الأحد 5 مايو 2024

التصويت المبكر

29-10-2020 | 12:05

شهدت أربعون ولاية أمريكية تسمح قوانينها بالتصويت المبكر فى الانتخابات الرئاسية إقبالا غير مسبوق من الناخبين الأمريكيين للإدلاء بأصواتهم قبل الموعد المقرر رسميا وهو الثالث من نوفمبر القادم، هذه الظاهرة أرجعها البعض إلى الخوف من العدوى من فيروس كورونا فى حال حدوث زحام يوم الانتخابات، وآخرون إلى حالة الحماس الشديد لدى الناخبين المؤيدين للحزب الديمقراطي لدعم مرشحهم جو بايدن فى مواجهة الرئيس ترامب، وهو ما عكسته بالفعل استطلاعات الرأي التي أظهرت تفوق بايدن فى التصويت المبكر حتى الآن على منافسه الجمهوري ترامب بنسبة تصل إلى ٣٩ فى المائة.

أدلى الملايين من الأمريكيين بأصواتهم مبكرا والنسبة الأقل اختارت التصويت الشخصي حيث اصطف المئات من الأمريكيين فى طوابير طويلة أمام اللجان الانتخابية لاختيار مرشحهم.

وتشير التقديرات حتى الآن إلى أن ٦٨ فى المائة من الأصوات المبكرة ذهبت إلى المرشح الديمقراطي بايدن مقابل ٢٩ فى المائة لصالح ترامب.

ووفقا للأرقام المعلنة فإن ٢٢.٩ مليون ناخب يحسب على الحزب الديمقراطي تقدموا بطلبات للإدلاء بأصواتهم مبكرا وهذا العدد يمثل ٦٢ فى المائة من إجمالى الديمقراطيين المسجلين فى القوائم الانتخابية مقابل ١٣.٣ مليون ناخب يحسب على الحزب الجمهوري ويمثلون ٢٨ فى المائة من الناخبين الجمهوريين، وهو فارق ضخم مقارنة بالانتخابات السابقة والتي كان لا يتعدى فيها هذا الفارق نسبة ٢ فى المائة.

ومن بين المستقلين ذكر ٤٧ فى المائة أنهم يخططون للإدلاء بأصواتهم مبكرا وإجمالا فإن ٤٥ فى المائة من الشعب الأمريكي قرر أن يصوت مبكرا .

النسب المنخفضة لإقبال الناخبين الجمهوريين على التصويت المبكر تعكس وفقا للمحللين رغبتهم فى أن يكون سلوكهم متسقا مع الرسالة التى يرددها مرشحهم دونالد ترامب والتي تشكك فى التصويت بالبريد حيث يردد أنه سيؤدى هذا العام إلى أكبر عملية تزوير فى تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

هذا يقودنا إلى المأزق الكبير الذى يمكن أن يحدث يوم الانتخابات فى حال أظهرت النتائج هزيمة ترامب خاصة إذا عرفنا وفقا لمعهد جالوب أن ٦٠ فى المائة ممن سيدلون بأصواتهم مبكرا اختاروا التصويت بالبريد مقابل ٣١ فى المائة سيدلون بأصواتهم بشكل شخصى و٩ فى المائة لم يحسموا رأيهم بعد.

قناعة ترامب وهو ما دفعه إطلاق نداء إلى أنصاره إلى تكوين جيش من المراقبين لسير العملية الانتخابية ومخاوفه قائمة على أن هناك مؤامرة تحاك من أعدائه من داخل وخارج الإدارة مرددا عبارات مثل « سرقة الانتخابات من جانب اليسار المتطرف « وهو الأمر الذى قد يشجع أنصاره على التشويش وربما عرقلة العملية الانتخابية التى من المفترض أن تتم فى أجواء ديمقراطية.

وبرغم تقدم بايدن فى استطلاعات الرأي إلا أن هذا لا يعنى أن النتيجة النهائية للانتخابات قد حسمت لصالحه، فعلى الرغم من أهمية الدور الذى تلعبه استطلاعات الرأي فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلا أنها فى كثير من الأحيان تعطى مؤشرات مخالفة للواقع وأبرز مثال على ذالك فى انتخابات عام ٢٠١٦ حين كانت استطلاعات الرأى كلها تميل لصالح منافسة ترامب الديمقراطية هيلارى كلينتون .

