الجمعة 31 يناير 2025

فن

طه حسين.. حينما تغلبت البصيرة على البصر

  • 28-10-2020 | 10:34

طباعة

ولد عميد الأدب العربي طه حسين في 15 نوفمبر عام 1889، بمحافظة المنيا لأسرة بسيطة الحال، فقد كان والده موظفًا صغيراً في شركة السكر، وفي عامه الرابع فقد الصغير بصره بسبب الجهل في طريقة العلاج التي كانت سائدة عند أهالي القرية وهي اللجوء للحلاق وعدم الذهاب للطبيب، وبالرغم من فقدانه للبصر إلا آنه كان يبصر أفضل من المبصريين؛ فقدم الكثير من الأعمال الإبداعية المميزة والعديد من الإسهامات التي من شأنها تغير وضع الوطن العربي، فلقب بأديب الوطن العربي.  


بدأ طه حسين مسيرته التعليمية بحفظ القرآن الكريم، وأتم حفظه في مدة قصيرة، ثم انتقل للقاهرة ليستكمل دراسته في الأزهر، ومن بعد حصوله على شهادة التخصص التحق بالجامعة المصرية التي فتحت أبوابها لأول مرة عام 1908، ودرس بها العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعدداً من اللغات الشرقية كالحبشية والعبرية والسريانية، وفي عام 1914 حصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة في الآداب ليصبح هو أول الحاصلين على شهادة الدكتوراه من الجامعة المصرية، لم يكتفي طه حسين بهذا القدر من العلم فسافر إلى فرنسا ليحصل على شهادة دكتوراه في علم النفس.  


كان طه حسين مثيرًا للجدل؛ لأن أفكاره كانت مخالفة لأفكار المجتمع، وبدأت أولى أزماته عندما نُشرت رسالة الدكتوراة الخاصة به في الآداب على هيئة كتاب، حينها أتهمه أحد النواب أنه ألف كتاب به إلحاد وكفر وطالب بحرمان طه حسين من حقوق الجامعيين ولكن سعد زغلول أقنعه بالعدول عن دعوته، ولكنه مُنِعَ من الحصول على درجة العالمية في الأزهر الشريف.  


وكان كتابه "في الشعر الجاهلي" سببًا لرفع دعوى قضائية عليه من قبل عدد من علماء الأزهر متهمين طه حسين بانه أساء للدين والقرآن في كتابه كما تصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة ومنهم: مصطفى صادق الرافعي، والخضر حسين، ومحمد لطفي جمعة، والشيخ محمد الخضري، ومحمود محمد شاكر وغيرهم، إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن، ولكن طه حسين قام بتعديل أسم الكتاب ليصبح "في الأدب الجاهلي" وحذف منه المقاطع الأربعة التي اخذت عليه، كان طه حسين في هذا الكتاب تناول فكرة خاصة بِه توصل إليها من خلال استنتاجاته وتحليلاته، ألا وهي "أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين".  

ولا يجب أن نغفل عن كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" بالرغم من صغر حجمة إلا أنه ذو أهمية فاقت أهمية الكثير من الكتب، ففي هذا الكتاب الذي كتبه طه حسين بعد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، الكثير من الأفكار الخاصة بما يجب أن تفعله مصر بعدما نالت الاستقلال، وتناول فيه حلول لكل المشكلات التي تواجه التعليم والثقافة في مصر إلا أنه للأسف لم يتم الإستفادة منه في معالجة المشاكل التي واجهت المجتمع، كما تناول رؤي مستقبلية عن ثقافة مصر.  


تقلد طه حسين العديد من المناصب، في البداية عُين أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية، فعميداً لكلية الآداب لكنه لم يلبث في المنصب سوى يوم واحد؛ حيث قدم استقالته من هذا المنصب تحت تأثير الضغط المعنوي والأدبي الذي مارسه عليه الوفديون، ليعود إليه مرة أخرى في عام 1930، ولكن طه حسين لم يتقبل هذا العمل فأصدر وزير المعارف أمرًا بنقله إلى وزارة المعارف، لكنه رفض تسلم منصبه الجديد فاحالته الحكومة إلى التقاعد عام 1932، حينها قام طه حسين بالإنصراف للعمل الصحفي فأشرف على تحرير جريدة "كوكب الشرق"، لكنه قدم استقاله بسبب خلاف بينه وبين صاحب الصحيفة، واشترى امتياز «جريدة الوادي» وأشرف على تحريرها، لكن العمل الصحفي هذا لم ينل إعجابه فتركه، وفي عام 1950 تم تعينه كوزير للمعارف وأستمر في منصبه لمدة سنتين، ثم عاد إلى الصحافة وتسلم رئاسة تحرير جريدة الجمهورية. 

نال طه حسين العديد من الجوائز، فقد حصل على قلادة النيل، كما منحته جامعة الجزائر ومدريد، وجامعة بالرمو بصقلية الإيطالية الدكتوراة الفخرية، ورشحته الحكومة المصرية أكثر من مرة لنيل جائزة نوبل ولكن لم يحالفه الحظ. 


رحل طه حسين عن عالمنا 28 أكتوبر 1973 عن عمر ناهز 84 عاماً، تاركاً خلفه إرثًا عظيمًا من الأعمال الأدبية سواء أعمال نقدية والتي من أبرزها "في الأدب الجاهلي، حديث الأربعاء، حافظ وشوقي"، وكان له بصمة مؤثرة في الأعمال الفكرية فقدم العديد من الكتب ولعل أبرزها هو كتاب مستقبل الثقافة في مصر، وحديث المساء، وفي الكتب الإثرائية قدم الكثير والكثير من الكتب ومن أشهرها سيرته الذاتية "الأيام".

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة