«كنوز الشعوب..
أحجار وفنون وتراث مخزون».. هكذا استهل المخرج الكبير انتصار عبدالفتاح مدير مركز إبداع
قبة الغوري ومؤسس «مهرجان سماع الدولي للإنشاد الديني والموسيقى الروحية» حواره معي،
حيث اجتر ذكرياته التي اكتظت بها خزانة فكره وحسه الفني منذ مهد صباه أثناء معايشته
للاحتفالات الدينية «الموالد الشعبية» التي استحوذت فنونها الذكية على وجدانه فأصبح
بمثابة الحارس الأمين عليها متأثرًا بها بسبب نشأته في ذلك الحى العريق السيدة زينب.
بل إن البعض قد
لقبه بوزير خارجية التراث الإنساني على مستوى العالم» بعد نجاح مهرجان سماع الدولي
لمدة اثنتي عشرة سنة..!
في حين أن انتصار
يعتبر أن ما يقدمه من تلك الموسيقى الروحية بمثابة صلاة تؤديها الشعوب بلغة إنسانية
واحدة نجحت فيما فشلت فيه المباحثات السياسية عبر قرون من الزمن، حسب وصف عمرو موسى
لها..!
فى الوقت نفسه
يعترف انتصار بأنه أحد دراويش الإبداع داخل هذا الوطن بل إنه استطاع أن يجعل من سيمفونية
بيتهوفن التاسعة نشيدًا قوميًا للعالم أجمع..!
مؤكدًا أن احتفالية
«ملتقى الأديان» و«مليونية شارع المعز» يصدران للخارج الصورة الحقيقية عن معدن الشخصية
المصرية ومدى تفردها عن غيرها وأنه بالفن يشحذ الهمم لمواجهة الإرهاب الغادر، ومدللًا
من خلال نقوش «متون هرمس»
كيف لعبت نشأتك
دورًا فى حبك وتأثرك بالفنون بصفة عامة؟!
بلا شك أن لنشأتي
دورًا مهمًا فى تعلقي بالفنون منذ الصغر، حيث نشأت داخل حي السيدة زينب ووالدي هو الكاتب
الكبير والباحث والأرشفجى عبدالفتاح غبن الذى عاش وسط كتاباته وإبداعاته الفكرية والأدبية
وله كتابات عن أهم رموز الثقافة أمثال طه حسين والعقاد وسيد درويش وبيرم التونسي وسلامة
حجازي وله مؤلفات لم تنشر بعد مثل موسوعة بعنوان «شارع عماد الدين وتاريخ المسرح العربي»،
كانت نشأتي وسط كل هذه الأجواء الثقافية سببًا فى حبى للفنون بالإضافة إلى تأثري بمشاهدتي
ومعايشتي للاحتفالات الدينية «الموالد» داخل هذا الحى العتيق وسوق الناصرية، فتشربت
من خلال هذه البيئة الثرية كل هذا التراث ولذلك استوحيت كافة أعمالى الفنية من خلال
هذه الأرض الخصبة التى تربيت فيها والتى تؤكد فى النهاية على تفرد الشخصية المصرية.
ما هو المقصود
بالموسيقى الروحية؟ وهل يحمل مفهومها الدلالة نفسها للموسيقى الصوفية؟
لا أستطيع أن أفصل
مفهوم الموسيقى الروحية عن مدلول الموسيقى الصوفية فكلاهما معنى واحد فالموسيقى الروحية
بمعناها الأشمل هى الموسيقى التي تجمع كل الأجناس، رغم اختلاف الدين أو العرق أو اللون
لأن هذه المسألة لها أبعاد كونية بمعنى أننى عندما شرعت فى تأسيس فرقة «سماع» لم أجد
أية تفرقة بين التراث الإسلامي والقبطي لأنهما يعبران عن شخصية واحدة وهى الهوية المصرية،
ومن ثم فقد وجدت أن الصوفية موجودة فى الأديان الثلاثة وهى تعنى بمعناها المطلق جوهر
الأديان الذى يتلخص فى «المحبة والتسامح والسلام»..!
الدين بصفة عامة
من وجهة نظري ما هو إلا مجموعة من السلوكيات التى تؤكد على هذه المعاني وما يهمني في
نهاية الأمر هو هذا السلوك الإيجابي والطاقة الإيجابية التي يتصف بها صاحب هذه السلوكيات
وتلك القيم، لأنه لا يمكن أن أختزل مفهوم الإيمان فى التمسك بالمظاهر والطقوس الدينية
فقط..!
فالإيمان من وجهة
نظري ليس مجرد سبحة أو جامع أو كنيسة..!، فالدين عندي هو أن يشع الإنسان بهذا الإيمان
من خلال السلوكيات والمعاملات فالدين المعاملة.. من ثم يتضح أن الموسيقى الروحية هى
موسيقى التواصل الكوني التي يتوحد تحت ظلها كل البشر.
ماهو الدافع وراء
تأسيسك لفرقة سماع داخل قبة الغورى؟
عندما توليت إدارة
مركز إبداع قبة الغوري حرصت على أن يكون هذا المركز هو أول مركز دولي لفن السماع، فأنشأت
«مدرسة سماع» للإنشاد الديني والمقصود بـ»فن السماع» هو فن الاستماع إلى الأناشيد والتراتيل
الدينية والهدف الثاني هو إحياء فنون القاهرة التاريخية من خلال عودة الفرق المندثرة
مثل فرقة سماع، فضلًا عن أننى قد شعرت فى بداية إدارتى لمركز إبداع قبة الغورى بأن
هناك علاقة وجدانية بينى وبين أحجار هذا المكان فقد تعاملت معها وكأنها كائن حى فأصبحت
هناك ألفة بينى وبينها وقررت أن أجرى دراسة منهجية عن هذا المكان فاكتشفت أنه يوجد
به «الكتاب» الذى يحمل داخل نفوسنا رمزية ودلالة خاصة عبر تاريخنا الإنساني حيث تخرج
منه كل رموز الفكر فى مصر أمثال طه حسين ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم ووجدت أيضا داخل
هذه القبة الأثرية قاعة تسمى «الخنقاء» وهى قاعة صوفية كانت مخصصة لإقامة حفلات للفرق
الصوفية.
قمت باستغلال هذه
القاعة بإحياء فن السماع وفكرة «الكتاب» بإنشاء مدرسة لهذا الفن كامتداد له ثم أقمت
ورشة «منشد الغوري» التى انضم إليها مجموعة من الأصوات العذبة وإلى جانب ذلك بدأت أبحث
عن المنشدين فى كافة الأقاليم المصرية ومنها محافظة القليوبية فى عهد محافظها المستشار
عدلي حسين الذى ساعدني وخصص لى مكانا هناك لكى استمع فيه للأصوات المختلفة واستعنت
بمجموعة منهم ثم أقمت ورشة أخرى وكونت فرقة سماع من جموع منشدي محافظات مصر ولم أقتصر
على تكوين فرقة سماع فحسب، لأن مشروعي الفني يشمل إحياء التراث الإسلامي والقبطي، فأرسلت
طلبًا لقداسة البابا شنودة حيث أبلغته بأنني بصدد تأسيس فرقة «رسالة سلام» وأرغب فى
ضم التراتيل القبطية مع الأناشيد الإسلامية فانبهر بالفكرة وأمدني بمجموعة من الشماسين
قائلًا لى «ع البركة»..!
لذلك أعتبر أول
فنان يؤسس هذه الفكرة بدمج هذه التراتيل والأناشيد داخل فرقة واحدة بالمفهوم العلمي
الذى انتهجته من خلال الاستماع لهذا التراث القبطي والبحث عن الترتيل التي تتشابه مع
الأناشيد الصوفية لكى يكون هناك تناغم فيما بينهما وقد نجحت هذه التجربة فكونت مجموعة
ثالثة للترانيم الكنائسية التي تختلف عن الترانيم القبطية والتي تخص الطائفة الكاثوليكية
فكونت فرقة «أكابيلا» ثم انضم إلينا بعد ذلك مجموعة من طلبة دولة إندونيسيا من بين
طلبة الأزهر الشريف وتم تأسيس فرقة «رسالة سلام» التى شملت كل هؤلاء من المسيحيين والمسلمين
التى حققت نجاحات كبيرة جدًا مما ساعدنا فى السفر إلى معهد العالم العربي بباريس وعندما
عرضنا فى كنيسة «سان جيرمان» بباريس استعنت بالمطربة الأوبرالية الفرنسية «كارولين
دوما» التى أصبحت تحرص على حضور مهرجان سماع سنويًا وكتب عن هذه الاحتفالية الراحل
جمال الغيطانى مقالا مهما جدًا بعنوان «عبور انتصار فى باريس « وحضرها الشاعر سيد حجاب،
وكان ذلك فى عهد الدكتورة أمل الصبان المستشار الثقافي بالسفارة المصرية بباريس.
ثم عرضنا بعد ذلك
فى إيطاليا والنمسا داخل أكبر كنيسة بها وحضرها ألف شخصية عامة من ساسة النمسا، ثم
سافرنا إلى ألمانيا وعرضنا فى خمس ولايات ثم ذهبنا إلى الفاتيكان وعرضنا داخل أكبر
كنيسة حجرية هناك.
ألم تخش من أن
يصفك البعض بأنك أحد دراويش الوسط الفنى؟! وهل كان لديك أية انتماءات صوفية قبل أن
تتجه إلى تأسيس فرقة سماع؟!
بلاشك أننى سأشعر
بالسعادة لو وصفوني بأننى أحد دراويش الإبداع وليس الوسط الفني، لأنه ببساطة شديدة
عندما أبدع فإننى أعيش حالة من الصوفية المرتبطة بالكون بعيدة عن أى قوانين تقيدني
لأنني أرتقى بروحي وأتجلى بذاتي البشرية ومن ثم تأتيني الأفكار بشكل سلس ولذلك تجدني
أردد أن فلسفة الصوفية تتلخص فى هذه المقولة «فلنسمع حتى نرى ونرى حتى نسمع»..!
وبالنسبة لى فإنني
أعتبر أن الإبداع نوع من الصوفية فعندما أبدع فى تقديم عمل معين فإننى استشعر وجودي
فى عالم آخر وأشعر بذلك أثناء قيادتي لكل هذه الفرق المشاركة فى مهرجان «سماع»، لأننا
ننصهر جميعًا فى لحظة إنسانية واحدة وفى هذه اللحظة يصبح الإنسان هو الوطن والوطن هو
الإنسان.
لكنني فى الوقت
نفسه لم يكن لى أية انتماءات صوفية ولم أكن أتبع فى يوم ما أى شيخ طريقة صوفية بعينه،
لأن الوصول إلى هذه الحالة لا يتطلب وجود وسيط ولا لشيخ طريقة لكى يشعر بها أى إنسان
ولكنها تحتاج منه أن يكون صادقًا فى تلك اللحظة.
بماذا يتميز مهرجان
سماع عن بقية المهرجانات الأخرى للإنشاد الديني؟
«مهرجان سماع»
ليس مهرجانا بالمعنى التقليدي ولكنه رسالة منفتحة على كافة ثقافات الشعوب الأخرى ويشمل
الإنشاد الديني بمفهومه الواسع لتوحيد كل فرق شعوب العالم المختلفة فى لحظة صدق على
المسرح دون أن نُجرى بروفات قبل تقديمنا لما نقدمه من إنشاد للجمهور، ولكن عندما نظهر
على المسرح فإنه يحدث لنا جميعًا نوع من التجلي وكأننا نصلى الصلاة بمعناها الأوسع..
