موهبة د. يوسف لا تتقيد ولا تقلد ولا أحد سد فراغ جيله الذى رحل فنحن فى عصر أنصاف المواهب بكل الفنون. رأيت فى بيروت متحف جبران به بعض أوراقه ونظـارته وقلمه ونحن فى مصر نتجاهل عظماء الفن والثقافة فلا متاحف ولا مجمع لتخليد ذكراهم.
اضطررت لسحب كتب د. يوسف من دار الشروق لعدم نشرها والناس تسأل عنها وكل الناشرين تغيروا وقد ألجأ للقضاء.
ترددت فى كتابة قصة حياتى معه لأنها مليئة بالقسوة والأشواك والحب والخصوصيات وهى إما تكون صريحة وإلا فلا داعى لها
تزوجته وعمره 29 سنة وعمرى 16 سنة وأول خطاب منه إلى شرح فيه خوفه من فارق السن ومن فكرة الزواج نفسها إذ ربما تعوقه عن إبداعه. لا أحد من أولاده يشبهه و "مروان" الوحيد من أحفاده الأربعة الذى يشبهه. فى 19 مايو الحالى يكون مر 88 عاما على ميلاد نابغة القصة القصيرة د. يوسف إدريس إذ ولد فى البيروم شرقية فى 19 مايو 1927 وفى 11 أغسطس المقبل يكون مر 25 عاما على رحيله فى سنة 1991 كان عمره 29 سنة يوم تزوج من السيدة "رجاء" وكانت هى فى عمر 16 سنة فتاة جميلة وصغيرة .
وكان أول خطاب غرامى منه إليها حكى فيه عيوبه لا مزايا، إنه من مواليد برج الثور وهى من مواليد برج الحمل سكنا بشقته فى شارع المبتديان بالسيدة زينب حيث شقة العزوبية ومنها الدقى ثم على النيل مباشرة اليوم تتذكره رفيقة كفاحه وتعيش على ذكراه وسط أحفاده الأربعة (مروان وندى ونادين وهايدى). وتعود لقصصه تقرأها مئات المرات خصوصا ( النداهة) و(لعبة البيت) و(سره الباتع)
و( بيت من لحم). عن التفاصيل الخاصة لعالم يوسف إدريس، ديستويفسكى مصر، كان هذا الحوار.
كيف تقضين يومك حاليا" وكيف سارت بك الحياة بعد رحيل د. يوسف؟
أشغل نفسى بالقراءة فى التأمل وما وراء الطبيعة وأقرأ فى هذا العلم للهندى د. شوبرا أو اقرأ لماركيز وقرأت 40 طريقة للعشق. وفى الصحافة المصرية اقرأ فقط لثلاثة، سناء البيسى وفاروق جويدة وصلاح منتصر وأرى أننا نعيش وسط كم كبير من الأخبار التى لا تحتوى إلا على الهم والغم الذى يلف العالم كله.
أى المناسبتين تفضلان الاحتفال: الميلاد أم الوفاة؟
الاحتفال بميلاد د. يوسف أهم من رحيله، وهذا الاحتفال يجب أن يكون للحركة الثقافية كلها وليس لأسرته. وهذا الأمر مطلوب لكل القامات الكبيرة من العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس إلى أم كلثوم وعبد الوهاب فهؤلاء هم من أعطوا قيمة لمصر. وزمان اقترحت على فاروق حسنى لما كان وزيراً للثقافة أن يؤسس مجمعاً للفنون يضم كل هؤلاء كما يحدث فى الخارج . لقد زرت متحف جبران خليل جبران فى بيروت بلبنان فوجدت طابورا طويلاً من الزائرين ولما دخلت وجدت "عدة أوراق ونظارة وقلماً!" .. ونحن أولى بتأسيس هذا المجمع الفنى والأدبى وسيدر دخلاً على الدولة من بيع التذاكر كما أنه سيخلد ذكرى عظماء مصر.
* أين متعلقات د. يوسف ؟
- كانت لنا قطعة أرض فى قريته بالشرقية "البيروم" فتبرعنا بها وأسس فاروق حسنى وهو وزير للثقافة مكتبة فوقها وعرضنا فيها أوراقه بخط يده وبدله وأحذيته ونظارته وملابسه وقلمه كى تخلد ذكراه فى قريته ،واحتفظت هنا فى البيت ببدل أخرى وخطابات وأوراق وأخذ ابنه سامح مكتبه ، ونحن نطالب بمتحف هنا فى القاهرة ولكن للأسف الحكومة غير مؤمنة بالفن ولا بالثقافة ولا تريد الانفاق عليهما والدليل أنهم تركوا فيلا أم كلثوم تهدم.. وأخذوا بيت طه حسين "رامتان" ولا تريد التبرع بشىء لهؤلاء العمالقة والفنانين.
* وكتب د. يوسف ومؤلفاته أين هى الآن؟
- هذه قصة تقلقنى وتغيظني. كل الناشرين الكبار تغيروا . ولأن القراء كانوا يسألوننى كلما قابلونى عن كتب د. يوسف سألت ناشره إبراهيم المعلم، رئيس دار الشروق، مراراً عن إصدار طبعات جديدة منها فكان مشغولاً عنى للأسف بأمور غير الكتب. فهو مشغول بالسينما وبأمور أخرى غير الكتب فاضطررت لسحب كتب د. يوسف من "دار الشرق" لدار " نهضة مصر" ومع ذلك فالناس تسألنى عن كتب د. يوسف وسألت الناشر مرارا ولم يرد على الناشرون أصبحوا أكثر صعوبة من الماضى . ومشروع مكتبة الأسرة لم يقترب من مؤلفات د. يوسف لأننا لسنا من شلة سوزان مبارك. عموما إذا تكرر عدم طبع كتبه قد ألجأ للقضاء . ولكن بمرور الوقت هناك ترجمات لأدبه بكل اللغات وهناك رسائل ماجستير ودكتوراه تدور حول قصصه.
