الخميس 27 يونيو 2024

من سينما رويال.. إلى مسرح الجمهورية

فن25-10-2020 | 12:54

إن إقامة المسارح عملاً غير منعزلاً إنما جاءت نتيجة حاجة ملحة لا يمكن لأحد أن ينكرها ، فالإنسان بعد أن نهم وأوجد الاختراعات الضرورية كان عليه أن يبحث عن ما يروح به عن نفسه ، فحتمًا بعد العمل يكون الترويح وبعد متاعب الحياة التى تمليها علينا تأتى مزية الفنون بأشكالها المتنوعة ومن ضمن تلك الفنون المسرح فهو بانوراما حية للبطولات الإنسانية والهيكل الأمثل الذى يلتقى عنده عُشاق الفنون الجميلة حيث هو مدرسة الشعوب فجميع الشعوب عرفت إلى حد ما المسرح ، وقد عرفت مصر المسرح لأول مرة على يد الحملة الفرنسية فى أواخر القرن الثامن عشر.

حيث سمى المسرح الأول فى مصر ب " مسرح الجمهورية والفنون " ويحفظ لنا التاريخ اسم أول مسرحيتين تم تمثليهما على خشبته وهما رواية الطحانين ورواية زايس وفلكور أو بونابرت فى القاهرة وقد اشترك فى تشخيص المسرحيتين أغلب علماء فرنسا بمصر وتم هدمه بعد رحيل الحملة ثم توالت إنشاء المسارح فى مصر على يد الخديو إسماعيل بعد أن وضع الفرنسيون اللبنة الأساسية للمسرح ، ومن ضمن المسارح التى تم تأسيسها فى أواخر القرن التاسع عشر مسرح الجمهورية.

 ويقع المسرح بشارع الجمهورية ( إبراهيم باشا سابقًا ) بحى عابدين وسط العاصمة ( القاهرة ) وكان هذا المبنى حتى عام 1959 م من أقدم دور العرض السينمائى بالقاهرة وكان معروفًا باسم دار سينما رويال والتى تم إنشاؤها عام 1912 م وفى عام 1959 م أصدر وزير الثقافة ثروت عكاشة القرار رقم 297 لتحويله إلى مسرح وأطلق عليه مسرح الجمهورية ويعتير إحدى مسارح دار الأوبرا المصرية ويدخل ضمن البرنامج السنوى لدار الأوبرا .

لقد كان الإفتتاح الأول لمسرح الجمهورية عندما وقع اختيار وزارة الإرشاد القومى والثقافة على هذه الدار لتوظيفها فى تقديم العروض المسرحية وتم تحويلها إلى مسرح بدلاً من إزالتها وقد أجريت على المسرح تعديلات ضخمة غطت أرجاؤه بالديكورات والزخارف البديعة وأنشئت واجهة جديدة تطل على شارع الجمهورية وزود المبنى كله بوسائل إضاءة حديثة ، وافتتح بعد تحويله من دار سينما إلى مسرح فى يناير عام 1960م فى عهد الرئيس عبدالناصر وثروت عكاشه الذى كان يشغل منصب وزير الثقافة والإرشاد القومى آنذاك .

ويعد مسرح الجمهورية من المسارح الفخمة والعريقة فى مصر وأكثرها استعدادًا لتقديم العروض المسرحية والموسيقية على مدار السنة وذلك لأنه مزود بأجهزة تكييف منذ عام 1963 م ، وتقدم على خشبته عروض الفرق الموسيقية المحلية منها والعالمية ، وفى شهر مايو عام 1963م قُدم أوبريت ( الباروكة ) المقتبس من محمد مراد وألحان سيد درويش ، أيضا تم تقديم مسرحية قصر الشوق للكاتب الكبير نجيب محفوظ فى الثالث عشر من نوفمبر عام 1963 م وكان كلا العرضين من إخراج زكى طليمات .

ومنذ عام 1962م وحتى عام 1964 م قدمت الشعبة الثانية بالمسرح القومى عروضها من المسرحيات العالمية بمسرح الجمهورية مثل  " الشيخ متلوف ، بيت برنار ألبا ، دكتور كتوك ، ماكبث ، الخال فانيا " ، كما قدم المسرح القومى عروض ( القضية ، السبنسة ، الفرافير )

وفى صيف 1964 م خصص المسرح لعروض فرقة المسرح العالمى التابعة لفرق التليفزيون المسرحية فقدمت عروض ( البراجوازى النبيل ، مريض الوهم ، وراء الأفق ، الدرس والمتحذلقات ، الجريمة والعقاب ) ، ثم قدمت عليه عروض فرقة المسرح الكوميدى فى موسمى 1965 ،1966 م بعد احتراق مسرح الجيب بنادى السيارات عام 1963 م

وبسبب إمكانات المسرح وحسن تجهيزه استخدمته فرق كثيرة خاصة فى شهور الصيف مثل مسرح الحكيم وفرقة يوسف وهبي ، فرقة ابن البلد ، فرقة القاهرة الاستعراضية ، فرقة أوبرا القاهرة ، فرقة الباليه المصرية.

وجديرً بالذكر أن من أهم المهرجانات التى أقيمت فى تلك الفترة مهرجان 23 يوليو للموسيقى ومهرجان الرقص الشعبى عام 1966 م ، مهرجان فرق الشركات ، مهرجان المسرح الكوميدى ، ومن الفرق الأجنبية الزائرة ( فرقة الخليج الكويتى، وفرقة الماندراجوا الإندونيسية للفنون الشعبية ، فرقة الفنون الهندية الشعبية .

