الخميس 23 مايو 2024

البابا الزاهد على أرض المحروسة

25-4-2017 | 13:48

تقرير: سارة حامد

هدوء ساد المكان قبل أن ترن الأجراس، وتتصاعد الأدخنة البيضاء معلنة فى ١٩مارس ٢٠١٣ بعد اجتماع سرى استغرق ٢٥ دقيقة، أعلن ١١٥ من أراخنة الفاتيكان، من أعلى ساحة القديس بطرس هناك، تنصيب الكاردينال « خورخى ماريو بيرجوليو» البابا السادس والستين، الذى كانت أولى كلماته بعد تنصيبه «صلوا كى يبارك الله أسقف روما» قبل أن يوجه التحية المعتادة إلى المدينة والعالم.

٧٦ عاما عمر الكاردينال « خورخى ماريو بيرجوليو» البابا عند تنصيبه بطريرك روما؛ حيث اختار أن يحمل اسم «البابا فرانسيس الأول» تأثرا بالقديس فرانسيس الأسيزي، أحد معلمى الكنيسة، المعروف عنه الدفاع عن الفقراء والبساطة والسلام، ليكشف عن طريقته المتوقعة لإدارة الكنيسة لكنه فى الوقت ذاته صعب من مهمته.

مرجعية بابا الفاتيكان

رغم كونها كاثوليكية متدينة، لكن لم تؤيد والدته فى بداية الأمر قرار دخوله الكهنوت لأنه كان أكبر أشقائه الأربعة، وكان والده مهاجرًا من إيطاليا إلى الأرجنتين.

أثناء مرحلة المراهقة أصيب البابا بالتهاب رئوى حاد نتيجة العدوى، ترتب عليه استئصال رئته اليمنى حين كان كاهنًا، ومنذ طفولته وشبابه، عرف عن البابا شغفه بالأفلام، والموسيقى الشعبية فى الأرجنتين، ورقص التانجو، ومتابعته كرة القدم خاصة نادى برشلونة.

فرانسيس والكهنوت

حصل البابا فرانسيس على درجة الماجستير فى الكيمياء من إحدى الجامعات الأرجنتينية، كما درس العلوم الإنسانية واللاهوتية فى تشيلي، وأشهر نذوره الرهبانية فى ١٢ مارس ١٩٦٠، ليغدو بذلك راهبا كاثوليكيا، بعد إنهاء دراساته الأولى فى تشيلي، عاد إلى الأرجنتين ليتابع دراساته فى الفلسفة واللاهوت فى المعهد الإكليركى هناك، وتابع كذلك دراساته فى الأدب وعلم النفس وتخرج فيها عام ١٩٦٤.

حياة الزُهد

أصر البابا فرانسيس بعد تنصيبه على الاحتفاظ بالصليب الحديدى الذى كان يرتديه كرئيس أساقفة، ولم يرتد الصليب الذهبى الذى ارتداه سابقوه، كما ارتدى بطرشيل بيضاء اللون –زى مسيحي- بدلًا من الحمراء التى يفرضها التقليد، إلى جانب ذلك رفض الإقامة فى القصر الرسولى المقابل لساحة القديس بطرس، وفضل الإقامة فى بيت القديسة مرثا، وهو منزل صغير لاستقبال ضيوف الفاتيكان، ليكون بذلك أول بابا لا يتخذ من القصر الرسولى مقرًا دائمًا لسكناه.

اللافت هنا.. أن البابا فرانسيس رفض ارتداء السترة الواقية من الرصاص رغم إعلان جماعات متطرفة استهدافه، قائلا: «مجرد علبة سردين تفصلنى عن الناس، صحيح أنه بالإمكان أن يحدث أى شىء، لكن ليس فى عمرى الكثير لأخسره، وكل شيء بيد الخالق».

رئيس الإساقفة الزاهد

فى ١٩٩٨ شغل البابا فرانسيس منصب رئيس الأساقفة وصار مشهورا بالتواضع، والعدالة الاجتماعية، والمحافظة على شئون العقيدة حيث ساهم نمط حياته ككاردينال فى تكريس صورته بالزاهد، واكتفى بالعيش فى شقته الصغيرة المكونة من غرفتين، بدلًا من مقر رئاسة الأساقفة الفخم، كما أنه أثناء شغله منصب رئيس الأساقفة تخلى عن سيارة الليموزين مع سائق شخصي، وكان يستخدم فى تنقلاته وسائل النقل العام.

