الثلاثاء 14 مايو 2024

"الفوضى الخلاقة "أيديولوجيا أمريكية لزعزعة الاستقرار السياسي

أخبار2-11-2020 | 17:28

تعتمد نظرية الفوضى الخلاقة في الأساس على ما أسماه الأمريكي صموئيل هنتنجتون بفجوة الاستقرار وهي الفجوة التي يشعر بها المواطن بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، فتنعكس بضيقها أو اتساعها على الاستقرار بشكل أو بآخر. فاتساعها يولد إحباطاً ونقمة في أوساط المجتمع، مما يعمل على زعزعة الاستقرار السياسي، لاسيما إذا ما انعدمت الحرية الاجتماعية والاقتصادية، وافتقدت مؤسسات النظام القابلية والقدرة على التكييف الإيجابي، ذلك أن مشاعر الاحتقان قد تتحول في أية لحظة إلى مطالب ليست سهلة للوهلة الأولى، وأحياناً غير متوقعة، ما يفرض على مؤسسات النظام ضرورة التكيف من خلال الإصلاح السياسي، وتوسيع المشاركة السياسية، واستيعاب تلك المطالب.

أما إذا كانت تلك المؤسسات محكومة بالنظرة الأحادية؛ فإنه سيكون من الصعب الاستجابة لأي مطالب، إلا بالمزيد من الفوضى التي يرى هنتجتون أنها ستقود في نهاية الأمر، إلى استبدال قواعد اللعبة واللاعبين.

 

ويرى البعض أن الفوضى الخلاقة ترتكز على أيديولوجيا أمريكية نابعة من مدرستين رئيستين: الأولى صاغها فرانسيس فوكوياما بعنوان نهاية التاريخ ويقسم فيها العالم ما بين عالم تاريخي غارق في الاضطرابات والحروب، وهو العالم الذي لم يلتحق بالنموذج الديمقراطي . وعالم آخر ما بعد التاريخي وهو الديمقراطي الليبرالي وفق الطريقة الأمريكية. ويرى أن عوامل القومية والدين والبنية الاجتماعية  من  أهم معوقات الديمقراطية.

المدرسة الثانية صاغها هنتنگتون بعنوان صراع الحضارات معتبراً أن النزاعات والانقسامات في العالم سيكون مصدرها حضارياً وثقافياً. ذاهبًا إلى أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل. ورغم تناقض المدرستين، إلا أنهما تتفقان على ضرورة بناء نظام عالمي جديد ، إضافة إلى معاداة الحضارة الإسلامية باعتبارها نقيضاً ثقافياً وقيمياً للحضارة الغربيه.

أما البروفيسور توماس بارنيت فقد قسّم العالم إلى من هم في القلب أو المركز )أمريكا وحلفائها)، وصنف دول العالم الأخرى تحت مسمى دول الفجوة أو الثقب حيث شبهها بثقب الأوزون الذي لم يكن ظاهرًا قبل أحداث 11 سبتمبر. يذهب بارنيت إلى أن دول الثقب هذه هي الدول المصابة بالحكم الاستبدادي، والأمراض والفقر المنتشر، والقتل الجماعي والروتيني، والنزاعات المزمنة، وهذه الدول تصبح بمثابة مزارع لتفريخ الجيل القادم من الإرهابيين.

وبالتالي فإن على دول القلب ردع أسوأ صادرات دول الثقب، والعمل على انكماش الثقب من داخل الثقب ذاته. فالعلاقات الدبلوماسية مع دول الشرق الأوسط لم تعد مجدية؛ ذلك أن الأنظمة العربية بعد سقوط العراق لم تعد تهدد أمن أمريكا، وأن التهديدات الحقيقية تكمن وتتسع داخل الدول ذاتها، بفعل العلاقة غير السوية بين الحكام والمحكومين. ويخلص بارنيت إلى أن تلك الفوضى البناءة ستصل إلى الدرجة التي يصبح فيها من الضروري تدخل قوة خارجية للسيطرة على الوضع وإعادة بنائه من الداخل، على نحو يعجل من انكماش الثقوب وليس مجرد احتوائها من الخارج، منتهيًا بتخويل الولايات المتحدة القيام بالتدخل بقوله:”ونحن الدولة الوحيدة التي يمكنها ذلك.

يمثل مصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأمريكي في التعامل مع قضايا العالم العربي حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة، فعلى خلاف السائد في المجال التداولي العربي لمفهوم الفوضى المثقل بدلالات سلبية من أبرزها عدم الاستقرار أضيف إليه مصطلح آخر يتمتع بالإيجابية وهو الخلق أو البناء، ولا يخفى على أحد خبث المقاصد الكامنة في صلب مصطلح "الفوضى الخلاقة" بغرض التضليل والتمويه على الرأي العام .

 

يستند الأساس الأيديولوجي النظري لسيرورات الفوضى الخلاقة تاريخيا إلى الثورة الفرنسية باعتبارها مرجعا قابلا للدرس والمقارنة بشعاراتها المعروفة الحرية والعدالة والمساواة، وعلى الرغم من نبل المنطلقات  وإيجابياتها إلا أنها ولدت آثارا جانبية ضارة تمثلت بسيطرة  العامة التي حولت الأوضاع إلى فوضى عارمة تفتقر إلى التنظيم في ظل غياب مرجعيات فكرية وسياسية .

