الأحد 24 نوفمبر 2024

فن

الأوبئة فى الأدب العالمى

  • 26-10-2020 | 22:05

طباعة

هناك أخطاء ..  التوقف أمامها وحده من يملك تصويب مسارها وأظنه بات من المؤكد أن جريان المعادلات بصفوف منتظمة لا يليق بأنياب مساء فوضوي اجبرت فيه على الحجر المنزل فتلوك اللحظة على مضض يكفي أن تدرك أنك في المسار الخاطيء حين تفشل حسابات الفجر في حسم ليلة واحدة من ليالي الحظر. 


مشكلتنا إننا شعوبا متمردة بطبعها ولكل مقام ستين ألف مقال ولطالما تمكن منهم الظن أن الحكومات خدعتنا ومررت أجنداتها المخبأة بأحداث كهذه وهكذا .. لذا تجد أن قلة من الشعوب من انضوت تحت لواء حكومتها ونفذت تعليماتها دون أن تلجأ الأنظمة لفرض أمر كالحظر الحالي للإرغام أو التشدد مع المواطن .. ولا أدري من زج  بالكوفيد 19 لخانة التفرد بالحدث رغم أن تاريخ الأدب مليء بذكريات دسمة حول ما مر بالشعوب

لعل أكثرها شبها لواقع الحجر المنزلي ما جال بخاطر الكاتب الفرنسي ألبير كامو برواية حملت عنوان "الطاعون" وحققت نجاحاً فرنسياً وعالمياً حال صدورها عام1947،..دارت أحداثها بمدينة وهران الجزائرية في فترة الأربعينيات عندما كانت تحت الاستعمار الفرنسي موقعاً لأحداث الرواية الواقعية وشبه المتخيلة  أن مدينة وهران بحسب المراجع الطبية والاستشفائية لم تشهد هذا المرض الذي يسميه كامو "الطاعون المحرِّر" في تلك السنوات بل عدوى أخرى كانت انتقلت من العاصمة الجزائرية. ومعروف أن وهران اجتاحها الطاعون في القرن الثامن عشر خلال الاحتلال الإسباني. وبحسب الرواية، كانت مدينة وهران بدأت تشهد انتشارالطاعون الذي ضربها وأوقع فيها ضحايا مما أدى لعزلها عن الجوار.


يقول أحد أبطال الرواية الدكتور برنار أن حارس المبنى الذي يسكنه أصيب بمرض لم ينقضي وقتا حتى قضى عليه ثم يفاجأ الطبيب نفسه بالسيد غران العامل بالبلدية يزوره مخبرا إياه عن أعداد كبيرة من الجرذان تنفق في الشوارع علما أن غران هذا هو أول شخص يشفى من الطاعون بعد إيجاد دواء له على أثر هذه الظاهرة ..وأعني نفوق الجرذان ..تقرر السلطات، بعد مداولات عدة أن تغلق المدينة وتعزلها لمنع الوباء من التفشي.. فيقرر صحفي فرنسي يدعى ريمون الرحيل من وهران إلى باريس أما كوترالبغيض فيجد حافزاً للبقاء ليواصل ارتكاباته  في مثل هذا الجو المبهم ليمسي مجنونا بالنهاية وبعدما أحدث المرض حالاً من الخراب المادي والاجتماعي في المدينة يتم اكتشاف العلاج الشافي ..!


لعل ما نراه هي حالة هروب من هجمات القلق خصوصا أن الأدب أو التاريخ لم يعطِيا أهمية بالغة للمشاكل البيئية مثلما  هيمنت فيه الموضوعات النفسية والاِجتماعية والسياسية والأخلاقية والتاريخية ولم تشكل هاجسا للقاص أو الكاتب بشكل عام فأهملت أسئلة البيئة ومخاطر التلوث والأوبئة الناجمة عنها وتركت الطبيعة لتظهر فقط كخلفية رومانسية في غالب الأحيان لذا نجد أن إقصاء البيئة من اِهتمامات الأدب خلق قارئاً مُفرغًا من هذه الهموم  بل أنّ هذا النوع من الأدب حتّى لو أنّه وُجِد، فلن يَلقى الاِهتمام الّذي يستحقه؛ فالقارئ عندنا مازال مُرتبطا بقصص الحب، أو بالأدب السياسي أو الاِجتماعي الّذي ينتقد المجتمع أو السلطة السياسية.


