السبت 8 يونيو 2024

التحقيق الصحفى فى زمن «السوشيال ميديا»!

29-1-2017 | 10:53

بقلم – مجدى سبلة

لا أدرى لماذا غاب التحقيق الصحفى الجاد عن مطبوعاتنا سواء القومية أو المستقلة أو المعارضة، وإن وجدت فهى تحقيقات سطحية لاتتسم بالعمق والتجسيد والوصف الكامل  للقضية على الأرض وكلها تحقيقات سطحية وتعطى رسائل منقوصة.

وأنا أعرف أن قواعد فن التحقيق تقوم على الفكرة التى تخرج من المشاهدة أو الملاحظة أو التجربة، لأنها القواعد الثلاث ربما هى عناصر ومعاير الرأس الصحفية، وهى التى تمثل مكونات الإبداع لدى المشتغلين فى مهنتنا، وغياب التحقيق يعنى موت هذه العناصر والمقومات وتصبح الرسائل تقليدية باهتة لا تكشف ولاتضىء ولاتنقب للوصول إلى رساله إيجابية ينتظرها المجمتع، ربما لإن التحقيقات الصحفية تنتقل تدريجيا إلى الفضائيات والسوشيال ميديا، ولكن يبقى التحقيق المطبوع هو الرسالة الموثقة التى يحتاجها صانع القرار حول القضية التى يثيرها، وغالبا كان هذا هو دور التحقيق الذى نبحث عنه.

ووسط هذه الرسائل الإعلامية  الثلاث المعروفة الموضوعية والشعبية والإثارة، يبقى قالب التحقيق هو رمانة الميزان للفصل بين هذه الأنواع من الرسائل، لأن المتلقى يحدد نجاح التحقيق بمدى موضوعيته وتوازنه فى سرد الأحداث ونشر الصورة، ونقل الرأى والرأى الآخر واكتمال العناصر البنائية للتحقيق بمصادره المختلفة.

وأتساءل هل اختفاء التحقيق جاء نتيجة حتمية فرضها الجيل الجديد من الصحفيين الذين لايفضلون النزول إلى الشارع والتحاور مع المصادر فى موقع المشكلة التى يبحثها التحقيق.

هل غاب التحقيق نظرا لاتباع رؤساء تحرير المطبوعات القوالب الأسهل الحوار والتقرير والخبر والمقال والقوالب الأقل جهدا، أم أن البعد جاء لغياب القراء الذين يفضلون تقارير الكلمتين ونصف من خلال بيانات واخطارات ترسلها الوزارات والدواوين والمديريات تم بثها للصحف والبوابات، «وكفى الله المؤمنين القتال».

أم أن غياب التحقيق جاء بسبب إحكام التعليمات من جانب المسئولين بعدم التصريح للإعلاميين، وغلق مصادر المعلومات أمامهم فيضطرون لنشر موضوعات سطحية يعتمدون فيها على البيانات التى تخرج من الوزارة أو المديرية لتعبر عما تريد هذه الوزارة أو المديرية فقط بالرغم من تأكيد الدستور على صدور قانون تداول المعلومات ولاتعطى فرصة للصحفى لطرح أى تساؤل حول قضية ما، الأمر الذى يضطر الزملاء اللجوء إلى معلومات من مواقع التواصل الاجتماعى.

 وهنا أؤكد أنه كلما غاب التحقيق الصحفى غابت الحقيقة الكاملة عند المتلقى وعند صانع القرار، وكذلك غابت رقابة هذه المهنة التى كان يعتبرها الدستور سلطة ضمن سلطات المراقبة للدولة، وأيضا غاب كشاف المخالفات والجرائم قبل حدوثها.

الخطير أن غياب التحقيق الصحفى ربما يؤدى إلى أن يعيش المجتمع على أنصاف معلومات لاتأخذ بيده إلى بر السلامة.

غياب التحقيق الصحفى أعطى الفرصة كاملة أمام القوالب الصحفية الأخرى لكى تصدّر فى رسائل إحباط وأخرى سوداء وثالثة رمادية وبعض منها إيجابية.

الجديد فى عالمنا أن الصحافة الورقية رغم تراجعها أمام غول البوابات الإلكترونية، إلا أنها كانت تساعد المصريين على القراءة فى سطور حية وسرد للتفاصيل ودخول إلى العقل الباطن وقراءة الأسباب، وكيفية حلها من خلال أطروحات يتضمنها التحقيق تبدو أمام القارىء كنبض متدفق لأنه يحكى الزمان والمكان والمناسبة ويبقى المحقق راويا كاشفا ناقلا مجسدا.