الإثنين 10 يونيو 2024

قاهرة المعز تقرع طبول السلام

26-4-2017 | 11:11

تقرير: شيرين صبحى

يعلو صوت «الترومبيت» يتبعه المزمار البلدى، فى انسجام فريد وجديد ينسج حوارا موسيقيا بديعا، بينما تتصاعد فى الخلفية أصوات الطبول وآلات الإيقاع المختلفة، ثم تكتمل اللوحة بصوت رائق لأحد المنشدين يشق صخب الألحان وهو يناجى «الليل».

راقصون، عازفون، ومطربون، وجوه شديدة السمرة، وأخرى شديدة البياض، من كل الأجناس جاءوا إلى قاهرة المعز يعملون معا فى سلام، أنغام مختلفة تتداخل من هنا وهناك، صوت ترومبيت يمتزج مع مزمار أو درامز، يتصاعد قرع الطبول والرقص داخل القلعة المهيبة.. إنه المهرجان الدولى للطبول والفنون التراثية، اليوم لن تقرع الطبول للحرب، بل تقرع من أجل السلام!.

 

وكأنك وسط الأدغال، يأتيك وقع الطبول، تطالعك الوجوه السمراء والأجساد الفتية، يقرعون طبولا تتفاوت أشكالها وأحجامها، تملأ جنبات قلعة صلاح الدين الأيوبى، وسط أجواء تاريخية تلقيها علينا جنبات مسرح بئر يوسف، لتعلن عن انطلاق فعاليات مهرجان «حوار الطبول الدولى من أجل السلام» فى دورته الخامسة، الذى ينظمه صندوق التنمية الثقافية بالتعاون مع العلاقات الثقافية الخارجية ووزارتى السياحة والآثار، برؤية فنية للمخرج الفنان انتصار عبد الفتاح.

لا أحد يملك الحقيقة كاملة، كل منا يملك جزءا منها، وأجزاء الحقيقة ليست حقيقة، لذا يجب أن نلتقى سويا ونجمع شتات أجزائنا، عندها فقط سوف ندرك جميعا ما كنا نبحث عنه، من هنا جاء اختيار عين حورس لتصبح شعارا للمهرجان، تلك العين التى تحكى الأساطير الفرعونية أن «ست» مزقها إلى قطع صغيرة ونثرها فى ربوع مصر، إلى أن قام الطبيب «تحوت» بجمع كل هذه الأجزاء المتناثرة وعالجها ومنحها اسم «وادجت» أى «الكامل» أو الذى استعاد تكامله.

تتصدر «عين حورس» إحدى آلات الإيقاع التراثية «الطبل الأعظم» التى تمثل الفضاء الذى نلتقى فيه جميعا، بينما تمثل الأيادى الملتفة حول هذه الطبلة، ذلك اللقاء والحوار الذى ننتظره جميعا للوصول إلى الحقيقة.

تشارك بالمهرجان فرق من الإكوادور، الصين، إندونيسيا، سريلانكا، كوريا الجنوبية، اليونان، السودان، السعودية، السنغال، نيجيريا، موريشيوس، ساحل العاج، غينيا، تتارستان، الجزائر، بوروندى، كونكري، وكوت ديفوار، إضافة إلى الفرق المحلية المصرية من الإسكندرية وبورسعيد والشرقية وسوهاج والأقصر والعريش ومطروح والوادى الجديد وتوشكى وحلايب وشلاتين. بينما تغيب عن هذه الدورة العديد من الدول التى شاركت فى السابق منها، روسيا، المكسيك، أرمينيا، جورجيا، ليتوانيا، المالديف، إثيوبيا، الهند، باكستان.

انعقاد المهرجان يأتى ليعكس الإصرار الحقيقى لدى المصريين والدولة المصرية لمواصلة الحياة الآمنة، كما يؤكد الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، بأننا لن نسمح لأى إرهابى أو ظلامى من تجار الموت أن يفسدوا علينا الحياة، لأن الله خلقنا كى نعيش الحياة ونصر على مواجهة دعاة الموت، ونحن نواجههم بالفن والثقافة والإبداع.

