الأحد 12 مايو 2024

الجدال والحوار بالأدلة العقلية ومفهوم تجديد الخطاب الديني

فن31-10-2020 | 16:55


الجدال: هو المنازعة ليس بهدف إظهار الحقّ إنّما لإلزام الخصم بمجرّد التنازل عن رأيه والاقتناع برأي الآخر، كما أنّه يُشير إلى العناد والتمسّك بالرأي والتعصّب، والجَدل اصطلاحا، أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر، عن طريق السؤال والجواب، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف، فيتبادلان النقاش حول أمر معين،

وقد يصلان إلى نتيجة متوافقة، وقد لا يقتنع أحدهما بما يقوله الآخر، ولكن السامع يأخذ العبرة، ويكوّن لنفسه موقفاً، والجدل عملية منطقيّة للوصول إلى الحقيقة عن طريق وضع التساؤلات والاقتراحات المعاكسة متجاورة لبعضها، بشكل مسموع مدرك، بينما يسمح للعقل باختيار التوجه الأقرب للحقيقة (كما حدث ما بين سيدنا إبراهيم والملك كما سنوضح في السطور التالية). 


أما الحوار: فهو مراجعة الكلام وتداوله بين شخصين أو أكثر على وجهٍ متكافئ؛ وذلك بحيث لا يستأثر أحدهما بالكلام دون الآخر، والهدف منه هو الوصول إلى الحقيقة وليس التباهي أو الكلام بلا فائدة. محادثة عقلانية هادئة بين شخصين أو فريقين، حول موضوع محدد، ويكون لكل منهما وجهة نظر خاصة به، ولكن هدفهما المشترك، هو الوصول إلى الحقيقة، أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر، بعيداً عن الخصومة والتعصب، وبطرق تعتمد على العلم والعقل، مع استعداد كلا الطرفين لدمج المفيد من أفكارهم برأي الطرف الآخر، والقبول بالحقيقة، حتى ولو ظهرت على لسان الطرف الآخر. أما المناظرة: فهي التي يسبقها عمليات بحث وتقصي، وتعتمد على البيان والبلاغة، والقدرة على الإقناع، ويقوم فيها المتحاوران بالتحاور أمام جمع من الناس، أو الحكام، لإثبات حجة كل خصم بشكل واضح، مزود بالإحصاءات والصور، والوسائل الدلالية، حتى يظهر الحق بينهما جليًا لا غموض فيه. (كما شاهدنا الحوار الذي دار بين الشيخ أحمد الطيب والدكتور الخشت). والمناقشة: وهي قيام جماعة متعاونة فيما بينها على اختيار مشكلة معينة، وتحديد أبعادها، وتحليل جوانبها، وطرحها للنقاش، واقتراح الحلول لها، واختيار الحل المناسب بعد ذلك عن طريق الإجماع، أو عن طريق رأي الأغلبية.


الجدال والحوار أمس واليوم:


نُشاهد على العالم الافتراضي المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي تواصل لفظي بين أفراد المجتمع سواء أكان داخلي أم دولي، إذ يتناقش الأفراد مع بعضهما البعض وكلاهما في دول مختلفة أي ما يجمعها الحاسب الآلي، وفي كثير من الأحيان لا يعلم الشخص من يُبادله النقاش أو الحديث، أي يجهل هويته الحقيقية! ، حيث يعرض الشخص من خلاله ما لديه من أفكار بإحدى وسائل التواصل المعروفة للطرف الآخر، ليرد هذا الأخير عليه ويعرض أفكاره أيضاً، وهو من الأمور المهمّة على عدّة مستويات أهمّها المستوى الاجتماعيّ؛ فهو يُظهر مدى لباقة وثقافة المحاور.


