شهد المجتمع المصري خلال العقود الماضية تحولات في الثقافة المجتمعية السائدة، تحاول إعادة إنتاج منظومة من القيم السلبية التي تحمل في طياتها نظرة سلبية تجاه المرأة، وهو ما يضيف إلى التحديات التي تواجه جهود تمكين المرأة وبناء قدراتها، وهذا ينعكس أيضا على زيادة موجات العنف ضد المرأة، فضلا عن انتهاز البعض الفرص لتوظيف نصوص دينية في غير محلها بشكل يخالف صحيح الدين، بغرض تقليص مساهمة المرأة في المجال العام، وقصر دورها في الحياة على الزواج والإنجاب.
ولذلك بدأت الحكومة المصرية في جهود حثيثة في السنوات الماضية لدعم وضع المرأة في مصر من خلال عدة إجراءات استهدفت تمكين المرأة سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا، بالإضافة إلى القضاء على كل أشكال التمييز ضدها، فضلا عن اتخاذ إجراءات أخرى بهدف تغيير القيم، والعوامل الثقافية، والمفاهيم المجتمعية التي تؤثر سلبا على المرأة، وتفعيل دورها سواء على الصعيد المحلي، أو الدولي.
وبالرغم من تنامي دور المرأة في شتى المجالات، إلا أنه لا يزال دون الطموح، فهناك الكثير من أشكال التمييز بين الرجل والمرأة ما يعيق انخراط المرأة في ميادين التنمية الشاملة، وأشكال هذا التمييز متعددة منها ما يعود إلى عوامل سياسية واقتصادية، لكن الأهم هو العوامل الثقافية والاجتماعية الموروثة، المتمثلة في بعض القيم، والعادات، والتقاليد، ونظرة المجتمع للمرأة.
لذلك كان لابد من دراسة أثر المحددات الثقافية على التمكين السياسي للمرأة، حيث إن الحديث عن تمكين المرأة وتفعيل المشاركة السياسية لها ليس ترفًا أو بحثا عن حقوق النمط الغربي، وإنما أصبح ضرورة ملحة في الوقت الراهن، تقتضي التعاون من أجل بناء قدرات المرأة، وتمكينها في المجالات كافة.
وقد أولت الدولة في الآونة الأخيرة اهتماما بالغا بالمرأة للنهوض بها وبناء قدراتها في جميع المجالات، وتجدر الإشارة إلى أن وضع المرأة في المجتمع يمثل محصلة تفاعل بين العديد من العوامل الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، التي تتشابك بطريقة مركبة من أجل إضفاء مزيد من التمكين للمرأة ومشاركتها في صنع القرار، وهذا يحتاج إلى درجة معينة من القوة والتمكين، لتكون فاعلا وليس مفعولا بها، لديها القدرة على الفعل والاختيار.
ومن خلال مراجعة الدراسات، والأبحاث، والكتب، التي تناولت تمكين المرأة، والقضايا المرتبطة به، نجد للأسف الشديد أن هذه الدراسات قد أغفلت البعد الثقافي والعوامل المرتبطة به، ومدى تأثيره على التمكين السياسي للمرأة.
ومن المعلوم أن المحددات والأبعاد الثقافية للمجتمع تلعب دورا رئيسا في رسم ملامح وحدود وقدرة المرأة على التحرك، وحريتها في المجال الخاص، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على المجال العام، حيث إن تأثير العوامل والمحددات الثقافية على التمكين السياسي للمرأة تأثير متعدد الأبعاد، ويتحدد بالتفاعل بين عدد من المحاور التي تشكل محددات هذا المكون الثقافي الذي يشمل أبعادا كثيرة، كالقيم، والعادات، والتقاليد، والموروثات الاجتماعية السائدة، ونظرة المجتمع لها.
وقضية التمكين السياسي للمرأة أصبحت تحتل مكانة محورية مهمة في عملية التنمية السياسية، وقضايا التحول اليمقراطي خاصة وأنها عملية متشابكة معقدة، تتضمن متغيرات متعددة أهمها حالة التمكين المجتمعية والواقع الاقتصادي والتنموي للمرأة، بالإضافة إلى المحددات والعوامل الثقافية، والاجتماعية التي تلعب دورا بارزا في تحديد مدى المشاركة السياسية للمرأة، ونظرة المجتمع لها.
وبناء على ما سبق نعمد إلى عدة نقاط للدور الثقافي من شأنها تعمل على التمكين السياسي للمرأة:
- تحديد المقصود بالمحددات و العوامل الثقافية التي تعوق عملية التمكين السياسي للمرأة .
- زيادة الوعي الثقافي والمجتمعي بمدى أهمية القضاء على المعوقات الثقافية التي تحول دون إدماج المرأة في العملية السياسية .
- القضاء على العوامل والموروثات الثقافية التي تمثل شكلا من أشكال التمييز ضد المرأة مما يؤدي إلى مزيد من الفاعلية في أداء دورها.
-العمل على وضع استراتيجية جديدة من قبل الدولة لإضفاء مزيد من التمكين السياسى للمرأة والتغلب على العوامل والأبعاد الثقافية التى تحول دون تمكين حقيقى لها.
- إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات المستقبلية فى مناطق ودول مختلفة للنهوض بالمرأة.
وإذا تم تفعيل هذه النقاط بكل دقة وشفافية يتحقق الهدف المرجو منها والذي يتمثل في تحليل واقع المحددات الثقافية للمجتمع وانعكاساتها على التمكين السياسى للمرأة وينبثق منه مجموعة من الأهداف الفرعية هى:
- تحديد المقصود بالمحددات الثقافية.
-إلقاء الضوء على الأبعاد والمحددات الثقافية التى تعوق التمكين السياسى للمرأة.
- تحديد معوقات التمكين السياسي للمرأة .طرح خيارات مستقبلية لواقع التمكين السياسي للمرأة في ضوء الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة ٢٠٣٠.
وكل ما سبق من نقاط وأهداف مرجوة يتحقق من خلال نظريات علمية ممنهجة متمثلة في: النظرية النسوية، و مدخل بناء القدرات.