها ورفضت توجهات الإخوان.
وربما لا يعرف هؤلاء أن شيخ الجامع الأزهر الشريف من قديم الأزل قيادة روحية لعدد من طوائف الشيعة كالإباضية واليزيدية والجعفرية، ويجمعهم مع السنة تحت مظلة الإسلام. وهو الأمر الذى يسعى أعداء مصر والعرب لتمزيقه بإشعال الفتن والحروب بين الشيعة والسنة. وهناك فتوى واضحة للشيخ شلتوت بصحة صلاة السنى خلف شيعي. ولهذا لم يكن غريبا أن يبادر الإمام الأكبر برفض تكفير الشيعة، وأن يرحب بفتوى خامئنى بمنع سب صحابة رسول الله والسيدة عائشة.
لذلك فإن هيبة الأزهر ومكانته الدينية والروحية عند المصريين، ينبغى أن تعود، بكل قوة لوحدة الأمة وحمايتها، لكن وقبل كل ذلك ينبغى إيقاف هؤلاء الذين ما زالوا يمرحون فى الفضائيات والصحف، وهم كالعادة جهلاء يدعون أنهم يدافعون عن مصلحة الوطن والإسلام.