يتحدث  الكاتب إد سايمون , في مقال قرأته مؤخرا عن أدب الأوبئة  إن ضرورة الأدب في أعقاب الوباء تتضح على نحو مؤثر في رواية إيميلي سانت جون مانديل «المحطة الحادية عشرة» أحداث الرواية تقع بعد بضع سنوات من تسبب «الإنفلونزا الجورجية» بقتل عدد ضخم من البشر وبعد انهيار الحضارة.


رواية  «المحطة الحادية عشرة» رسالة حب بمعنى ما موجهة إلى عالم مفقود أي العالم الذي يعيش فيه القارئ (حالياً). تقول إن وجودنا لم يكن يوماً لا مبالياً أبداً بدءا  من المسابح بما فيها من كلور إلى حماقة الإنترنت ثمة حب رقيق لكل وجه من وجوه عالمنا الغبي ولذا فإن التفسير الوحيد لحدوث الأزمة يعود إلى حقيقة أننا كنا مترابطين بقوة «كانت هناك دائماً بنية أساسية ضخمة وهشة من الناس فكلهم يعملون حولنا دون أن يلاحظهم أحد وحين يتوقف الناس عن الذهاب إلى العمل فإن العملية تتوقف كلياً». وبينما يجاهد الباقون لإعادة البناء فإن وظيفة السرد أن يوفر المعنى في الفراغ الذي تركه المرض .


الحاجة إلى رواية الحكايات إلى استعمال السرد لإثبات استمرار ماض محاه المرض هو الهاجس الذي يحرك أستاذ اللغة الإنجليزية جيمس سميث الشخصية الرئيسة في رواية جاك لندن ما بعد الرؤيوية والمنسية إلى حد بعيد «الوباء الوردي» (1912). 


يتخيل الكاتب جاك لندن بظلال مستمدة من إدغار ألن بو تفشي حمى نزيفية عام 2013، اسمها «الموت الأحمر» سريع العدوى والانتشار وقاتل، إنه مرض يقضي على معظم سكان العالم إلى حد أنه بعد ستة عقود من اكتشاف الوباء لا يستطيع سميث أن يصدق أن ما يتذكره عن حضارة كانت ذات يوم متطورة ليس مجرد وهم.


 ومع ذلك فإن المعلم السابق مضطرا إلى إخبار أحفاده عن عالم سبق الموت الأحمر، حتى وإن بدا له أحياناً أن تلك مجرد أكاذيب. يقول جاك لندن: "الأنظمة المتوارية تنهار مثل الرغوة. نعم - رغوة ومتوارية. كل كدح الإنسان على الكوكب كان مجرد رغوة".


الغريب أن هناك همهمات تفيد أن كوفيد_19 ما هو إلا دسيسة سياسية بين الساسة ولا أرى منفذا مناسبا لأزحلق هذه الشائعة عدا أن مطلقيها أو المقتنعين بها لم يقرأوا  ما حكاه ماركيز حول الكوليرا حين أسقطها الحب بكذبة إطلاقها ليتفرد بمعشوقته بعد أن تجولت نفس هذه الكوليرا بالبندقية لكنها كانت كوليرا حقيقية في البندقية  ليظهر من ثم السيد (سارغامو) البرتغالي فجعل من العمى وباء مستشريا متحديا بذلك نظرات الاستغراب التي مسته في عمق روايته.


نحن اليوم نشبه من أمسى في عين حمئة ولا معين بعد الله إلا العزلة التامة وتجاهل كل قول ما لم يصدر من جهة مسئولة فمن المؤكد أننا بحاجة لشيء أكثر من الحظ الجيد لننجو. 


    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة