الأربعاء 25 سبتمبر 2024

التصوف.. عز اليقين

فن27-10-2020 | 21:21

عرّف القاضى زكريا الأنصاري التصوف بأنه ( علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية كما عرفه الشيخ أحمد زروق بأنه ( علم قصد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه وأما الإمام الجنيد فعرفه (باستعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني وقال بعضهم  )التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف(، وقال أبو الحسن الشاذلي (التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية).

 

وقال ابن عجيبة إن التصوف ( علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، وأوسطه عمل، وآخره موهبة(. قال ابن خلدون في مقدمته، علم التصوف ص ٣٢٩ ( وهذا العلم - يعني التصوف - من العلوم الشرعية الحادثة في الملَّة ؛ وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق، والخلوة للعبادة، وكان ذلك عامًا في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية(.

 

قسم الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى درجات التصوف عند الصوفية فى كتابه الأدب فى التراث الصوفى إلى ثلاثة هى:

1-     المريد: وهى أول التصوف، وقيل أول التصوف علم.

2-     وسط التصوف، وقيل أوسط التصوف عمل.

3-     أعلى درجات التصوف، وتسمى درجة المنتهى، وقيل نهاية التصوف موهبة من الله.

والفرق بين التصوف والزهد:

-       التصوف: زهد فى الدنيا لكسب رضاء الله.

-       الزهد: بعد عن الدنيا لكسب ثواب الآخرة

-       التصوف: دخول فى جمال الملأ الأعلى وروحه ورحمته

-       الزهد: دخول فى مجال التقوى خوفا من عذاب الله ونقمته وجبروته.

-       التصوف: فلسفة روحية فى الإسلام.

-       الزهد: منهج علمى من مناهج المسلمين وله نظائر فى الديانات القديمة.

 

ويبنى التصوف على خمس قواعد:

 

1-     صفاء النفس ومحاسبتها.

2-     قصد وجه الله تعالى.

3-     التمسك بالفقر والافتقار إلى الله تعالى.

4-     توطين القلب على الرحمة والمحبة.

5-     التجمل بمكارم الأخلاق التى بعث الله بها الرسول صلى الله عليه وسلم لتمامها.

وسميت الصوفية لصفاء أسرارها ونقاء آثارها، قال بشر بن الحارث: الصوفي من صفا قلبه لله. وقال بعضهم الصوفى من صفت لله معاملته فصفت له من الله عز وجل كرامته. وقال قوم: إنما سموا صوفية لأنهم في الصف الأول بين يدي الله عز وجل بارتفاع هممهم إليه وإقبالهم بقلوبهم عليه ووقوفهم بسرائرهم بين يديه. وقال قوم إنما سموا صوفية لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم. وقال قوم إنما سموا صوفية للبسهم الصوف. وأما من نسبهم إلى الصفة والصوف فإنه عبر عن ظاهر أحوالهم، وذلك أنهم قوم قد تركوا الدنيا فخرجوا عن الأوطان، وهجروا الأخدان، وساحوا في البلاد، وأجاعوا الأكباد، وأعروا الأجساد، لم يأخذوا من الدنيا إلا مالا يجوز تركه من ستر عورة وسد جوعة، فلخروجهم عن الأوطان سموا غرباء، ولكثرة أسفارهم سموا سياحين، ومن سياحتهم في البراري وإيوائهم إلى الكهوف عند الضرورات سماهم بعض أهل الديار شكفتية والشكفت بلغتهم الغار والكهف. وأهل الشام سموهم جوعية لأنهم إنما ينالون من الطعام قدر ما يقيم الصلب للضرورة، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم:" بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه". ووصفهم السرى السقطى فقال: أكلهم أكل المرضى، ونومهم نوم الغرقى، وكلامهم كلام الخرقى، ومن تخليهم عن الأملاك سموا فقراء. قيل لبعضهم من الصوفي، قال: الذي لا يملك، ولا يملك يعنى لا يسترقه الطمع، وقال آخر: هو الذي لا يملك شيئا وإن ملكه بذله، ومن لبسهم وزيهم سموا صوفية لأنهم لم يلبسوا لحظوظ النفس ما لان مسّه، وحسن منظره، وإنما لبسوا لستر العورة فتجزوا بالخشن من الشعر، والغليظ من الصوف، ثم هذه كلها أحوال أهل الصفة الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا غرباء، فقراء، مهاجرين، أخرجوا من ديارهم، وأموالهم. ووصفهم أبوهريرة، وفضالة بن عبيد فقالا يخرون من الجوع حتى تحسبهم الأعراب مجانين وكان لباسهم الصوف، فلما كانت هذه الطائفة بصفة أهل الصفة، ولبسهم وزيهم زي أهلها سموا صفية، وصوفية.
ومن نسبهم إلى الصفة والصف الأول فإنه عبر عن أسرارهم وبواطنهم، وذلك أن من ترك الدنيا، وزهد فيها، وأعرض عنها، صفى الله سره ونور قلبه، قال النبي صلى الله عليه و سلم،" إذ دخل النور في القلب، انشرح، وانفسح، قيل وما علامة ذلك يا رسول الله، قال: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله، فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن من تجافي عن الدنيا نور الله قلبه"، وقال حارثه حين سأله النبي ما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت بنفسي عن الدنيا، فأظمأت نهاري، وأسهرت ليلي، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وإلى أهل النار يتعادون. وقال أبو علي الزوذباري: الصوفى من لبس الصوف على الصفاء، وأطعم الهوى ذوق الجفاء، وكانت الدنيا منه على القفا، وسلك منهاج المصطفى. وقال سهل بن عبد الله التستري: الصوفي  من صفا من الكدر، وامتلأ من الفكر، وانقطع إلى الله من البشر، واستوى عنده الذهب والمدر، وقال أبو الحسن النوري: التصوف ترك كل حظ للنفس، وقال الجنيد: التصوف تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بالعلوم الحقيقية، واستعمال ما هو أولى على الأبدية، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله على الحقيقة، واتباع الرسول صلى الله عليه و سلم في الشريعة.

