الذى يقرأ سيرة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرى جليا فى أحداثها إلى أى
مدى تعرض للإيذاء الشديد والمكر السئ من المشركين ، قريبهم له قبل بعيدهم ، حتى
كان عمه أبو لهب يمشى وراءه ويقول : لا تطيعوه فإنه صابئ وكذاب ، فترده القبائل
أقبح رد قائلين : أسرتك وعشيرتك أدرى وأعلم بك، ومع ذلك ـ كان المصطفى ـ صلى الله
عليه وسلم ـ لا يخامره يأس ، فيخوض بدعوته المجامع ، ويغشى المواسم والأسواق ،
بقوة إيمانه وصدق يقينه ، وتثبيت المولى عز وجل له، فتصفو نفسه ويخلص قلبه ، ويسرى
عنه ، فيقص له قصص الأنبياء والرسل من قبله قائلا فى محكم التنزيل ( وكلاََ نقص
عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) (هود: 120 ) وقوله ( نحن نقص عليك أحسن
القصص ) ( يوسف : 3) ، وتارة يأمره عز وجل بالصبر، فى قوله ( فاصبر كما صبر أولو
العزم ) ( الأحقاف: 35) ، وفى موضع آخر يبشره بنصره و المؤمنين معه بقوله ( ولقد
سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين۞ إنهم لهم المنصورون۞ وإن جندنا لهم الغالبون ) ( الصافات 173:171) ، وأمره
له بالإقبال على العبادة والإكثار منها فى قوله تعالى ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك
بما يقولون ۞ فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ۞ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ( الحجر 99:97) ، وإخباره
أن ما يحدث له قد حدث للرسل والأنبياء قبله وتأكيد العقاب على الكافرين فى قوله (
ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) ، ومع
كل هذا أيده وثبته أيضاَ ببعض المعجزات كمعجزة إنشقاق القمر ، الذى أنشق امام أعين
قريش إلى نصفين ، أحدهما فوق جبل "أبى قبيس " ، والآخر دونه ، حتى رأوا
حراء بينهما ، فقالوا إن محمداَ قد سحرنا ، وقال قائل: إذا سحركم لن يستطيع أن
يسحر كل الناس ، حتى جاء من كانوا على سفر فسألوهم فقالوا بأنهم رأوا إنشقاق القمر
بأعينهم ، وكأن هذه المعجزة تمهيداََ لمعجزة أكبر وهى معجزة
"الأسراء والمعراج" التى كانت على أصح الأقوال فى 27 رجب سنة عشر
من النبوة فسمى هذا العام "عام الحزن" وذلك لفقد المصطفى ـ صلى الله
عليه وسلم ـ أعزائه ونصيريه زوجته السيدة/ خديجة بنت خويلد ـ رضى الله عنها ـ وعمه
أبو طالب ، وما عاناه بعد ذلك من سفاهه وإيذاء أهل ثقيف بالطائف ، فتوالت الأحزان
عليه، حتى أنه دخل مكة فى جوارـ المطعم بن عدى ـ وكان مشركاَ ، فأكرم المولى عز
وجل المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الرحلة تعظيماَ لشأنه، وتثبيتاَ وتسرية
له، فكانت بداية الرحلة ليلاَ من الحطيم "حجر أسماعيل" فى المسجد الحرام
بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس فصلى فيه ركعتين أم فيهما الأنبياء ، ثم عرج به إلى
السماوات العلا فى صحبة جبريل ـ عليه السلام ـ ثم إلى سدرة المنتهى ، ففرضت عليه
وعلى أمته الصلاة التى هى أعظم وأطهر فريضة فى الإسلام ، والتى أستوجبت كل هذا
الطهر والجلال عند فرضها لعظم شأنها عند المولى عز وجل ، ولتكون معراجاَ يرقى بنا
كلما تدلت بنا الشهوات ، فتطهرنا وتعصمنا أولاَ بأول فلا يستعصى أمرنا بعظم الفساد
بيننا .