بابا الأديان

عرف عنه فى كافة أنحاء العالم باحتضان كل الأديان، لاسيما عقب حضوره صلوات يهودية فى الأرجنتين عام ٢٠٠٧، كما أن لقاءات جمعته بعدة كنائس كاثوليكية فضلا عن أول لقاء مع بطريرك أكبر الكنائس الأرثوذكسية البابا كيريل، بعد مقاطعة ظلت نحو ألف عام لتأكيد دعوته بتقارب الطوائف والكنائس المسيحية إلى جانب لقائه بشيخ الأزهر، الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فى مؤتمر مقومات السلام فى الأديان الذى عقد فى ألمانيا فى مارس ٢٠١٦.

فى نوفمبر ٢٠١٥ زار البابا فرانسيس مسجد «بانغي» الكبير فى أحد أحياء عاصمة إفريقيا الوسطى، والذى شهد مجازر وحشية خلال معارك بين فصائل مسيحية ومسلمة، مؤكدا خلال الزيارة تلك أنه يجب رفض الحقد والثأر والعنف وخصوصا العنف الذى يرتكب باسم ديانة أو باسم الله.

وبعد ساعات احتشد آلاف المسلمين عند مقر إقامته يرتدون قمصانا طبعت عليها صورته، لحضور القداس المسيحي، فى الوقت الذى كان لا يوجد مسلم يجازف فى المجيء إلى الحى المسيحي، لكن سرعان ما اختلط المسلمون بين الجموع وسط هتاف وتصفيق الناس الذين كانوا يرددون «انتهت الكراهية».

الإنسانية عنوان رسالته

فى إبريل ٢٠١٦ اصطحب البابا فرانسيس ١٢ مهاجرا سوريا منهم ٦ أطفال على طائرته الخاصة؛ لتعتنى بهم جمعية خيرية فى الفاتيكان، جاء ذلك خلال زيارته معسكرا للمهاجرين فى جزيرة ليسبوس باليونان واصفا أنها: «زيارة حزينة لأنها أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية».

رجل الدين المتحرر فكريا

«من أنا لأكون قاضيا».. بتلك الكلمات أجاب قداسته عن تساؤلات وجهت له عن رأيه فى المثلية الجنسية بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، قال: «إذا كان شخص ما مثلى الجنس، وأنه يبحث عن الرب ولديه حسن النية، من أنا للحكم عليه؟»، واتخذ العديد من المثليين والسحاقيات هذه التصريحات على أنها بادرة ترحيب من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بهم، لكن سرعان ما أوضح البابا موقفه من تلك القضية مدافعًا عن تعليم الكنيسة الكاثوليكية الاجتماعية؛ حيث قال: «إن الله خلق الإنسان، رجلًا وامرأة، وأعدهما جسديًا الواحد للآخر، فى نظام قائم على العلاقة المتبادلة، يثمر فى وهب الحياة للأولاد، لهذا السبب لا توافق الكنيسة على الممارسات المثلية، لكن المسيحيين مدينون لجميع البشر، بالاحترام والمحبة، بغض النظر عن توجههم الجنسي، لأن جميع البشر هم موضع اهتمام الله ومحبته لكن المثلية تعد أحد أشكال التمييز المبكر ضد الأطفال».

حوار دينى متزن

كما دعا البابا كافة الكنائس للتوحد وأن يكون الحوار الدينى أوسع نطاقا، وليس مجرد التركيز على مسائل مثل المثلية الجنسية والإجهاض قائلا: لابد للكنيسة أن تجد توازنا جديدا وإلا فإن الصرح الأخلاقى للكنيسة من المرجح أن يسقط ويفقد نضارة وعطر الإنجيل، فى حين أن كنائس المشرق لا تؤمن بالمرأة قسا، دعا البابا فرانسيس لرسامتها الكهنوتية؛ لأنها جزء أساسي من الكنيسة، قائلا: هناك حاجة إلى عبقرية المرأة أينما اتُخذت قرارات مهمة.