هذا يعنى أن فرص ترامب بفترة رئاسية ثانية لاتزال قائمة، وسيعتمد ذلك فى الأيام القليلة القادمة على إقناع الناخبين المترددين فى الولايات المتأرجحة برسالته الانتخابية وإقناعهم بالخروج إلى صناديق الاقتراع، ويدعم موقف ترامب ما تشير إليه استطلاعات الرأي إلى أن ٤٥ فى المائة من أنصاره أكدوا أنهم سيذهبون للتصويت فى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات الرسمي مقابل ١٨ فى المائة من أنصار بايدن وهذا وحده قادر على أن يقلب الموازين .

التوقعات تشير إلى أن انتخابات هذا العام ستشهد إقبالا منقطع النظير فى التاريخ الأمريكي؛ حيث من المتوقع أن يدلى ١٥٠ مليون أمريكي بأصواتهم فى هذه الانتخابات، ويمثل هذا الرقم ٦٥ فى المائة من أصوات الأمريكيين الذين يحق لهم التصويت، ويرى المراقبون أن استطلاعات الرأي تنجح عادة فى قياس شعبية المرشح فى التصويت الشعبى، ولكن لأن الانتخابات الأمريكية ليست مباشرة فإن الاستطلاعات فى النهاية قد تعجز عن توقع الفائز بالرئاسة.

فالانتخابات الأمريكية تتم على مرحلتين؛ فى المرحلة الأولى يختار الناخبون الأمريكيون أعضاء ما يسمى بالمجمع الانتخابي مجموع هؤلاء الأعضاء أو المندوبين إجمالا ٥٣٨ عضوا ويحتاج المرشح للفوز بالرئاسة أن يحصل على ٢٧٠ صوتا من أصوات المندوبين فى المجمع.

ويتم تحديد عدد المندوبين عن كل ولاية فى المجمع بما يساوى عدد أعضائها فى الكونجرس بمجلسيه بالإضافة إلى ثلاثة مندوبين عن العاصمة واشنطن. فولاية مثل كاليفورنيا مثلا لديها ٥٥ مندوبا فى المجمع وولاية فلوريدا لديها ٢٩ مندوبا لهذا فهما تعدان من الولايات الحاسمة التى يسعى المرشح بالفوز بهما. فى المرحله الثانية من الانتخابات يجتمع أعضاء المجمع الانتخابى لاختيار المرشح الفائز بالرئاسة، وفى غالب الأمر يلتزم المندوبون بالخيارات الشعبية.

ولكن يحدث فى بعض الأحيان أن يفوز المرشح بالأصوات الشعبية لكنه يفشل فى تحقيق الوصول إلى رقم ٢٧٠ فى المجمع الانتخابي كما حدث مع هيلارى كلينتون فى عام ٢٠١٦ ويحدث ذلك نتيجة الخسارة فى الولايات ذات العدد الأكبر من المندوبين؛ حيث تنص قوانين الانتخابات على أن الفائز بالأصوات الشعبية فى أى ولاية يحصل على كل عدد مندوبيها فى المجمع الانتخابي.

تشكيك ترامب من الآن فى نتائج الانتخابات الأمريكية قد تعنى أن الإعلان عن اسم الفائز قد يستغرق وقتا أطول من المعتاد وقد يستمر أسابيع طويلة .

الواقع على الأرض لا ينفى أن ترامب الآن وقبل أيام من موعد الانتخابات الرسمي فى موقف صعب، وقد بدأ يخسر أصوات من يسميهم بقاعدته العريضة المؤيدة له وأغلبهم من الناخبين البيض الذين لم يحصلوا على تعليم جامعي، وذلك بسبب تأثرهم بتداعيات وباء كورونا، كما أن شعبيته بين السود لا تتعدى الـ ٧ فى المائة وبين ذوى الأصول اللاتينية ٢٨ فى المائة، كما أظهرت استطلاعات الرأى أن ٧٠ فى المائة من اليهود الأمريكيين يصوتون لصالح بايدن رغم كل الخطوات التى اتخذها ترامب فى الأربع سنوات الماضية لصالح إسرائيل.

ويرى البعض أن المنقذ الوحيد للرئيس والذى سيقلب الموازين يوم الانتخابات هو أصوات النساء البيض غير الحاصلات على تعليم جامعي، ولعل هذا يفسر توسلاته فى إحدى حملاته الانتخابية بولاية بنسلفانيا الأسبوع الماضي لمن أطلقت عليهن وسائل الإعلام الأمريكية (نساء الضواحي) بأن يعجبوا به ويرضوا عنه ويصوتوا لصالحه.