فنحن نصلى من أجل المحبة والتسامح والسلام فرغم اختلاف اللغات والثقافات والألوان فإننا
نصلى بلغة إنسانية واحدة.. فالإنشاد بمفهومه الأشمل عبارة عن صلاة فكل منا يصلى بلغته..!
ولذلك أصبح مهرجان
سماع من أهم المهرجانات العالمية لأنه يمثل صلاة الشعوب والأوطان فى لحظة صدق.
تفتتح غدًا الدورة
الثالثة عشرة لمهرجان سماع الدولي للموسيقى الروحية هل لكل دورة منهم رسالة معينة تريد
إرسالها إلى العالم وما فحوى رسالته هذا العام؟
كل دورات المهرجان
تندرج تحت شعار واحد وهو «وطن بلا حدود» ولكن فعاليات كل دورة تتجدد بشكل مستمر، لأنني
أقيم سنويًا ورشة فنية تضم جميع المشاركين فيه لأن الغرض من هذا المهرجان إرسال رسائل
بناءة وهادفة للعالم وهى بمثابة ثمار هذه الورشة فنقوم بتنفيذ ما نتفق عليه فيما بيننا
بأسلوب ارتجالي مع الجمهور وبالتالي تتوالد داخل هذا المهرجان مجموعة من الأفكار المتجددة
قد تكون وليدة هذه اللحظة الإبداعية وحرصنا على الارتجال البناء هو فى حد ذاته مبعث
نمو جسد وكيان هذا الكائن الحى الأسطوري الذى نطلق عليه مجازًا مسمى «مهرجان سماع»
الذى ليس له عمر افتراضي لأنه يتطور وينمو فى كل دورة.
كم عدد الدول التي
اشتركت فى مهرجان سماع خلال دوراته السابقة؟ ولماذا أطلقت على دورته الثالثة عشرة أنها
استثنائية؟
اشتركت مائة وخمسة
وثمانون دولة على مدار الثلاث عشرة دورة من عمر هذا المهرجان وهذه الدورة الثالثة عشرة
تتميز بكونها استثنائية لعدم وجود رحلات طيران بسبب فيروس كورونا، لذلك فقد طلبنا من
كافة السفارات الموجودة داخل مصر أن تقوم بترشيح فرق لنا من بين جالياتها المتواجدة
على أرض المحروسة للاشتراك بهذه الدورة، بالإضافة إلى مشاركة سبع فرق من الكنائس المصرية
تشمل جميع الطوائف القبطية ولدينا فرق مصرية وفرقة رسالة سلام إلى جانب فرقة سماع ومجموعة
طلبة إندونيسيا وفرقة الرقص المولوي التي تضم خمسة عشر راقصًا مولويًا فهذه الدورة
استثنائية لأننا نحاول رغم كل هذه الصعاب التأكيد على إحيائنا لفن السماع من خلالها
ومن المعروف أن مدة المهرجان أسبوع منذ ليلة افتتاحه يوم ٢٢ الجاري إلى يوم ٢٩ من الشهر
نفسه وسوف نقيم حفلاتنا داخل ثلاثة أماكن هى القلعة وقبة الغوري ومجمع الأديان الذى
سنقيم فيه الدورة السادسة لاحتفالية «ملتقى الأديان».
رغم أن تأسيسك
لفرقة «رسالة سلام» يقضى على فجوة النزعة الطائفية ويزيل رواسبها بين عنصري الأمة مسلمين
وأقباط إلا أن البعض يرى أن لهذه الفرقة بعدًا سياسيًا؟!