فى ديسمبر ٢٠١٣، قدم البابا فرانسيس دعوة لإحداث تغييرات كبيرة فى الكنيسة الكاثوليكية وإعادة النظر فى العادات القديمة، قائلا: لا أريد الكنيسة الكاثوليكية تعتنى فقط بمركزها ومكانتها؛ لتتحول فى نهاية الأمر إلى شبكة من الإجراءات والروتين.

كما قدم نفسه على أنه تقدمى فى العديد من القضايا العلمية، وقال لأعضاء الأكاديمية البابوية للعلوم أنه يؤيد نظرية التطور، مبررا ذلك أنها لا تتعارض مع وجود الخليقة، بحسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية.

تصريحات فرانسيس

فى سبتمبر ٢٠١٥، واصل البابا فرانسيس اتخاذ قرارات غير تقليدية فى الكنيسة الكاثوليكية، عندما أعلن أن الكهنة فى جميع أنحاء العالم سوف يسمح لهم أن يغفروا خطيئة الإجهاض، قائلا: «لقد قررت منح جميع الكهنة حرية التصرف فى الإعفاء من خطيئة الإجهاض، إننى أدرك جيدا الضغط الذى دفعهن إلى اتخاذ هذا القرار، وأنا أعلم أنها محنة جوهرية وأخلاقية، لا يمكن أن يرفض الله العفو عمن تابت، ولا سيما عندما يقترب هذا الشخص من سر الاعتراف بقلب مخلص من أجل الحصول على المصالحة مع الآب، أود أن أعيد التأكيد بأقصى قدر ممكن على أن الإجهاض خطيئة خطيرة، لأنها تضع حدا لحياة بريئة».

جوائز عالمية

وفى ديسمبر ٢٠١٣ منحته مجلة التايم الأمريكية لقب «شخصية العام» نظرا لقدرته على التأثير فى عقول قطاع كبير من المسيحيين الكاثوليك الذين تركوا الكنيسة، وتمكنه خلال أشهر قليلة من تنصيبه إعادتهم إليها، وهو السبب الذى رشح اسمه فى مارس ٢٠١٤ للحصول على جائزة نوبل للسلام، ولم يحالفه الحظ لكنه ظل مستمرا فى تكريس الكاثوليك حول العالم.

الثقافة البيئية فى حياة بابا الفاتيكان

فى يونيو ٢٠١٥، تحدث البابا فرانسيس عن البيئة، وأصدر بحثا مكونا من ١٨٤ صفحة، محذرا من مخاطر تغير المناخ، ووجه كلمة للعالم أجمع قال خلالها: إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن هذا القرن قد يشهد تغيرات مناخية غير عادية وتدمير غير مسبوق للنظم الإيكولوجية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة علينا جميعا.

البابا فرانسيس فى الجمعية العام للأمم المتحدة

خطاب ترك أصداء عالمية وجهه البابا فرانسيس داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقرها فى نيويورك فى سبتمبر ٢٠١٥، والتى تعد تلك المرة الخامسة التى يزور فيها بطريرك الفاتيكان مقر الأمم المتحدة، والمرة الأولى التى يزور فيها البابا فرانسيس، الخطاب وصفه العالم بأنه مختلف عن الخطاب البروتوكولى الذى اعتاده أسلافه قال فيه:»إن العالم المعاصر المترابط بشكل واضح، يعانى تفتتا اجتماعيا كبيرا ومتناميا ومستمرا، وهو ما يشير لخطر قد يؤدى إلى مواجهة البشرية بعضها لبعض من أجل الدفاع عن المصالح، لا يسعنا أن نقبل بإرجاء بعض أجندات الأمم المتحدة إلى المستقبل، لأن ذلك يتطلب منا قرارات هامة وشاملة إزاء الصراعات العالمية التى تزيد عدد المهمشين والمعوزين حول العالم، على البيت المشترك لجميع البشر أن يقوم دائما على أساس الفهم المستقيم للأخوة الكونية واحترام قدسية كل حياة بشرية، وكل رجل وامرأة والفقراء، المسنين، الأطفال، المرضى، الأجنّة، العاطلين عن العمل، المتروكين ومن يُعتبرون أهلا للإقصاء لأنه يُنظر إليهم على أنهم مجرد أرقام فى هذه الإحصائية أو تلك، كما لا بد أن يُبنى البيت المشترك لجميع البشر أيضا على أساس فهم قدسية الطبيعة المخلوقة، وهذا سيتحقق إذا ما تمكن ممثلو الدول من تحييد المصالح القطاعية والأيديولوجيات والبحث بصدق عن خدمة الخير العام».