وقال يوسف بي الحسين: لكل أمة صفوة، وهم وديعة الله الذين أخفاهم عن خلقه، فإن يكن منهم في هذه الأمة فهم الصوفية. قال أبو سليمان الدارنى: أهل الليل فى ليلهم ألذ من أهل اللهو فى لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء ، وقيل لسيدنا الحسن بن على رضى الله عنهما ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟، فقال: إنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره. وقال رجل لسهل بن عبد الله التستري: من أصحب من طوائف الناس؟ فقال: عليك بالصوفية، فإنهم لا يستكثرون، ولا يستنكرون شيئا، ولكل فعل عندهم تأويل فهم يعذرونك على كل حال. وقال يوسف بن الحسين: سألت ذا النون من أصحب؟ فقال: من لا يملك، ولا ينكر عليك حالا من أحوالك، ولا يتغير بتغيرك، وإن كان عظيما، فإنك أحوج ما تكون إليه، أشد ما كنت تغيرا. وقال ذو النون: رأيت امرأة ببعض سواحل الشام فقلت لها: من أين أقبلت رحمك الله قالت: من عند أقوام تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا، قلت وأين تريدين؟ قالت: إلى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، قلت: صفيهم لي فأنشأت تقول: قوم همومهم بالله قد علقت ... فما لهم همم تسمو إلى أحد، فمطلب القوم مولاهم وسيدهم ... يا حسن مطلبهم للواحد الصمد، ما إن تنارعهم دنيا ولا شرف... من المطاعم واللذات والولد، ولا للبس ثياب فائق أنق... ولا لروح سرور حل في بلد، إلا مسارعة في إثر منزلة... قد قارب الخطو فيها باعد الأبد، فهم رهائن غدران وأودية... وفي الشوامخ تلقاهم مع العدد.

 وممن نطق بعلوم الصوفية، وعبر عن مواجدهم، ونشر مقاماتهم، ووصف أحوالهم قولا، وفعلا بعد الصحابة رضوان الله عليهم، علي بن الحسين زين العابدين، وابنه محمد بن علي الباقر، وابنه جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنهم، بعد علي، والحسن، والحسين رضى الله عنهما، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والحسن بن أبي الحسن البصري، وأبو حازم سلمة بن دينار المديني، ومالك بن دينار، وعبد الواحد بن زيد، وعتبة الغلام، وإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وابنه علي بن الفضيل، وداود الطائي، وسفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينه، وأبو سليمان الداراني، وابنه سليمان، وأحمد بن الحواري الدمشقي، وأبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري، وأخوه ذو الكفل، والسرى بن المغلس السقطي، وبشر بن الحارث الحافي، ومعروف الكرخي، وأبوحذيفة المرعشي، ومحمد بن المبارك الصوري، ويوسف بن أسباط رحمهم الله.