لم أفكر فى بداية
تأسيسي لهذه الفرقة بهذا المنظور لأن الاهتمام الأعظم كان ينصب فى بداية الأمر على
وجود حالة من حالات التواصل الإنساني وتحقيق جوهر الأديان بعيدًا عن التفكير فى أن
يكون لهذه الفرقة أى بعد سياسي ولكن عندما تفاقمت مظاهر التعصب الديني وازدادت حوادث
الإرهاب أردت التعبير عن شعوري بالغضب مما حدث فأقمت حفلًا ردًا على حادث كنيسة القديسين
داخل قبة الغوري بفرقة «رسالة سلام» حيث قدمنا مجموعة كبيرة من الأغاني الوطنية التي
تشحذ الهمم لمواجهة الإرهاب وبعث الروح الوطنية من جديد للتأكيد على أنه لا يوجد أدنى
تفرقة فى حقوق المواطنة بين المسلم والمسيحي مما أبكى الأقباط سواء المرنمين بالفرقة
أو الجمهور وهذه الحفلة كانت بمثابة رسالة للعالم كله بأن وحدة عنصري الأمة بخير مهما
حاول الإرهاب المساس بها بل فوجئت بعد انتهاء هذا الحفل بالعديد من الاتصالات التليفونية
من بعض الوزراء حتى مطلع الفجر يشيدون بما قدمناه به.. فشعرت فى هذه اللحظة أن دور
الفن أهم من الخطب الرنانة الجوفاء لما يلعبه من دور فى تجديد الخطاب الثقافي والديني
بل إنه قد انعكس رد فعل هذه الحفلة على العالم بأكمله.
معظم المنشدين
والمرنمين الآن استحدثوا من خلال تأسيسك لفرقة «رسالة سلام» موضة أو تقليعة استعانة
بعضهم بمنشد أو مرنم فى حفلاتهم فما تعليقك؟!
انتشرت بالفعل
هذه الموضة داخل بعض حفلات المنشدين والمرنمين وهذا يختلف شكلًا وموضوعًا عما أقدمه
من خلال فرقة «رسالة سلام» التي أنشأتها على أصول منهجية وليست بشكل اجتهادي ولذلك
أصف ما يقدمونه من خلال حفلاتهم بأنها «بدعة»..! لكونها نوعا من التقليد يفتقد للمنهجية
التي أتبعها داخل «فرقة رسالة» لأن مفهومي لما أقدمه من خلالها يختلف عما يقدمونه فالمسألة
لدى لا تندرج تحت شعار «يحيا الهلال مع الصليب» ولكن الموضوع بالنسبة لى يعبر عن الكينونة
المصرية التي تتوحد فى إنسان واحد بعيدًا عن انتمائه العقائدي وإلا تحولنا إلى اتباع
الفكر الطائفي العنصري فى التعامل مع هذا الفن فاستعانة كليهما بالآخر فى حفلاتهما
يؤكد على الطائفية ويغذيها.
لدرجة أنه في حفل
ختام إحدى دورات «مهرجان سماع» الذى أقيم تحت سفح الأهرامات بحضور رئيس الوزراء الأسبق،
حيث عرضت أحد نقوش «متون هرمس» الفرعونية التي دونوا فيها عبارة «أترنم بمدائح الواحد
الكل» لكى أثبت عمليًا للعالم بأن هذا الفن مستمد من عمق حضارتنا الفرعونية وقد سجلت
هذه العبارة داخل أحد الاستديو هات باللغتين العربية والإنجليزية من خلال استعانتي
بصوت الممثل الرائع سعيد صديق وفنان آخر من زنوج أمريكا ومصاحبًا لهما أصوات الرياح
وتداخل معهما صوت الأذان والترانيم القبطية فى ملحمة «قدس الأقداس» تحت سفح الأهرامات
فمهرجان سماع هو مشروع قومي ودولي وإنساني أصدره للخارج، مؤكدًا أن هذا الفن ليس مستحدثًا
بل إنه متواجد منذ سبعة آلاف سنة.