يُصلى من أجل مصر

مصر كانت حاضرة هى الأخرى فى صلوات البابا فرانسيس، وكانت آخر الصلوات التى أقامها البابا فرانسيس لمصر، عقب أحداث تفجيرى كنيستى طنطا والإسكندرية اللذين وقعا أثناء احتفال الأقباط بـ»أحد الشعانين»، قائلا: دعونا نصلى من أجل ضحايا الاعتداء الذى استهدف كنيسة قبطية فى مصر، ليهدى الرب قلوب الذين يزرعون العنف والإرهاب وأولئك أيضا الذين يهربون الأسلحة. وفى ١١ ديسمبر الماضى، دعا قداسته للصلاة من أجل ضحايا الكنيسة البطرسية فى مصر، «نصلى من أجل أن تعبر مصر هذه الأوقات الحزينة سريعا، وأن تخرج منها أكثر قوة وعزما للمضى للأمام فى طريق السلام والازدهار والتقدم، وأن تنجح الجهود المبذولة فى اقتلاع جذور الأفكار والأيديولوجيات التى تتبنى العنف والإرهاب، وتعمل على نشر الكراهية والموت والدمار، خالص التعازى إلى مصر قيادة وشعبا».

أما فى ١٥ أغسطس ٢٠١٣، عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، رفع البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، الصلوات من أجل مصر، قائلا:» أخبار مؤلمة جدا تصل من مصر، أود أن أصلى من أجل الضحايا وعائلاتهم والجرحى ومن يتألمون، فنصل معًا من أجل السلام والحوار والمصالحة فى هذه الأرض الغالية».

تفاصيل زيارة القاهرة

«بابا السلام فى مصر السلام».. شعار الزيارة المرتقبة للبابا فرانسيس فى الفترة ما بين ٢٨ و٢٩ إبريل الجاري، ووفقا للجدول الزيارة الذى أعلنته الفاتيكان مؤخرا، يصل قداسته فى تمام الساعة ٨ صباح يوم الجمعة ٢٨ إبريل، إلى مطار القاهرة وسيتم الترحيب الرسمى به فى قصر الرئاسة فى مصر الجديدة، وفى تمام الساعة ١٠:٤٠ صباحا يجتمع البابا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعقبها زيارة المقر البابوى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية فى لقاء يجمعه بالبابا تواضروس ينتهى بخطاب صحفى مشترك ثم ينضم البطريرك الأرثوذكسى بارثولوميو الثانى إلى البابا فرانسيس فى القاهرة حيث سيزور الأزهر ويلتقى الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب خلال المؤتمر الدولى للسلام الذى يضم أبرز القيادات المسيحية والاسلامية فى العالم وسيعقد المؤتمر برعاية الأزهر الشريف.

وفى تمام العاشرة صباح السبت ٢٩ ابريل الجاري، سيحضر البابا فرانسيس القداس الإلهى فى القاهرة، وفى الساعة ١٢:١٥ سيتناول الغداء مع أساقفة مصر والوفد البابوي، وفى تمام الساعة ٣:١٥ عصرا ندوة مع رجال الدين والرموز الدينية وخطاب رسمى لبابا الفاتيكان، وحفل وداع ينتهى فى تمام الخامسة مساءا ليبدأ المغادرة من مطار القاهرة إلى مطار تشامبينو فى روما.

وأوضحت الفاتيكان، أن شعار «بابا السلام فى مصر السلام»، مكتوب باللغتين الإنجليزية والعربية وموجود بالشعار البابا فرانسيس، وحمامة السلام والأهرامات المصرية لتسليط الضوء على تاريخ الحضارة المصرية والنيل وهو رمزية للحياة، وأيضا يوجد فى الشعار الصليب والهلال وهو رمز التعايش بين الشعب المصري.