منذ زمن طويل صارت الاتهامات السياسية والعقائدية مثل الملابس، منها الجاهز ومنها التفصيل!، وكان لكل اتجاه سياسى مهاراته فى توجيه التهم لخصومه، وكانت الذروة وستبقى هى الوصول بالاتهامات إلى مرحلة اغتيال الشخصية.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر، كان اليسار الماركسى فى مرحلة من المراحل يتفنن فى إلصاق تهمة العمالة للأجهزة الأمنية "المباحث" لخصومه، فيما يطلق عليهم أوصافًا عقائدية من قبيل "البرجوازى الصغير" و"المراهق الثوري" و"عميل الثورة المضادة" و"الكومبرا دور"!.
وكان الإخوان يتفننون فى إلصاق تهمة الزندقة والفسق بغيرهم، ثم تصاعدوا بالتهمة ومعهم الجماعات الإسلامية إلى مستوى "الكفر"، ليكون كل من خالفهم "زنديقًا.. وفاسقًا.. وكافرًا"، ولأن الناصريين هم جزء من اليسار بوجه عام فلم يكونوا بمعزل عن توجيه الاتهامات لمخالفيهم أيضًا بالعمالة للأجهزة أو بالانتهازية وركوب الموجة أو بالاستغلال والانحراف عن الاشتراكية!.
إلا أن عملية اغتيال الشخصية.. طالت حتى الآن اثنين من رموز الوطن، هما جمال عبدالناصر وعبدالفتاح السيسي، فيما طال اغتيال الشخصية أنور السادات. وواضح أن تهمة الديكتاتورية والاستبداد هى الأقوى فى تصفية شخصية الرئيسين، لأنهما وبمحض المصادفة يشتركان فى صفات تحول دون اغتيال شخصيتهما عبر تهم مثل الفساد والخمر والنساء والعمالة لوكالات الاستخبارات العالمية إلى آخره.
وليس عجبًا أن يلتقى الإرهابيون من إخوان وغيرهم مع بعض ممن يزعمون أنهم ليبراليون، وآخرون يزعمون أنهم اشتراكيون وغيرهم ممن يزعم أنه مصرى وفقط على توجيه الاتهام بالديكتاتورية للرئيس السيسي، لأن هذه التهمة تلقى فى معتقدهم قبولًا ورواجًا فى دوائر الغرب الأوربى والأمريكي، والمنظمات التى تحمل لافتات حقوق الإنسان وحماية الحريات وخلافه، ومن هذه النافذة أو البوابة يمكن التحفيز لحصار مصر سياسيًا واقتصاديًا ومعلوماتيًا، والتأثير بالتالى على قدرة السيسى فى السير بالبلاد نحو الأهداف المرجوة من التنمية، والأخطر هو صرف النظر الدولى عن الجهد الجبار الذى تبذله مصر بقيادة السيسى فى مواجهة ومحاربة الإرهاب المسلح، الذى يضرب الوجود المصرى من عدة جبهات، وقدمت مصر من جيشها وشرطتها وقضاتها ومدنييها عشرات الشهداء فى مواجهته، ناهيك عما تتكبده اقتصاديًا واجتماعيًا من تكاليف ينوء بحملها الجبال، فى ظل نقص حاد فى الموارد والإمكانيات!.
شماعة الديكتاتورية إذن هى ما يستند إليها الإرهابيون من إخوان وجماعات، ومعهم من أشرت إليهم من زاعمى الليبرالية والاشتراكية لإجهاض أية نجاحات تحققها مصر بقيادة السيسى فى كل المجالات الداخلية، ثم الخارجية بوجه خاص، لأن النجاحات المتوالية فيها تكاد تكون غير مسبوقة بالنسبة لمصر عبر عقود طويلة خلت!.
إن القاعدة الأسلم فى مواجهة الشائعات والترهات والادعاءات الباطلة هى تجاهلها، لأن مجرد مناقشتها يعنى الاعتراف بها، ولكن ما نحن بصدده ليس شائعة بقدر ما هو سلاح قذر يصمم الخصم على استخدامه لحرمان وطننا من حصاد نتائج أية جهود تبذل وبإخلاص على كل الجبهات والأصعدة، ومن ثم فالأولى هو الرد والتفنيد وعدم الركون إلى قدرة الأطراف الأخرى الخارجية، خصوصًا بعض مناطق الوعى الهش السطحى داخليًا على فهم حقيقة هذه الترهات والادعاءات!.
إننا لن نبدأ بتعريف الديكتاتورية ولا الفرق بينها وبين الأوتوقراطية، لأنه حتى "الديكتاتور" ملزم فى كلاسيكيات العلوم السياسية وفى التاريخ بأن يستشير أقرانه الذين هو الأول بينهم، أما "الأوتوقراطور"، أى الحاكم الأوحد فلا إلزام له بالاستشارة!.. ولن نسوق أمثلة عن ديكتاتوريات نجحت فى إنقاذ شعوبها من ويلات الحروب الأهلية ومن ربقة التخلف، وكان النموذج الواضح لها وإلى عهد قريب هو "فرانكو" فى إسبانيا، الذى نجح فى إنقاذ بلاده ووضعها على طريق الديمقراطية الصحيحة!.
وما نبدأ به هو هل هناك أية ملامح للاستبداد الفردى فى حكم الرئيس السيسي؟!.. هل هناك غياب للمؤسسات أو السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.. وهل يغيب الفصل بين السلطات؟ وهل لا يوجد دستور؟ وهل تم تعطيل العمل بالقوانين، وهل هناك إجراءات ومحاكم استثنائية، وحالة طوارئ مستديمة فى كل أرجاء البلاد، وهل يستأثر الرئيس وحده بصنع القرار واتخاذه، حيث صنع القرار سابق على اتخاذه؟!.. ثم هل يؤدى تحليل مضمون الخطاب السياسى للرئيس إلى استشفاق النزوع الاستبدادى الفردى لديه، حيث تكون سقطات اللسان تعبيرًا عن مكنونات مخبأة ونوايا مبيتة تنبئ أن المتحدث يبطن غير أو عكس ما يعلن؟!
الإجابة بكلمة واحدة هي: لا.. ودونما تفاصيل لأن إجابة كل سؤال واضحة عمليًا، وحتى السؤال الأخير حول تحليل مضمون الخطاب السياسى للرئيس فإن الإجابة هى الأخرى سلبية.. بمعنى أن الرجل فى معظم أحاديثه، ولدرجة بدت إلحاحًا منه على معنى بذاته يريد أن يؤكده دومًا، وهو أنه واحد من الناس لا يتميز عنهم ولا فيهم، وأنه لن يستطيع أن يحقق إنجازًا وحده.. لأن يدًا واحدة لا تصفق.. وكذلك فإنه دومًا يتحدث عن "نون الجماعة"، "إحنا كلنا مع بعضنا".. "استعمل كلنا"! إلى آخر ما فى هذا السياق!.
أخيرًا لا بد أن نستوعب أن محاولات اغتيال شخصية الرئيس لن تتوقف، وإذا كانت أجهزة الأمن المنوط بها حماية شخصه قادرة على حمايته جسديًا فإن هذه الأجهزة لن تتمكن من التصدى لمحاولة اغتيال شخصيته، لأن هذا هو دور النخبة المثقفة المتفقة مع توجه الرئيس، والتى تقدر دوره وتدرك أن اغتيال شخصيته يصب لمصلحة الإرهاب والفوضى، ويمكن أعداء الوطن من وجود الوطن ومستقبله.