بجسده النحيل ووجهه الأسمر الذى نحتته شمس الصعيد، يجلس أحمد محمود الطالب فى الصف الأول الثانوي، ينغم على آلة «النقارة»، يقف باتزان على جانب «الطبل البلدى الكبير» الذى يحركه ابن عمه رمضان تحت أقدامه الصغيرة، بينما يقرع الطبل بعصاه.

بدأ «أحمد» تعلم «النقارة» وهو فى الصف السادس الابتدائى، وتدربت أصابعه على الخفة فى استخدام العصى. يتوارثها هو وابن عمه من جده الكبير. يجوبان الأفراح وليالى سوهاج الملاح، وهما أعضاء رئيسيين فى فرقة سوهاج للفنون الشعبية.

نماذج من الرقص الآسيوى والأوروبى والأفريقي، ورقصات مصرية من الوجه القبلى والبحري، على أنغام السمسمية فى بورسعيد، أو طلب المدد من المرسى أبو العباس فى الإسكندرية، أو أصوات النبابيت وقت التحطيب.. لوحة بديعة تتابع تنسجها ألحان متنوعة يؤديها العازفون، تعكس ثقافات شديدة التباين، لكنها جميعا تحلم بالسلام المفقود الذى ينشده العالم.

قدمت العروض فى قلعة صلاح الدين وقبة الغورى وشارع المعز وساحة الهناجر بالأوبرا وقصر ثقافة بنها ومتحف الطفل للحضارة. بينما شهد شارع المعز أكبر كرنفال للملابس الشعبية بمشاركة جميع الفرق.

على هامش المهرجان أقيم معرض تراثى للفنانة أميرة بهى الدين بعنوان «الطبول وثقافات الشعوب» ويضم حرفا تراثية للدول المشاركة، إضافة إلى ورشة للرسم بالحناء للفنانة السودانية «ستونة».

وكرم المهرجان عاشق النوبة أحمد منيب، حارس التراث السيناوى عاطف عبد الرحمن، عاشق التراث البورسعيدى حسن محمد صالح، وتراث فرقة حسب الله الريس فتحى شعبان السنباطي.

بدأت فكرة مهرجان الطبول عام ١٩٩٠ من خلال أبحاث ودراسات علمية قدمها الفنان انتصار فى مجلة الفنون الشعبية، رصد خلالها فنون مصر التراثية وكون مجموعة من الفرق الخاصة، لكن ظل لديه اهتمام خاص بالطبول والإيقاعات، وهو ما دعاه إلى تكوين فرفة الطبول النوبية والآلات الشعبية، التى قدمت العديد من الورش الناجحة داخل مصر وثلاثين دولة، وهو ما دعاه للبدء فى تنفيذ مهرجان الطبول، ليكشف عن جماليات تلك الفلسفة.

لا يرغب الفنان انتصار للمهرجان أن يكون ترفيهيا فقط، بل يريده أن يعبر عن تفرد الشخصية المصرية، وأن يصبح مركزا دوليا يهتم ويوظف كل الأماكن التاريخية بحيث تصبح منظومة تضم التراث والثقافة والسياحة. يقول «نحتاج إلى أفكار جديدة ومنهج وحلم»، يردد: أحلم وأصر على تنفيذ أحلامى، طالما هناك حلم فهناك حياة. مصر تحتاج البهجة. مفهوم السياحة ليس فقط للأجانب ولكن للشخصية المصرية الجميلة التى علينا أن نرتقى بها، المصرى أهم لأنه سوف يستطيع فى النهاية أن يخاطب الآخرين.

يبحث «انتصار» عن إبراز تفرد الشخصية المصرية بعمقها الثقافى والحضاري، كما يرغب فى توصيل رسالة إنسانية وليست سياسية، فالسياسة تذهب وتجيء، لكن يظل المفهوم الإنسانى هو ما نبحث عنه. يقول: أنا ضد تسييس الفن، وأؤمن أن الإبداع أقوى من السياسة، لأنه يتصل بالإنسان والكون.

 

    الاكثر قراءة