ومن أهل خراسان والجبل أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي، وأبو حفص الحداد النيسابوري، وأحمد بن خضرويه البلخي، وسهل بن عبد الله التستري، ويوسف بن الحسين الرازي، وأبو بكر بن طاهر الأبهري، وعلي بن سهل بن الأزهر الأصفهاني، وعلى بن محمد البارزي، وأبو بكر الكناني الدينوري، وأبو محمد بن الحسن بن محمد الرحاني، والعباس بن الفضل بن قتيبة بن منصور الدينوري، وكهمس بن علي الهمداني، والحسن بن علي بن يزدانيار، وأبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي، وأبو الحسين أحمد بن محمد ابن عبد الصمد النوري، وأبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز، ويقال له لسان التصوف، وأبو محمد رويم بن محمد وأبو العباس أحمد بن عطاء البغدادي، وأبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي، وأبو يعقوب يوسف بن حمدان السوسي، وأبو يعقوب إسحاق بن محمد بن أيوب النهرجورى، وأبو محمد الحسن بن محمد الجريري، وأبو عبد الله محمد بن علي الكتاني، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص، وأبوعلي الأوراجي، وأبو بكر محمد بن موسى الواسطي، وأبو عبد الله الهاشمي، وأبوعبد الله هيكل القرشي، وأبوعلي الروذباري، وأبو بكر القحطي، وأبو بكر الشبلي وهو دلف بن جحدر، وأبو محمد عبد الله بن محمد، وأبو عبد الله أحمد بن عاصم الأنطاكيان، وعبد الله بن خبيق الأنطاكي، والحارث بن أسد المحاسبي، ويحيى بن معاذ الرازي، وأبو بكر محمد بن عمر بن الفضل الوراق الترمذي، وأبو عثمان سعيد بن إسماعيل الرازي، وأبو عبد الله محمد بن علي الترمذي، وأبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي، وأبوعلي الجوزجاني، وأبو القاسم بن إسحاق بن محمد الحكيم السمرقندي، رضى الله عنهم أجمعين.

هؤلاء هم الأعلام المذكورون المشهورون المشهود لهم بالفضل الذين جمعوا علوم المواريث إلى علوم الاكتساب، وسمعوا الحديث، وجمعوا الفقه، والكلام، واللغة، وعلم القرآن، تشهد بذلك كتبهم ومصنفاتهم، واجتماعهم على أن الله واحد، أحد، فرد، صمد، قديم، عالم، قادر، حي، سميع، بصير، عزيز، عظيم، جليل، كبير، جواد، رؤوف، متكبر، جبار، باق، أول، إله، سيد، مالك، رب، رحمن، رحيم، مريد، حكيم، متكلم، خالق، زراق، موصوف بكل ما وصف به نفسه من صفاته، مسمى بكل ما سمى به نفسه، لم يزل قديما بأسمائه وصفاته، غير مشبه للخلق بوجه من الوجوه، لا تشبه ذاته الذوات، ولا صفته الصفات، لا يجري عليه شىء من سمات المخلوقين الدالة على حدثهم، لم يزل سابقا، متقدما للمحدثات، موجودا قبل كل شىء، لا قديم غيره، ولا إله سواه، ليس بجسم، ولا شبح، ولا صورة، ولا شخص، ولا جوهر، ولا عرض، لا اجتماع له، ولا افتراق، لا يتحرك، ولا يسكن، ولا ينقص، ولا يزداد، ليس بذي أبعاض، ولا أجزاء، ولا جوارح، ولا أعضاء، ولا بذي جهات، ولا أماكن، لا تجري عليه الآفات، ولا تأخذه السنات، ولا تداوله الأوقات، ولا تعينه الإشارات، لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان، لا تجوز عليه المماسة، ولا العزلة، ولا الحلول في الأماكن، لا تحيط به الأفكار، ولا تحجبه الأستار، ولا تدركه الأبصار.