ربما قرأنا جميعا الكثير مما يكتبه الرجال عن أمهاتهم في مناسبات مختلفة، وربما وجدنا الكثير من التشابه فيما نقرؤه، بل أحيانا شعرنا أنه كلام محفوظ مكرر متشابه قد نستطيع نحن أن نكمل المقال من قراءة أول سطرين، أو ربما حتى من قراءة العنوان فقط.
واليوم وأنا أحاول كتابة بعض الكلمات عن أمي، وجدتني أتذكر كل ما قيل سابقا عن الأمهات، لأكتشف بالفعل كم هو صادقا، وكم أنه من غير الممكن أن يكتب أي رجل غير ذلك، كيف لا أكتب عن كل هذا الإحساس بالأمان والدفء لمجرد وجودها في البيت، وكيف كانت لهفتي لرؤيتها بمجرد وصولي للبيت وأنا طفل عائد من المدرسة في نهاية اليوم وأحمل الكثير من الحكايات عن يومي في المدرسة، وما أسعدني وما أحزنني وتفاصيل مشاجرتي مع أحدهم إن حدث ذلك، وكيف كانت أول من يستمع وأول من يهتم، وأول من يبدي رد الفعل المناسب والمثالي دائما، والحقيقة لا أعلم كيف تتقن أمي هذه المهارة شديدة الذكاء؟ مهارة رد الفعل المناسب والمثالي على ما أقول، مهما كان ما قلته تافها أحيانا وجاهلا أحيانا أخرى، هي حقا مهارة مذهلة.
وبذكر المهارات المذهلة أعتقد أن أمي، بالأخص، نالت نصيب الأسد منها، حيث منحتها الحياة أسرة مكونة من زوج كثير السفر والترحال، وخمسة أبناء من الذكور مختلفي الطباع والصفات تمام الاختلاف، لذلك كانت تقريبا تتعامل مع كل أنواع البشر داخل البيت، وقادرة على استيعاب وإرضاء الجميع بكل بساطة وبلا أدنى شكوى، فلم أسمعها يوما تشتكي أو تحكي لوالدنا عما فعلناه من كوارث في غيابه مثلا.
وهكذا مرت سنوات الطفولة والشباب إلى أن صار جميع الأبناء رجالا متزوجين ولهم أبناء، وصارت هي الجدة الآن، والمدهش أني أراها بنفس القدرة على الاهتمام ومنح الأمان والدفء لكل الأعضاء الجدد في الأسرة من: زوجات، أبناء، وأحفاد. نعم لقد زاد عدد أفراد أسرتها وتنوع جدا من رجال كبار لنساء وأحفاد، منهم الطفل والمراهق والمراهقة والشاب والشابة، وهكذا خليط من البشر لا يقوى عقل بشري على استيعابهم بهذه القدرة والكفاءة، ولكنها أمي بكل ما فيها من طاقة للحب والعطاء لا تنضب أبدا ما دامت قادرة على التنفس.. كل الحب والعرفان والاحترام لأمي العزيزة الجميلة.