«بأي الطرق أقتلكم؟».. قصة من مجموعة جئتك بالحب لـ«تيسير النجار»
قاطعني برفع كفه، ابتلعت ما علق بحلقي من حديث، أكيد سيضيف شيئًا.
الكتابة ليست تعويضًا عن الحياة، جئنا إلى الحياة حتى نعيشها لا للكتابة عنها.
ومن لا يستطيع عيشها ماذا يفعل؟
يعيش قدر استطاعته، بأقل الموارد وأصعب الظروف.
مجرد كلام لأنك قادر على الحياة.
صار دفاعي صراخًا ودموع أبت السقوط أو الارتجاع، حاول تهدئة الموقف، أمسك حبال الصمت، أشعل سيجارته نظرت إليه بحزن، قربها من فمي، سحبت بعض الأنفاس، تكور في فمي ولم يخرج من أنفي، حاولت تمريره إلى أنفي لكنه خرج زفيرًا ممزوج بالغضب من فمي، أعاد السيجارة إلى شفتيه بذات الهدوء والصمت، شعرت أنه يطردني بالذوق، حملت حقيبتي وذهبت، أغلق الباب خلفي بعد وَعْدِنا بدوام الاتصال، كان ذلك طقسنا قبل كلمة السلام، ذهبت إلى الكورنيش، وجدت مقعدًا لونه أصفر، أصابه البهتان ناقص القطعة الخشبية التي في المنتصف، ذلك جعله حزينًا ووحيدًا، العجوز ذو الكرش الضخم يجلس على المقعد المجاور، يضع أغراضه بأريحية فلم تكن هناك قطعه ناقصة، المعقد الذي يلي مقعدي جهة اليسار، يجلس عليه شاب وفتاة لم أتبين ملامحهما هل هو يقبلها أم يخبرها بسر تطلَّب التصاقهما بهذا الشكل؟ جلست على المقعد الذي يشبهنني فأنا وحيدة رغم الزحام، أشعر بالنقص وعدم الجدوى، وصلتني ضحكة الفتاة وهي تتملص من ذراعيه، قبل عامين كنت أتهمتُها بالفجور، الآن أحسدها، بائع السجائر بالقرب مني ولن أستطيع شراء علبة ليس السبب فشلي في تدخينها ولا خوفًا على صحتي، لكن كيف أجعل عيون المتربصين بي منفضة؟ هل أنا جبانة؟ أسمعكم تقولون ذلك، عليكم اللعنة جميعًا، لا يحق لأحد محاكمة آخر...
أخرجت مفكرتي التي مزقت من أوراقها أكثر مما كتبت فيها، وضعتها على فخذي الذي يصلح مكتبًا رغم نحافته وقلم الحبر الذي سرقته من صديقي السري، نحن أغلال لغيرنا وغيرنا أغلال لنا، لو تمكن كل إنسان من قتل سبب ضيقه لن يتبقى في الحياة أحد، تُرى مَن المتضررون من وجودي، أي فتاة تشعر أنني أجمل منها أو ظروفي أفضل أم غير ذلك؟ كيف أتخلص من الجميع ؟ خلقت في مفكرتي فتاة جميلة جدًا تماثل مارلين مونرو تسير، كأن قدمَيها لا تلمسان الأرض، لا تمسك طرف فستانها رافعة يديها في فرح بريء، يلاحقها الذكور على جانبي الطريق، لم تسلم من الإناث أيضًا يرمينها بكل ما يشين، فجأة يسقط مقص من معدن لا يصدأ، يحز كل الأعضاء تتلوى في الأرض ثم تفقد انتصابها وتذبل وتموت، يتكوم ذويها فوق بعضهم بلا رحمة، يغوص المقص أيضًا في حلوق الإناث لقطع اللسان المتدلي في وحل الغيبة، ومهتِّكًا معه القصبة الهوائية حتى يسقطن مثل جثث الحيوانات النافقة، لا تذعر الفتاة ولا تعبأ بالدماء المنسكبة تحت قدميها، أزعجها اتساخ حذائها فخلعته واستكملت المسير، وددت لو تركتها لكن تزامن مرورها مع ركض إرهابي، مفخخ بحزام ناسف، احتضنها ليتنزها في جهنم معًا، ذلك أكثر جمالاً لأن هناك بعض البلاطات لم يصلها الدم بعد.