الأحد 16 يونيو 2024

محمد صلى الله عليه وسلم مجمع الفضائل

توك شو3-11-2020 | 17:06

لكى تحب شخصا أو مكانا أو زمانا، عليك أن تتعرف عليه جيدا فيأتى حبك له مبنيا على أسباب عقلية مع الشعور القلبى الوجدانى، وكل المسلمين ولا شك يحبون نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بعاطفة جياشة وحقيقية، وبعض الأميين ممن لا يقرؤون ولا يكتبون يبكون إذا جاءت سيرته صلى الله عليه وسلم، وأفاض كبار الأولياء على مر العصور فى شرح المحبة لله ولرسوله واتخذ بعضهم من حب النبى بابا لولايته وسببا لفتوحه، ولم لا ولولاه ما كان قرآن ولا هدى ولا فضائل ولا وصل بين السماء والأرض بوحى موصول ليوم القيامة، وصدق الشيخ صالح الجعفرى الذى مدح الرسول بديوان كبير من ١٢ جزء وهو بذلك يعد من المحبين الكبارلحضرة النبى، صدق حين بدأ إحدى قصائده بهذا البيت ( أحبك والمحبة رأسمالى – وحبك سيدى عين الكمال )، نعم حب النبى رأسمالنا، وحبه نعم عين الكمال والرضا والسرور ومفتاح الجنة وحسن الختام، هذا عن العاطفة القلبية الصادقة فماذا عن الأسباب العقلية للحب؟ .

هل تعلم عزيزى القارئ أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان مجمعا للفضائل كلها من صدق وأمانة وكرم وشجاعة وفصاحة وسماحة وحياء ورضا وقناعة وزهد ووفاء وجمال وجلال وهيبة ووقار و...إلخ، كانت صفات فى ذاته الشريفة من قبل بعثته فما بالكم وقد نزل عليه الوحى بالقرآن واتصل بالسماء فسقيت فضائله بأنوار الحق، عن صدقه وأمانته كلنا يعرف أنه كان موضع ثقة كل قريش قبل بعثته وكيف كانوا يضعون ودائعهم عنده وكيف كانوا يكبرونه حتى رغم أن بعضهم كفر بنبوته فلم يكفروا بصفاته الشريفة وإنما حسدوه وقالوا: ( لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) يقصدون مكة أو الطائف. وعن حيائه فحدث كما شئت أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد لصنم ولم يسهر كما يفعل شبان مكة ولم يعرف اللهو ولا شرب الخمر ولا وقت الفراغ، وكان وقته كله فى صباه وشبابه فى رعى الغنم خارج مكة ( وما من نبى إلا ورعى الغنم )، ثم بالتجارة بعد ذلك، لدرجة أنه لما تاجر للسيدة خديجة فى مالها وقص فتاها ( ميسرة ) عليها مناقبه فى البيع والشراء وفى السفر وفى التعامل والكلام رغبت فى الزواج منه وهى سيدة غنية من سيدات النخبة فى مجتمع قريش وهو إن كان فقيرا بحساب المال آنذاك فإنه كما قال عمه أبو طالب فى خطبة زواجه ( أغنى الشباب أخلاقا وحسبا وفضائل )، وكان كالعذراء فى خدرها من الحياء .

أما عن شجاعته صلى الله عليه وسلم فخذ عندك يوم اقتحم عمر بن الخطاب عليه وعلى صحابته دار الأرقم بن أبى الأرقم فى مكة شاهرا سيفه فجذبه النبى من ثيابه فكاد ينخلع كتفه من شدة جذبة النبى، وخذ عندك شهادات القوم كلهم فى يوم أحد وغيره من الأيام، قالوا: ( إذا حمى الوطيس احتمينا برسول الله )، وكان ليس بالخائف ولا الهارب يوم النزال بل كان يقول بأعلى صوته فى حمى المعركة ووسط جلجلة السيوف: ( أنا النبى لا كذب، أنا ابن عبد المطلب )، وكان يطوى صائما وقد ربط حجرا على بطنه ويقول لأهل بيته ( لست كأحدكم إنما أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى )، وكان كما وصفه سيدنا الإمام على بن ابى طالب حين بعثه النبى لليمن وسأله أحد أحبار يهود عن صفته فكان مما قاله ( إنا يمشى كمن ينكب من صبب ) أى يسرع الخطو دليلا على قوته وكان قوى العظام ليس بالقصير ولا بالطويل بل ربعة، وكما وصفه ابن أبى هالة لسيدنا الحسن ثم الحسين من بعده (كان يلتفت جميعا ) أى يعطى كل وجهه لمحدثه ولا ينزع يده ممن يصافحه إلا إذا نزعها الآخر، وكان سيدا فى قومه فإذا جلس كان هو مركز الدائرة ومحط الأنظار، ورغم ذلك كان يمنع أصحابه من الوقوف إليه إذا حضر، وكان يمنعهم من أن يفسحوا له مكانا مفضلا بل كان يجلس حيث حل به المجلس، ورغم أن أبا سفيان قال فى وصفه لهرقل عظيم الروم ( لم أر أحدا يعظم أحدا كتعظيم صحابة محمد لمحمد ) إلا أنه كان ينهاهم عن تعظيمه وعندما جاءه أعرابى وارتعش من هيبته قال له نبينا وسيدنا ( هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد فى مكة ) .