وفى الثامن من أكتوبر عام 1979 م بمناسبة عيد الفن والثقافة ، افتتح الرئيس محمد أنور السادات مسرح الجمهورية مرة ثانية بعد إنتهاء عمليات التطوير الشامل فى احتفالية فنية ضخمة ضمت كل من وردة وياسمين الخيام ، محمد قنديل ، هانى شاكر ، محرم فؤاد حيث أنشدوا نشيد " الفن حب وإيمان " من ألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب وتوزيع ميشيل المصري وبمشاركة 300 عازف وفنان من أمهر عازفي الفرقة الماسية وبمشاركة كل من الفرق الذهبية والأوركسترا السيمفونى إلى جانب كورال الفرقة العربية بقيادة المايسترو أحمد فؤاد حسن

وبعد حريق دار الأوبرا فى الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1971 م أصبح مسرح الجمهورية المسرح الرسمى للدولة كبديل عن دار الأوبرا إلى حين تم إنشاء دار الأوبرا مرة أخرى حيث تم التجديد والتغيير فى واجهة المسرح المطلة على شارع الجمهورية واتخذت نمط العمارة الرومانية وعُدل السقف إلى الشكل الكلاسيكى ومن الداخل يوجد بالصالة نجفة من الكرستال قطرها 150 سم وإرتفاعها 250سم وتم استدبال المدخل الرخامى بالجرانيت وأُعيد تنسيق الصالة كما أُلغيت البناوير و كست أرضية المقاعد بالقطيفة الحمراء وتم تزويد المسرح بأحدث معدات الإضاءة والصوت التى تعمل بالكمبيوتر .

ومنذ عام 1980 خصص المسرح ليكون بديلاً عن دار الأوبرا لتقديم حفلات وعروض فرق قطاع الأوبرا والموسيقى مثل أوركسترا القاهرة السيمفونى وفرقة أوبرا القاهرة والتى قدمت عددًا من الأوبرات العالمية خلال المواسم الفنية السنوية ، كما قدم مسرح حديقة الأزبكية العديد من عروضه وذلك خلال فترة تجديده مثل السيرة المحمدية ، أولاد الأصول ، وقدمت بالمسرح بعض عروض المسرح المتجول منها المزاد والجارية ، كما استقبل المسرح فرق الدراما والباليه والفنون الشعبية فى أوائل الثمانينيات مثل فرقة مارتان وفرقة بارباز المسرحية ، أيضاً البانتوميم الإنجليزية ، فرقة مسرح الأقنعة البريطانية التى زارات مصر لأول مرة بعد احتراق الأوبرا المصرية القديمة .

وفى عام 1990 ، تم إغلاق المسرح بسبب هبوط وتشقق أرضية الصالة بتأثير مياه بئر عميق يقع أسفلها وفى عامى 1994 ، 1995 م أجريت على المسرح إصلاحات شاملة بهدف تطوير مرافقه الخدمية والإدارية وتم تزويد سوفيتة المنصة ب 18 سكة لتستوعب عددًا كبيرًا من المناظر كما أًنشئت غرف النانين وزُود المسرح بنظام الحاسب الآلى ، ومن ثم تم افتتاح المسرح للمرة الثالثة بعد هذه الإصلاحات بحضور وزير الثقافة فاروق حسنى أنذاك فى الثانى من ديسمبر عام 1995 م ، وبمناسبة الإفتتاح تم عرض ألف ليلة وليلة من تأليف بيرم التونسى وألحان أحمد صدقى وبطولة على الحجار ويحيى الفخرانى ومن غناء المطربة أنغام وأخرجها محسن حلمى .

وفى 21 ديسمبر عام 2001 ، قام  فاروق حسنى وزير الثقافة فى تلك الفترة وقرينة رئيس الجمهورية سوزان مبارك بافتتاح مسرح الجمهورية للمرة الرابعة من تاريخ إنشائه وذلك بعد عملية تطوير المسرح حيث تم تجديد واجهة المسرح الرئيسية وتغيير كامل لخشبة المسرح طبقًا للمواصفات الفنية ، تغيير لأنظمة الصوت والإضاءة بما يمكن من تقديم عروض قوية ، ضبط أرضية البلكون والصالة ليتمكن المشاهد من الرؤية الواضحة من جميع الجوانب أيضًا ، إجراء ديكورات متكاملة داخل المسرح تتناسب مع القيمة التاريخية للمبنى  وتزويد المسرح بأعمال فنية تشيكلية لكبار الفنانين وتجديد استراحات الجمهور.

وبمناسبة إعادة الافتتاح قدمت فرقة الرقص المسرحى الحديث رائعة ريمسكى كورساكوف " شهرزاد " من تصميم رقصات وإخراج وليد عونى والتى كتبها كورساكوف نظرًا لقراءته لألف ليلة وليلة والتى أثارت جدلاً حسيًا فى تناول خيالات الشرق ، حيث تعتير من أهم روائع التراث الشرقى .

وللمسرح مدخلان من الناحية الشرقية المطلة على شارع الجمهورية حيث المدخل الرئيسى المؤدى إلى بهو المستطيل بعرض المبنى يؤدى إلى ممر البناوير والكواليس وبه سلمين يؤديان إلى الطوابق العلوية حيث تقع استراحة كبار الزوار والبنوار الرئيسى أما المدخل الثانى للمسرح فهو خاص بدخول الفنانين ومازال لمسرح الجمهورية مكانته القائمة بين مريديه ومازال جدوله حافل بالعروض الفنية المختلفة .