الأحد 24 نوفمبر 2024

فن

أمى سر نجاحى

  • 31-10-2020 | 19:20

طباعة

منذ أن احترفت العمل الأهلي وحتى قبل هذا وعلى مدار سنوات صبايا ومن قبلها طفولتى تعلمت أنه وبعد كل نجاح أحققه فى حياتى العملية والمهنية، علي أن أقف قليلا أمام المحفزات والدوافع والأسباب التى قادتنى إلى إنجاز هذا النجاح، بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، وأن أتدبر بهدوء فيما وراء تلك الأسباب وهذه الدوافع والمحفزات، وكلما أطلت النظر فى استخراج العامل المشترك بين عوامل وأسباب ومحفزات النجاح فى كل ما أنجزته فى حياتى العملية والمهنية أجد أن ما تعلمته من أمى فى طفولتى وصبايا وحتى يومى هذا هو بحق المحفز الأكبر لما أنجز من نجاحات، بل إنه وحتى فكرة أن أقف بتدبر أمام الأسباب والدوافع التى قادتنى للنجاح هى فكرة تعلمتها من أمى.


وإذا كنت أفخر بكونى واحدا من مجموعة شباب اجتهدوا على أن ينتقلوا بالعمل الأهلي من إطار الإحسان والتعاطف إلى أفق الاحتراف والمهنية، وأن ينطلقوا فى مجمل جهودهم الخيرية من واقع دراسات علمية وافية لما يتم التخطيط لإنجازه، وأن يكون منهجهم فى العمل الأهلي هو منهج الاحتراف والمهنية بجانب الإيمان الشديد بما نقوم به من عمل، وإذا كنا كمجموعة شباب من محترفى العمل الأهلي نسعد بأن نجنى الآن ثمار ما زرعناه فى العمل الأهلي من القيام بدور فاعل فى تحقيق التنمية لأهالينا من المصريين، فى النطاقات الجغرافية المترامية وبخاصة الأشد احتياجا والحدودية منها، فإن فضلا كبيرا فى جنى هذه الثمار  يعود لما  زرعته داخلى أمى على مدار سنوات عمرى.


ولعل نشأة أمى داخل أسرة تقدس العلم وتجله وتحفز أبناءها على تحصيله هو ما جعلها تغرس داخلى تلك القيمة الكبيرة للمعرفة، وأهمية الارتكاز على الإلمام الوافى بكل ما يخص ما أنوى تنفيذه من عمل، فجدى لأمى كان أحد أشهر تجار محافظة الغربية وكان دائم الحرص على أن يتعلم أبناؤه أفضل تعليم، وأن يتحصنوا جميعا بالعلم وقد تربت والدتى فى كنف أسرة محبة للتعليم والثقافة فهى شقيقة لأستاذ طب أطفال، وآخر أستاذ طب عظام، وثالث وكيل أول وزارة للتموين رئيس الهيئة العامة للصوامع، ورابع عميد شرطة.


ولكون أمى أكبر أشقائها ولأن جدى لوالدتى توفاه الله وهى ما زالت صبية فقد شاركت فى تحمل مسئولية تربية أشقائها ولعل هذا هو سر غرسها داخلنا لقيم تحمل المسئولية والإقدام والشعور بالآخرين ومشاركة معاناتهم

وإذا كان علماء الإدارة يوصون بأن يحب كل ممتهن لمهنة مهنته حتى يبدع وينجح فيها، فإنى أقر بأن حبى للعمل الأهلي وعشقى للنشاط الإنسانى يعود فى أصله لأمى أيضا، فرغم أن حب الخير فطرة بشرية نقية، والعطاء نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان، فإن تحفيز أمى لى فى طفولتى على ألا أرد سائلا ورؤيتى لها وهى تستمتع بشدة بما تقوم به من عمل خيرى، وتؤديه فى سرية شديدة حتى لا تجرح كرامة من تقدم لهن الخدمة من أهالى قريتى، كل ذلك جعل من العمل الإنسانى غاية لى وهدفا، بل لعلى أكون صادقا إذا قلت إنه وصل بى مرحلة العشق.


وأدين لأمى أيضا بتعلم العمل الأهلي الاحترافى فقد كنت أشاهد أمى وهى تسجل غير القادرات من أهل قريتى، وتدون احتياجاتهن بشكل دقيق، بل كانت تقوم بتفحص ظروف بعضهن بنفسها حتى تتيقن من احتياجهن للدعم وطبيعة ما تحتاجهن حتى لا يكون مجرد مساعدة طارئة تذهب سريعا وتبقى المعاناة، بل الأكثر من هذا أنها كانت تجتهد فى تعظيم الفائدة من الخدمة المقدمة فكانت تتابع مع من تقدم لهن الخدمة حتى تتأكد من انطلاق تلك السيدة إلى رحابة الرزق بعد ضيق العيش.


وإذا كنت أدين بالفضل لكل قيمة نبيلة أتحصن بها فى حياتى المهنية ونشاطى الأهلي لأمى، فإنى أقرّ بأن أحد أكبر محفزاتى الدائمة على العمل من أجل مزيد من النجاح وبتلك الروح المتشوقة لإنجاز عمل أهلى غير تقليدى ومؤثر وفعال  خدمة لأهالينا من غير القادرين هى تلك النظرات الراضية من أمى عما أفعله، وتلك الدعوات الصادقة التى أحظى بها دائما كلما فررت إليها أحكى لها بحب عن إنجاز جديد جعلنى الله مشاركا فى تحقيقه.


وإذا كنت أقدم فى سطورى هذه تحية خاصة لأمى بما غرست داخلى من قيم ومبادئ، حفزتنى على الإنجاز والنجاح فإنى أقدم تحية لكل أم تربى أبناءها على الإنجاز بوعى والعطاء بفكر والمنح بحب، وتحية لأمنا الكبرى مصر التى من عطائها نتعلم ومن خيرها نعيش.