وعن جماله وجلاله فحدّث ولا حرج، فقد روى عن عمرو بن العاص، وهو من هو بين الرجال حنكة ودراية وخبرة بالناس وبأيام العرب، وقد أسلم مع آخر من أسلم بعد نحو عشرين عاما من البعثة، قال إنه لم يكن يقدر على النظر فى وجه رسول الله، فقد كساه ربنا جمالا مع هيبة وجلالا وليس جمالا فحسب كأخيه النبى يوسف بن يعقوب، وقال صحابى آخر فى ليلة البدر ( نظرت إلى القمر ثم نظرت إلى وجه رسول الله فوجدت وجهه أشد نورا من القمر )، ومما روى أن عائشة رضى الله عنها كانت تخيط الثياب فى الليل على نوره الشريف، وحين نزل مع أبى بكرعلى (أم معبد) فى طريق الهجرة من مكة للمدينة ومسح على ضرع الشاة المريضة فدرت اللبن وشربوا جميعا ومضوا، وجاء زوجها ليلا وقصت عليه الخبر ومما قالته ( إنها رأت رجلا لم تر مثله فى الوضاءة ) فقال له إنه صاحب قريش، ولو لحقه لآمن به .

وأما عن زهده فقل فيه مجلدات فهو إمام الزاهدين، أتته الدنيا فأعرض عنها، وساومته قريش على الرسالة وأغرته بالملك والمال والجاه فرفض وقال قولته الخالدة لعمه (والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته )، اكتفى من العيش بالقليل، ونام على الأرض والحصير الخشن، ولم يتخذ قصرا ولا بيتا فخما بل حجرة بسيطة، وظلت حجراته حتى عصر الوليد بن عبد الملك ثم ضمت لمسجده، تمردت عليه زوجاته فهجرهن أياما وحزن ولم يستطع أن يرضيهن بنعومة الحياة ولا زخرفها، والمرأة هى المرأة تريد العيش الناعم والمال والطعام الوفير والفراش الوثير، وكاد أبو بكر يضرب ابنته عائشة وكاد عمر يضرب ابنته حفصة لولا أن الرسول نهاهما، ثم نزل فيه وفيهن قرآن يتلى يخيرهن بين حياتهن مع النبى على شظف العيش ثم الجنة أو يسرحهن فاخترن النبى، روى عن الإمام على بن أبى طالب أنه لما كان يأكل الشعير اليابس بالكوفة وهو أمير المؤمنين أشفق عليه صحابته وعرضوا عليه أطايب الطعام فقال لهم ( أما لو رأيتم طعام رسول الله )، أى كان كفافا، وحين أتته فاطمة وزوجها على يطلبان منه خادما لأنها تعبت من خدمة البيت رفض بشدة وقال (لا أعطيكما ورجال الصفة يتضورون جوعا)، وأهل الصفة كانوا فقراء الصحابة وكانوا يتخذون من مسجده بيتا، ومرة أتته عباءة يمنية جميلة اللون والملمس فطلبها صحابى فأعطاه إياها على الفور، وعاتبه الصحابة بعد ذلك، لأنه طلبها من النبى، وكان المشهور بينهم أنه لا يرد سائلا مهما كان، وكان يعطى عطاء من لا يخشى الفقر من قطعان الإبل والغنم لصحابته ولا يسبقى لنفسه ولا لأهله شيء ومما قاله ( نحن الأنبياء لا نورث)، وغسل وكفن فى برديه ودفن حيث قبض فى حجرة عائشة صلى الله عليه وسلم .

