لقد حذرنا المولى عز وجل فى تشريعاته و رسالاته السماويه جميعاَ من مضلات الفتن وإتباع الهوى ، ونوازع الشر، وعاقبة الأختلاف ، وأن الرجوع له تعالى فى الملمات هو المخرج إلى سواء السبيل فقال تعالى ( فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول ) ولقد وضع الإسلام نظاماََ للتعايش والتقارب بين المسلمين وبعضهم وبينهم وبين غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى ، بعيداَ عن أى غلو أو تفريط أو غرور ، ولقد عالج المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا فى العديد من مواقفه حتى يترك لنا سنه بعد كتاب الله عز وجل لو أتبعنا ما جاء فيهما لا نضل ولا نشقى ، ومن بين هذه المواقف موقفاً عندما تشاجر رجل من المسلمين مع يهودى فسب كلاهما الآخر فقال اليهودى فى قسمه الذى أعتاد أن يقسمه : لا والذى أصطفى موسى على العالمين ، فلطمه المسلم على وجهه ، فقال المسلم : أعلى محمد أصطفاه ؟ فرفع اليهودى شكواه للمصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( لا تفضلونى على الأنبياء )، كما أنه صلى الله عليه وسلم أثناء فتح مكه جاء إلى المصطفى رجل ترتعد فرائصه من شدة خوفه أن يبطش به المصطفى والمسلمين ، وذلك من شدة الهيبه التى وهبها المولى عز وجل لهم فقال له المصطفى ( هون عليك إنما أنا ابن امرأه من قريش كانت تأكل القديد ) والقديد نوع من اللحم يعرض للشمس فتره حتى يجف حتى يسهل حفظه وأكله على فترات طويله لقلة ضيق اليد ، وهذا من شدة تواضعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما أن من مواقفه أيضاَ أنه فى عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاء ذات يوم ثلاث شباب إلى بيوت أمهات المؤمنين وهم :على بن أبى طالب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعثمان بن مظعون يسألونهن عن عبادة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أخبروا بها شعروا بقلتها ، فعللوا ذلك لأنفسهم بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال أحدهم أنا أصلى الليل ولا أفتر ، وقال الآخر : وأنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال الثالث : وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداَ ، فلما بلغ أمرهم المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لهم أنتم الذين قلتم هذا ؟ فقالوا نعم ، فقال لهم : ( أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له ، ولكنى أصوم وأفطر ، وأصلى وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتى فليس منى ) .
أما هذا الموقف الآخر لأمير المؤمنين ـ عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ حينما أرسلت له امرأه قبطيه من مصر أسمها ـ فرتونه ـ تشكو له واليه فى مصر ـ عمرو بن العاص ـ رضى الله عنه ـ الذى هدم منزلها من أجل توسيع مسجد يبنيه ، ولما أستفسر الخليفه من واليه عن الأمر قال له : أنه أعطاها تعويضاَ عن مسكنها ، فغضب عمر قائلاَ له : إن المرأه كانت لا ترضى بهذا ، فرد عمرو : قائلاََ نعم ، فقال عمر : وكيف تبنون مسجد على حساب حق للآخرين ؟ وأمر بإعادة الأرض إلى صاحبتها ، وبناء بيتها من بيت مال المسلمين ، فإذا فقهنا وتدبرنا هذه المواقف كلها لتعلمنا كيف إنتشر الإسلام وكيف دخل المسلمون مصر سنه 640م وظلوا بها قلة قليلة لمدة قرنين من الزمان بعد الفتح الإسلامى ، بدون تعصب أو إكراه على الدخول فى الإسلام ، حتى علم كل من حولهم أخلاقهم وسلوكهم السوى الذى أيقنوا به ، فدخلوا فى الإسلام أقواماَ عن إقتناع وحب ورغبه عارمه ، حتى أنه لا يستطيع أحد أن يفرق من هم فى الأصل أهل مصر كما يثار الآن لإشعال نيران الفتن التى لعن الله من أيقظها من نومها .