رغم نجاح تجربة
احتفالية «ملتقى الأديان» فى «طريق الأنبياء» داخل سانت كاترين إلا أن هناك بعض المتربصين
لك فما تفسيرك لذلك؟
لا يعنيني ما يفعله
هؤلاء المتربصون بنجاح مهرجان سماع لأنني في النهاية أهدف لإحياء هذا الفن دون تحقيق
أية مصالح أو مكاسب شخصية.
بعد نجاح «فرقة
رسالة سلام» قررت أن أقيم احتفالية «ملتقى الأديان» داخل سانت كاترين لمدة ثلاث سنوات
بداية من عام ٢٠١٥ بعنوان «هنا نصلى معا» ولا أخفيك سرًا بأنني منذ أن توليت إدارة
مركز إبداع قبة الغوري كان لدى طموح بالذهاب إلى سانت كاترين وقد ذهبت بنفسي لاختيار
المكان الذى أقمت فيه هذه الاحتفالية وربما أن هذا المكان هو الذى اختارني، لأنني شعرت
داخله بحالة روحانية وبالفعل نجحنا فى إقامة هذه الاحتفالية وفى العام التالي ساعدتنا
الدكتورة أمل الصبان المستشار الثقافي بالسفارة المصرية بباريس وقتذاك فى إقامة هذه
الاحتفالية تحت رعاية منظمة اليونيسكو وهذه السيدة رائعة جدًا وشخصية مصرية أصيلة مُحبة
لهذا الوطن تساعدك غصب عنك من شدة إيمانها بما تقدمه من أعمال وفنون جادة ويرجع إليها
الفضل فى أنها حصلت على رعاية منظمة اليونيسكو لاحتفالية ملتقى الأديان داخل سانت كاترين
بشكل يليق باسم مصر.
ثم أقمت هناك أيضا
الدورة الثالثة ثم عرضنا الدورة الرابعة والخامسة داخل مجمع الأديان وقد نجحتا نجاحا
غير عادى ونستعد حاليا للدورة السادسة هناك أيضا.
بلاشك أنه كان
من المفترض أن نقيم احتفالية «ملتقى الأديان» داخل أماكن أثرية أخرى ذات قدسية، بالإضافة
إلى أن هناك فريق عمل يعاونني في إقامة هذه الاحتفالية باقتراح هذه الأماكن سواء داخل
مصر أو فى دول أخرى وتقام هذه الاحتفالية بالاشتراك مابين فرقة رسالة سلام وفرق أخرى
مختلفة من الخارج.
ولماذا لم تخض
هذه التجربة داخل كافة المناطق السياحية المصرية من أجل تنشيط السياحة إليها؟
لو أن المسئولين
استمعوا جيدًا لآرائي فإنه من الممكن تنشيط السياحة المصرية من خلال هذه الاحتفالية،
لأنني أمتلك استراتيجية تخص هذه المسألة فلدى فكرة عرض بعنوان «طقوس السمو» الذى تشارك
فيه فرقة رسالة سلام وفرقة المولوية وممثل المولوي الأكبر الذى يحكى عن مفهوم رحلة
الإيمان وكيف يسمو بالذات البشرية والعرض كله مأخوذ من أشعار أئمة التصوف الإسلامي
أمثال السهر وردى وجلال الدين الرومي هذا العرض نجح نجاحا كبيرًا عندما قدمناه فى القاعة
الرخامية بقبة الغوري وكان من المفترض أن يحضره مائة وخمسون متفرجًا ولكنني فوجئت بحضور
ألف وخمسمائة متفرج فاضطررت إلى تقديمه ثلاث مرات لاستيعاب كل هذا الحشد الجماهيري،
ومن ثم أتمنى أن أقدم هذا العرض داخل المعابد الفرعونية بعدة لغات أجنبية للتأكيد على
جوهر الأديان.