أو يتابدل الأفراد النقاش والحوار على أرض الواقع أي في العالم الواقعي سواء تَمَثَلَ في الحوار والنقاش في الندوات والمؤتمرات (كما شاهدنا الجدال الذي دار بين الشيخ أحمد الطيب والدكتور الخشت)، أو بين الناس وبعضها في أماكن العمل أو غيرها خلافًا دائمًا ناتجًا عن اختلاف الآراء حول موضوع معين أيا كان نوع الاختلاف فهو سنة الحياة، ولكن يجب أن نعرف كيف نختلف ؟


أهمية الجدال وكيف يكون الحوار ناجحًا؟:


الجدال أو الحوار هو طريقة حضارية للوصول إلى الحلول، وطريقة إنسانية للتحضر يجب أن نُعود عليها أنفسنا، وأن نُربي عليها أبناءنا، وألا نعتبرها طريقة للهجو أو تعمد أن يكسب إحداهما النقاش أو الحوار فالأهم هو الاستفادة بالمعلومات التي يمتلكها كل طرف والوصول إلى نوعٍ ما إلى الحقيقة النسبية وليس المطلقة. وقد قام (دو ويت، وماير) في كتابهما (الاستراتيجية: العملية، المحتوى، السياق)، بتحديد الميزات التالية لمنهج الجدل بأنه:


1. يزيد من مدى وقيمة الأفكار الممكن استغلالها.


2. يساعد على توجيه نقاط الخلاف (النقاط الحرجة)، ومحاصرتها.


3. يوفر طريقة لعبور الضد، أو ما يبدو أنه متضاداً.


4. يوفر وسيلة للابتكار والتآلف، التي قد تكون الأفضل من بقاء العلاقات المتضادة.


 فهناك اختلاف طبيعي بين الناس اختلاف ناتج عن نقص المعلومات فقال الله تعالى: "وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا" ، وهذا الاختلاف طبيعي ناتج عن اختلاف فكر ناتج عن نقص المعلومات عند البعض واكتمالها عند البعض الآخر، فبمجرد العلم بالمعلومات الناقصة تكتمل الصورة ويذهب الخلاف، أما الاختلاف الغير طبيعي وهو المبني على الجهل أو الشهوات والأهواء، هذا الخلاف يكون الغرض من ورائه خبيث، اختلاف مبني على الظلم، وذَكَرَ الله ذلك في مُحكم كتابه فقال :" وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ"، فنجد اليوم اختلاف وصراع بين جماعة وأخرى سواء اختلاف عقيدة أو اختلاف لمجرد الاختلاف، فهذا اختلاف مبني على الأهواء والمصالح، لأن الحق واحد لا يحتاج إلى اختلاف، وهناك اختلاف تنافس فالبعض يتنافس من أجل أن يُفرض رأيه ولو كان غير صحيح، اختلاف من أجل إسقاط الآخرين والانتصار عليهم ظُلمًا وافتراءً ،"وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا"، فقبل أن تأتي البينات كان الخلاف طبيعي أما بعد أن ظهرت البينات إذًا الخلاف من أجل الشهوات والمصالح والمطامع، ولكن اختلفوا "فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ"،إذًا الاختلاف مطلوب ليُفرز الله المؤمنين من الكافرين، ليُفرز الحق من الباطل، لُيميز الخبيث من الطيب، إذُا الاختلاف مطلوب لحكمة أرادها الله عز وجل ولكن المهم نعرف كيف نختلف وكيفية التحاور حتى نُحقق الفائدة من الاختلاف. 


الحوار والجدال في الإسلام:


وضرب الله لنا أروع مثل للجدال والحوار وهو الذي دار بين سيدنا إبراهيم والملك، فقال الله سبحانه وتعالى:"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ"، فالمحاورة والجدال والنقاش لا ينتهي ليوم القيامة، وكل شخص له معتقداته وآرائه ولكن حتمًا هناك طرف على حق وهناك طرف يظن أن الحق معه اي باطل فعندما يكون هناك موضوع محور نقاش، الذي ينتصر دائمًا في الحوار من كانت حُجته أقوى، والحُجة تأتي من الحق والإيمان، فعندما ظن الملك بأنه الإله، قال له سيدنا إبراهيم "رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ"، فهنا حدث خلاف في التأويل!فالملك يقصد أنه عندما يأمر بقتل إنسان بأنه المميت، وعندما يأمر بالعفو عن قتل إنسان بأنه المُحيّ! ولكن سيدنا إبراهيم يقصد أن الله هو من يحي ويميت بلا قتل! وعندما قال له سيدنا إبراهيم إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ! فلم يستطع الرد على هذه الحجة لأن ليس بها تأويل أو مفهوم أو معنى آخر! فإذا حاورت إنسان فابدأ بحجة قوية لا يستطيع الرد عليها! فالنبي إبراهيم عندما رأى الملك مؤلًا أتى له بموضوع غير قابل للتأويل، وضرب لنا الله مثلا آخر "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ"، للوصول لليقين في المعلومات والحوار، فاليقين الاستدلالي رؤية الدخان أما اليقين الاستشهادي رؤية النار، فيجب أن نتعلم كيف يكون الحوار والنقاش وإلا نحوله لخلاف بل لإضافة معلومات وتصحيح مفاهيم وأخطاء.