حاولت الولايات المتحدة الأمريكية استثمار حالة الفوضى

وانتهجت استراتيجية فوضى الاحتواء المزدوج في التعامل وعقب انهيار جدار برلين وسقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفييتي اعتمدت استراتيجية الفوضى البناءة في التعامل مع باقى العالم فى إطار تحول السياسة الخارجية الأمريكية من الاحتواء المزدوج إلى استراتيجية أمركة العالم بالقوة والعمل على تغيير الأنظمة والجغرافيا عن طريق الفوضى الخلاقة، وتمثل كتابات أليوت كوهين أحد المصادر المهمة لنظرية الفوضى الخلاقة وخصوصا كتابه "القيادة العليا، الجيش ورجال الدولة والزعامة في زمن الحرب"  ويرى كوهين أن الحملة على الإرهاب هي الحرب العالمية الرابعة باعتبار أن الحرب الباردة هي الثالثة، ويؤكد بأن على الولايات المتحدة أن تنتصر في الحرب على الأصوليين.

ومن المساهمات الرئيسية في صياغة نظرية الفوضى الخلاقة ما قدمته المراكز البحثية الكبرى في الولايات المتحدة وعلى رأسها مؤسسة "أمريكان انتربرايز" للدراسات وتعتبر كتابات راوول مارك غيريشت  أبرز من يمثل هذا المركز، ويؤكد غيريشت أن إدارة الرئيس بوش بلورت مشروع "الشرق الأوسط الكبير" بالاعتماد جزئيا على أبحاث مؤرخين نافذين أمثال برنارد لويس من جامعة برنستون وفؤاد عجمي من جامعة جونز هوبكنز، ومن المعروف أن لويس قد اقترح استخدام مصطلح "الشرق الأوسط" بدلا من "العالم العربي"، وتقوم مؤسسة "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" بدور لا يقل أهمية عن المؤسسة السابقة في صياغة نظرية الفوضى الخلاقة، ويمثلها روبرت ساتلوف وكان قد اقترح إقصاء مصطلحي العالم العربي والإسلامي من القاموس الدبلوماسي  وطالب بالتعامل مع العالم العربي من خلال مقارنة خاصة بكل بلد على حدة ومحاربة الأصولية الإسلامية بلا هوادة والتي تسعى برأيه إلى إلغاء الحدود الجغرافية والطبقية.

وتمثل الأطروحة الرئيسية لنظرية الفوضى الخلاقة على اعتبار الاستقرار في العالم العربي عائقا أساسيا أمام تقدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ولذلك لا بد من اعتماد سلسلة من التدابير والإجراءات تضمن تحقيق رؤيتها التي تطمح إلى السيطرة والهيمنة على العالم العربي الذي يمتاز بحسب النظرية بأنه عالم عقائدي وغني بالنفط الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة، وينادي أقطاب نظرية الفوضى الخلاقة باستخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة ، وتبني سياسة التهديد بالقوة التي تساهم في تفجير الأمن الداخلي للعالم العربي وتشجيع وتأجيج المشاعر الطائفية وتوظيفها في خلق الفوضى.

هنا يأتى دور الحكومات من خلال استخدام أساليب الحوكمة والحكم الرشيد لكى تتلافى من خلالها التأثيرات الضارة الناجمة عن الفوضى الخلاقة.  وتلك الحكومات غالبا ما تجد نفسها ما بين فكى الرحى فمن ناحية هى مطالبة بمقاومة التأثيرات والأطماع الخارجية ومن ناحية أخرى عليها أن تقدم لشعوبها إنجازات يراها رؤى العين ولا يستطيع حاقد أو جاهل أن ينكرها .

ومن بين أهم الأدوات التى يجب أن تلجأ لها تلك الحكومات هى مخاطبة الفئة الشابة من المجتمع وزرع بذور الثقة ما بينها وبين سواعدها الشابة الفتية وترسيخ ثقافة الانتماء والمواطنة فى قلوب فئة الشباب ويتم ذلك من خلال انتقاء أفضل العناصر الشابة التى تتميز بالتفوق الفكرى والقدرة النفسية المتوازنة وتدريبهم بما يؤهلهم لكى يصبحوا مثالا يحتذى لفئتهم ولكن هنا مكمن الخطورة حيث أن عدم وضوح محددات الاختيار وعدم نزاهة عملية الاختيار قد يؤدى إلى نتيجة عكس النتيجة المرجوة ومن أجل هذا يجب على الحكومات استعمال مبدأ الشفافية فى الاختيار وخاصة أن الوصول لأفضل العناصر المنتقاة هو أحد أهم أسس بقاء الحكومات ووجود ظهير شعبى شاب لها على أرض الواقع.

أما الشباب أنفسهم فإذا ما وقع  فى أنفسهم شفافية الاختيار وعدالة الحكومة فى طرح فرص الترقى فى السلم المجتمعى فإن تقديم أرواحهم فداء للدولة سوف يصبح نتيجة حتمية للثقة التى تولدت ما بينهم كفئة قادرة  وفاعلة وما بين حكومة بلدهم التى أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أنها تضعهم على رأس قائمة أولوياتها.

    Dr.Radwa
    Egypt Air