أما عن وفائه فسل أصحابه الذين كانوا يتسابقون على الفوز به إذا رحل أو نزل كما حدث من أبى أيوب الأنصارى يوم هاجر إلى المدينة، وكذلك سل أبا بكر الصديق الذى خبره وعرفه قبل البعثة، ولذلك حين قالت له قريش ( إن صاحبك يزعم أنه نبى ويأتيه وحى السماء ) قال دون أن يرى محمدا ( لو كان قال فقد صدق )، وكان يبر صويحبات أمه وصويحبات خديجة ويزور عمه حمزة فى مقبرة الشهداء بأحد كما يزور قبر أمه، وكانت عائشة تغار من ذكره لخديجة فيقول ( آمنت بى وقد كفر بى الناس و... ) ، كان لا يغدر ولا يخون مع العدو قبل الصديق وكان يحذر من الغدر ويقول إن لكل غادر لواء يوم القيامة، وكان يجير من استجار به وكم أعتق من أسرى بسبب إجارة رق لها قلبه الشريف، وكم تسامح فى حق له عند غيره لسبب بعيد من وفاء فإن لم يوجد فالله .

أما عن حبه لكل المخلوقات وحب المخلوقات له فقل ما شئت حتى الجماد، فقد سبح الحصى فى كفه ونبع الماء من أصابعه، وكان يضع يده الشريفة فى الطعام فيزيد ببركة الله، وتمرض عين على فيردها سالمة بيده، ويرتعش جبل أحد يوم وقف عليه ومعه أبو بكر وعمر فيقول له (اثبت أحد فوالله ما فوقك إلا نبى وصديق وشهيد)، ويحن الجذع إليه يوم غادره واتخذ مصطبة فى مسجده كمنبر للخطابة فيقوم ويحتضنه ويبشره بمكانه فى الجنة، ويشكو البعير ظلم صاحبه له فيأمر صاحب البعير بالرفق به، ومرة سأل عمه العباس وكان يسبقه بسنوات: هل رأيت على شيئا وأنا صبى؟ فقال عمه العباس: نعم كنت تناغى القمر وأنت صبى وتشير بيديك فيميل معك، فقال رسول الله، إنه كان يناغيه ويسليه وكان يسمع وجبته تحت العرش، أى سجدته .

وعن فصاحته فحدث ولا حرج وليس كما يزعم الجاهلون أنه كان أميا فما بعث الله رسولا أميا بل علمه ربه، كان يعلم أيام العرب وأنسابهم وأشعارهم ولكنه ليس بشاعر ولا يحق له قول الشعر، وكان يجازى الشعراء خيرا ويهديهم العطايا مثل حسان بن ثابت الذى قال له ( قل وروح القدس معك )، ومثل كعب بن مالك الذى مدحه بقصيدته التى مطلعها ( بانت سعاد ) فأهداه بردته، وكان يستحسن القول والشعر والوجوه والأسماء، أتاه شاب فسأله عن اسمه فقال ( صخر بن صعب ) فقال له الرسول ( بل سهل ) فأصر الشاب على اسمه فقال له ( اذهب فهو صخر )، فسر آيات القرآن لأصحابه أو بعضها، وأمر كتابه بكتابة الرسائل لملوك الأرض فى زمنه يدعوهم فيها إلى الاسلام، خطب فى الأنصار حين ظنوا أنه سيعود لمكة ويتركهم بعد فتحها، فأبكاهم .

خلاصة القول منعا للإطالة أن سيدنا رسول الله كان مجمعا للفضائل فى كل دور قام به، كزوج مع زوجاته وكأب مع بناته وأحفاده وكمحارب قائد بطل شجاع بين أصحابه وكعابد زاهد بين يدى ربه فى مسجده ومحرابه، وكصديق وفى مع أصحابه، وكخطيب مفوه وسط الفصحاء والعرب أرباب فصاحة وشعر، كان صلى الله عليه وسلم رمزا للإنسانية فى أبهى صورها فى كل صفة من صفاته وكانت الفضائل أصيلة فى ذاته الشريفة وليست مكتسبة، لم يكن صخابا ولا لعانا ولا فاحشا ولا بذيئا ولا ضعيفا ولا جبانا ولا بخيلا ولا عصبيا لعصبية جاهلية، كان عف اللسان الحياء ديدنه وكانت تعد عليه كلماته فى اليوم والليل من قلتها، وكان من قوله ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ) و ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول) وكان لا يتكلم إلا فيما يعنيه، ويوم نعرف نبينا حق المعرفة أو بعضها سيتغير حال الأمة من تراجع وكسل وخمول وتشتت إلى عزة ونصر وتقدم والفضائل التى تحلى بها صالحة لكل زمان ومكان، وقد غيرت وجه الجزيرة العربية فى عقدين من الزمان ثم غيرت وجه العالم كله فى نصف قرن وحولت رعاة الغنم لسادة وجعلت من العبيد روادا للعالم كله، صلى الله وسلم عليك يا حبيبى يا رسول الله فى كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله .