مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية،
ومع بدء العد التنازلي لإجرائها في الثالث من الشهر القادم تنشط التوقعات حول من سيكون
الأوفر حظاً بالفوز، وما مدى انعكاس ذلك على الأحداث في المنطقة بحيث تصبح مسرحاً لتداعيات
المفاجأة التي قد تسفر عنها الانتخابات. ولا شك أن الديمقراطيين بقيادة “جو بايدن”
يستغلون فشل ترامب في عدد من الملفات لتوظيفها لصالح مرشحهم. الجدير بالذكر أن أبرز
مناحي فشل ترامب تكمن في سوء إدارته لجائحة كورونا واستهتاره بها وتقليله من خطورتها،
بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وانعكاساته على تدهور معيشة الشعب الأمريكي. هذا
فضلاً عن تصاعد ظاهرة العنصرية، غير أن الديمقراطيين حتى الآن لم يثبتوا كفاءة في إدارة
الأمور ولم يطوروا استراتيجية بديلة لإدارة ومعالجة تلك القضايا.
الكثيرون يرون أنه لا يمكن استبعاد «دونالد
ترامب” من الفوز في الانتخابات رغم كل مساوئه، ورغم أنه يقبل على الانتخابات بشعبية
منهارة لدى الأمريكيين. إذ إن شعبيته لا تتجاوز خمسين في المائة منذ انتخابه، ولم يتفوق
على بايدن في استطلاعات الرأي منذ خريف ٢٠١٩ ، بالإضافة إلى أنه ومنذ انتخابه حقق الديمقراطيون
النجاح تلو النجاح في انتخابات مجلس الشيوخ. إذ فازوا بمقعد ولاية “ألاباما “ وهى من
الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون. وربما يتوقع البعض أن تعامل ترامب مع وباء كورونا
وتسجيل اعترافه بالكذب بشأن خطورة المرض سيجعله يفقد رصيده الشعبي . الجدير بالذكر
أن شعبيته عند الأمريكيين لا تزال مستقرة عند ٤٣ في المائة رغم كل التطورات والأحداث
التي مرت بها أمريكا والعالم بما فيها كورونا. وفي معرض تفنيد ترامب لما يتردد عن ضعف
شعبيته قال مازحاً :( إن بوسعه أن يطلق النار على شخص في نيويورك دون أن يخسر شعبيته).
ولا شك أن نجاح ترامب وفوزه بولاية ثانية
في الانتخابات سيعني توثيقاً لسياسته الموالية لدعم إسرائيل كلية، ومن ثم سيشرع في
توظيف القرارات التي سبق له أن اتخذها بدءاً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومروراً
بالاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتل، وهي القرارات التي تجلب له كسب
أصوات الإنجيليين، وكذلك السير قدماً في تنفيذ المزيد من إجراءات تطبيع العلاقات بين
إسرائيل ودول عربية، بالإضافة إلى زيادة محاصرته لإيران من خلال فرض المزيد من العقوبات
الاقتصادية عليها. أما منافسه “جو بايدن” الذى بدا واضحاً فى مناصبته العداء للدول
العربية ومصر على وجه الخصوص، فيعول الديمقراطيون على فوزه من منطلق استغلال نقاط الضعف
لدى ترامب لحشد الجهود من أجل دعم مرشحهم للفوز في الانتخابات الرئاسية. غير أن الالتزام
بأمن إسرائيل سيظل أحد الثوابت الدائمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية
بغض النظر عن هوية الجالس في البيت الأبيض جمهورياً كان أم ديمقراطياً.
ويظل رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو يتطلع
إلى فوز ترامب في الانتخابات القادمة بوصفه أكثر حلفائه التصاقاً به، بل ويعول على
هذا الفوز حتى لا يخسر حليفاً شخصياً يعد بمثابة الدرع الواقية له. ولكن يظل الثابت
أن كلاً من المرشحين ترامب وبايدن يدعمان إسرائيل حتى الثمالة، ولهذا لا يتوقع أن يكون
هناك تراجع في التزام كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي باتفاقيات وبمبادئ التعاون
الاستراتيجي مع إسرائيل والتي تشمل من بين ما تشمل التعاون الوثيق في مجال تبادل المعلومات
الاستخباراتية والأمنية والعسكرية، والحرص دوماً على ضمان التفوق الأمني الإسرائيلي.
والثابت اليوم بأنه على الرغم من أن السنوات الأربع التي أمضاها» دونالد ترامب» في
البيت الأبيض كانت كابوساً ثقيلاً بالنسبة للكثيرين إلا أنه لا يتوقع حصول الدول العربية
على ما تنشده من سياسة أمريكية محايدة وغير منحازة لإسرائيل. وهذا على الرغم من أن
هذه الدول ما زالت تأمل في أن ترى الولايات المتحدة الأمريكية وهى تلعب دور الوسيط
الأمين الشريف النزيه في معالجتها لقضايا الشرق الأوسط بحيث تقف على مسافة واحدة من
الطرفين العربي والإسرائيلي وأن تتبع الحيدة في تناولها لأية موضوعات شائكة بينهما.
ولا تعول دول المنطقة على فوز ترامب أو
منافسه الديمقراطي « جو بايدن»، فالفارق لن يكون كبيراً حيث إن الانتماء الأساسي لكل
منهما يقبع في محيط إسرائيل، فدعمها وتحصينها هو الأساس لديهما. وإذا كان ترامب قد
جسد بأدائه لعنة الشيطان على الأرض إلا أن جو بايدن الفاتر الباهت يبدد الأمل في إمكان
التعويل عليه فيما إذا فاز في الانتخابات حيث إنه لن يشكل وقتئذ جبهة إنقاذ للمنطقة
من خلال التزامه بالحيدة وعدم الانحياز الكامل للكيان الصهيوني، لا سيما وأن الحادث
على أرض الواقع يؤكد لكل ذي عينين بأن جذوة الحماس الأمريكي لحل مشاكل الشرق الأوسط
قد خبت وتراجعت بشكل غير مسبوق، وبالتالي سواء فاز ترامب أو بايدن فإن المحصلة ستكون
واحدة بالنسبة للاقتراب من معالجة قضايا المنطقة التي ستظل محلك سر.
ولعل القضية الوحيدة التي قد تشكل نقطة
خلاف بين ترامب وبايدن هي القضية المتعلقة بإيران لا سيما فيما يتعلق بموقف الولايات
المتحدة من الاتفاق النووي الذي وقع بين إيران ومجموعة ٥ + ١ في الرابع عشر من يوليو
٢٠١٥ . والذي تم توقيعه أثناء ولاية الرئيس أوباما الديمقراطي ، فلقد بادر ترامب وانسحب
منه في الثامن من مايو ٢٠١٨ ، بل وبادر فشدد العقوبات على إيران عندما فرض عليها مجموعة
عقوبات جديدة أضرت كثيراً بوضعها الاقتصادي . ولهذا تتطلع إيران إلى أن يحرز بايدن
الفوز في الانتخابات على أمل أن يؤدي هذا إلى إعادة الأمور إلى مسارها ورفع العقوبات
عنها وهي العقوبات التي أثرت بالسلب على الوضع الداخلي لديها. وتظل نتيجة ما قد تنتهي
إليه الانتخابات محل اهتمام دول المنطقة نتيجة تأثير السياسة الخارجية الأمريكية على
المعادلات فيها. أما ما تأمله هذه الدول فهو عدم الوقوع في نفق مظلم أكثر سوداوية من
الحاصل اليوم.