مفهوم تجديد الخطاب الديني:


فقبل أن نوضح مفهوم التجديد يجب أن نعلم ونعيّ أننا لو وصلنا لكيفية الحوار والجدال الصحيح سيتجدد الخطاب الديني من تلقاء نفسه، فالمعنى الحقيقي لتجديد الخطاب الديني هو إزالة كل ما تعلق به الدين، فالدين لا يضاف عليه فإذا أضيف عليه اتُهم بالزيادة، ولا يُحذف منه فإذا حذفنا منه اتهمناه بالنقص، فالتشديد في الدين إن نُزع عن الدين كل ما عُلق به مما ليس منه، الدين حدودًا وليس قيودًا فالقيود تقيد من حريتنا أما الحدود تضمن سلامتنا، ومعنى تجديد الخطاب الديني أي تجديد الطرق وليس الدين، أي أن نجدد في نقله وفي الوسائل الحديثة وفي الأجهزة الحديثة أي نجمع ما بين الأصالة والحداثة فالإضافة تكون عن طريق وسائل النشر المعاصرة، فتلعب التكنولوجيا بوسائلها وأجهزتها الحديثة المتمثلة في جميع مواقع التواصل الاجتماعي الآن دورا مهما في حياتنا، وتلعب أيضًا الدراما دورًا مهمًا في ذلك المتمثلة في البرامج والمسلسلات والأفلام والإعلانات، فنحن نملك العديد من الدُعاة ولكن هناك شرطًا يجب أن يتوافر في هؤلاء الدعاة، وهو أن يُطبق الداعي ما يدعو به على نفسه قبل الناس فيجب أن يشاهدوا الناس ما يدعو به عليه أولًا وإلا فقد الشرط المهم والاساسي لنشر الدعوة، أيضًا الدراما تلعب دورًا مهما في إظهار عظمة الدين وحقيقته بأنه دين يُسر وليس دين عُسر، دين سلام وليس دين حرب، دين محبة وليس دين بغض وكره، دين تعاملات قبل أن يكون عبادات، كل تلك المعاني يجب أن تصل للجميع باختلاف الطرق والوسائل الحديثة، فأمس غير اليوم، وتجديد الخطاب الديني أي تجديد طريقة فهم الدين وليس الدين نفسه، وربط حل مشكلات المجتمع سواء على المستوى الفردي أم الجماعي بالدين، فمعظم أزماتنا بسبب عدم فهم الدين وفهم أحكام الله ولو فهمناها لانتهت جميع مشكلاتنا سواء على المستوى الفردي أم الجماعي. فلو تمعنا في أحكام الدين لوجدنا أنها تحل جميع مشكلات الحياة، وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل مُحلة لمشكلات المجتمع وأيضًا المشكلات الدولية، وكل ما يتعلق بحقوق الإنسان وحرياته حسمها الله سبحانه وتعالى، كل ما في الأمر أن الله وضع حدودًا للحريات وليس قيودًا، حتى يستقيم حال الإنسان والمجتمع ولمصلحة الإنسان والمجتمع، فالله سبحانه وتعالى وضع حلا لجميع المشكلات التي تؤرق أمن المجتمع كالقضايا المتعلقة بالمرأة والمواريث والطلاق والزواج ووضع قواعد كيفية التعامل مع الناس حتى يشعر الإنسان بالراحة النفسية التي يفتقدها البعض اليوم وتسببت في المزيد من المشكلات النفسية لأغلبية المجتمع والشعور باليأس ليس بسبب أحوال الدولة بل بسبب عدم فهم أحكام الله، حتى المشكلات الدولية كالإرهاب أيضًا الله سبحانه وتعالى وضع حلولا للتصدي للإرهاب ولكن كل ما في الأمر هو كيفية وصول تلك القواعد وأحكام الله للناس بطريقة صحيحة وهذا هو المعنى الحقيقي لتجديد الخطاب الديني.


   

    Dr.Radwa
    Egypt Air