مليونية شارع المعز
التى تنظمها كل عام داخل فعاليات «مهرجان سماع» هل هى مستوحاة أيضا من تأثرك أثناء
طفولتك بالموالد الدينية؟
بكل التأكيد أن
هذه المليونية يوجد بها جزء يرجع إلى تأثري برؤية المواكب أثناء الاحتفالات الدينية
فى مرحلة الطفولة والصبا، وكلمة مليونية جاءت من خلال هذا الكم الهائل من الجمهور الذى
كان يساعد فى تنظيم هذه الاحتفالية لدرجة أن شباب شارع المعز أنفسهم قد اصطفوا على
جانبي هذا الشارع للحفاظ على الفنانين المشاركين بها والسماح لهم بأن يقدموا فنونهم
بشكل أفضل بل إنني فوجئت بشهامة ورجولة أهالى هذه المنطقة، حيث كانوا يوزعون على هؤلاء
الفنانين الأجانب المياه المعدنية بالمجان وهذا ليس بغريب على معدن الشخصية المصرية
الأصيلة.
كيف استطعت تطويع
السيمفونية التاسعة لبيتهوفن بدمجها مع تراثنا المصري وجعلها بمثابة النشيد القومي
للعالم كله؟
بالفعل قمت بمزج
الحضارتين المصرية والألمانية باستخدام هذه السيمفونية وقصيدة الشاعر الألماني «شيلر»
التى كانت أبياتها بمثابة دعوة إلى عالم بأن يصبح أكثر تسامحًا وأدمجتها بأنشودة «نور
النبي» للكحلاوي و»ترنيمة قبطية» مصرية مع توزيعات موسيقية معينة فانبهر بها الألمان
داخل إحدى كنائسهم العتيقة.
البعض يأخذ عليك
مسألة قيادتك لكل هذه الفرق المشتركة فى مهرجان سماع رغم عدم دراستك لعلم القيادة الموسيقية؟
لا أعتبر نفسى
مايسترو يقود أوركسترا على المسرح ولا أحب أن يطلق البعض علىّ هذا اللقب ولكنى بالفعل
درست الموسيقى داخل معهد الكونسرفاتوار بأكاديمية الفنون، حيث تعلمت العزف على آلة
«الفاجوت» وهى من آلات النفخ ولكنني فى حقيقة الأمر لم تكن لدى ميول للعمل كعازف، حيث
كان أملى هو كيفية تحويل هذه الموسيقى إلى فضاءات مسرحية ثم التحقت بمعهد الفنون الشعبية
للدراسات العليا وحصلت على درجة الماجستير من بولندا عن التجارب التي أقدمها على المسرح،
وكنت سأحصل على الدكتوراه من الاتحاد السوفيتي ولكنه قد ألغى المنح الدراسية فتوقف
مشروع حصولي على الدكتوراه، ولذلك أنا لست مايسترو ولكنني فنان صاحب تجربة فنية ولا
أفصل الموسيقى عن بقية الفنون الأخرى مثل الفن التشكيلي والمسرح والسينما، ولذلك فإنني
حريص فى كل أعمالي على التكاملية فى اللحظة الإبداعية التى أقدمها للجمهور.
لماذا لم يتم تسجيل
حفلات «مهرجان سماع» على أسطوانات مدمجة وطرحها للبيع من أجل نشر ثقافة هذا الفن أكثر
بين جموع الشباب؟
أتمنى أن تتحقق
هذه الأمنية لأن تسويق هذه الحفلات يساهم فى نشر ثقافة «فن السماع»، ولذلك أتمنى من
القنوات الفضائية أن تدعم نشر هذه الفنون التراثية من خلال دعمها للمهرجان بإنتاج وتسويق
هذه الأسطوانات وأناشد وسائل الإعلام وكافة المسئولين بالدولة أن يتبنوا هذه الفكرة
لحفظ تراث هذا المهرجان نفسه من الاندثار فيما بعد.