ألم تفكرى فى كتابة ذكرياتك مع د. سويف فى كتاب كما فعلت كثيرات مثل سوزان طه حسين التى وضعت كتاباً باسم"معك" ؟
* فكرت أكثر من مائة مرة فى وضع كتاب عن سيرة حياتى معه كزوجة عاشت حياة حقيقية فيها قسوة وتعب ومشقة وفيها متعة وخصوصيات كثيرة جداً، ولأننى أريد أن أكتبها بحذافيرها ترددت لأنها حياة مليئة بالخصوصيات ومليئة بالحب والأشواك وهو فنان نابغة له من الفن عصبيته ومزاجيته ولابد أن أقول ذلك عندما أكتب تجربتى معه أو أكتب تجربتى كزوجة مع زوج وهى كبيرة وغنية ومليئة بالكثير وهى غنية جداً وخسارة ألا أكتبها ولابد من الصراحة فى الكتابة وإلا لن يكون كتاباً جيداً بل مجرد سرد لا روح فيه.
* هل لازلت محتفظة بخطاباته لك قبل الزواج؟
- نعم ولدى قرابة ثلاثين خطاباً وأول خطاب لى قبل زواجنا شرح فيه عيوبه وكان صريحاً جداً وخائفاً من فكرة الزواج ومن الزواج من فتاة صغيرة فارق السن بينه وبينها كبير جداً إذ كنت عمرى 16 سنة وهو 29 سنة وحاول أن يشرح نقطة خوفه تلك بصدق وتقبلتها وتقبلت فارق السن بيننا وكل الخلافات والاختلافات التى كان يخشاها.
*هل كان يريدك زوجة مثل أمه أو صورة منها؟
- كان يخشى أن يكون زواجه وأن تكون زوجته عائقاً له أمام كتابته وإبداعه وفى سبيل ذلك درست وطورت نفسى وجصلت على الابتدائية ثم الإعدادية فالثانوية والتحقت بأكاديمية الفنون ودرست الآداب العربية والفرنسية والإنجليزية وقرأت حتى لا أكون زوجة عادية أو مجرد زوجة أو عائقاً أمامه وعرفت أن أكبر مدخل له أن أكون مثقفة وواعية ومتفهمة لإبداعه وكانت بيننا صداقة قوية وصراحة وكنت أكمله عندما أقرأ له وهو يكملنى ونغير معاً سطراً أو أكثر وصرت جزءا مما يكتبه لأن شخصيته مثل فنه فيها عنف وقوة وثراء ولابد من مدخل من صميم حياته ورفضت أن أكون زوجة على الهامش مثل زوجات كثيرات تزوجن بكتاب كبار ولم يكن لهن دور فى عمل الزوج الكاتب إلا المطبخ وغسيل الملابس بل كنت داخل كل حرف كتبه وداخل حالته المزاجية حيثما كان.
كم بيتاً سكنتم فيه؟
- ثلاثة بيوت.. الأول بشقة العزوبية فى شارع المبتديان بالسيدة زينب وتزوجنا فيها وكان طبيباً شاباً ثم انتقلنا لشقة فى شارع جانبى بالدقى بالجيزة ثم سكنا على كورنيش النيل من 45 سنة لأنه كان من عشاق النيل الكبار. أما بيت أسرتى فكان فى المنيل.
هل ورث أحد من أولاده موهبته فى الكتابة؟
- "نسمة" أصدرت مجموعة قصصية عنوانها "ملك ولا كتابة" وتستعد لرواية ستصدرها لاحقاً وتواصل دراسة الدكتوراة بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة القاهرة إذ أنها مدرسة فيها. و "سامح" يكتب خواطر وينشرها على الفيس بوك ولكنه لم يصدر كتاباً . ورأيى أن أحدا منهما لا يشبه والده . لهما أسلوبهما ولكن غير اسلوب د. يوسف وموهبته . لا أحد على الساحة عنده نبوغ ولا عبقرية د. يوسف . وأقول ذلك لأولادى والحقيقة لا تغضب أحداً . والعصر اختلف وموهبة د. يوسف لا تتقيد ولا تقلد ولا يتولد منها مواهب مثلها ولو كانوا من أولاده ، وصعب جداً تقليده لأنه كان موهوباً موهبة غير عادية .
* من هم أحفاد د. يوسف؟
- لدينا 4 أحفاد من د. يوسف ثلاثة من "نسمة" هم (مروان) وعنده 15 سنة ثم التوأم (ندى ونادين) 11 سنة .. ومن (سامح) حفيدة واحدة هى (هايدى) وعندها 13 سنة.. وربما (مروان) يشبه جده . وكما يقول المثل: "أعز الولد ولد الولد" فأنا أحبهم جداً وغالباً ما يقضون معى يوم الجمعة و "مروان" يبات معى من الخميس . ومتعتى الوحيدة الآن أن أكون وسط أحفادى وأولادى. أما د. يوسف فحبه يزيد وكلما مر الزمن لا أجد قيمة مثله وهو الحاضر الغائب.
نقلا عن مجلة المصور