تابعت بشغف ما تيسر لي متابعته من جلسات مؤتمر طنطا الدولي للشعر، وتيقنت أن الشعر والإبداع بشكل عام هو عامل مهم من عوامل تطور المجتمعات وتقدمها، وكما نعلم جميعا أن الحضارات العظيمة لم تقم إلا على العلوم والفنون والآداب، فلا مجال للتطور خارج هذه الحقول الإبداعية، ولذلك نجد التيارات الظلامية والتكفيرية وأعداء الحضارة يقفون ضد هذه الحقول المعرفية والإبداعية ويشيدون جيوشهم من العامة في مواجهتها، وللأسف الشديد هذا ما حدث بالفعل بعد نهاية مهرجان طنطا للشعر، إذا قام أحدهم بترويج فهمه الخاطئ لنصوص قيلت في الليلة الختامية، وبدأ حملة مسعورة للتشهير بقائلي هذه النصوص واستعداء جهات رسمية وشعبية ضد أشخاصهم، لم يناقش ما قيل بل جيش عدد من الاتهامات بالكفر والرزيلة والضلال للأشخاص وليس لأعمالهم، وهذا ينتفي تماما مع كونه أحد الشعراء الذين لهم شطحاتهم الإبداعية، أو كونه كان أحد المشاركين في هذا المؤتمر في دورة سابقة.
تعجبت كثيرا من هذا الفعل وزاد عجبي من تنصيب أحد لنفسه قاضيا وحاكما على ما تخفي الصدور التي لا يعلم ما تخفيه إلا الله، فكيف لشخص أيا كان أن يضع نفسه مكان الله عز وجل!
إن هؤلاء الظلاميون والتكفيريون يعلمون جيدًا أن الأدب والفن وكل أشكال الإبداع تعمل على تطوير عقلية الإنسان وترتقي به وتحدث الوعي الجمعي المنشود الذى يرتقي بالمجتمع وتحول الكثير إلى مثقفين مستنيرين بل منهم مفكرون.
كل ذلك ضد مصالحهم أنه يخلق حالة رفض لهم وتمرد عليهم ولذلك هم يريدون شعبا من الجهلاء أصحاب العقول المغلقة التي تخضع لهم ولسلطتهم ويكونون.
خاضعين لهم ولما يقولونه ولذلك فهم ضد الابداع الذي يقضي على الوعي الزائف الذي ينشرونه ليل نهار مستغلين العاطفة الدينية لدى الجمهور.
ما حدث من ضجة حول نصوص الليلة الختامية لمهرجان طنطا الدولي للشعر ذكرني بمأساة الحلاج والسهروردي وابن المقفع وغيرهم الذين قتلوا من أجل الكلمة، تلك الكلمة التي لم يفهمها منتقديهم أو استغلها أعدائهم للنيل منهم فحينما قال الحلاج: "ما في الجبة إلا الله" فهو يعني أن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء وأنه الحقيقة الوحيدة في هذا الكون وأنه قيوم السماوات والأرض لدرجة أن الذي في الجبة هذا عدم ولا يساوي شيء في وجود الله سبحانه وتعالى فهو كالعدم وبقاؤه إنما هو بالله، فما في الجبة إلا قدرة الله على إبقائه وإرادة الله على إبقاء هذا الجسد.
ولكن أعداء الحلاج اتهموه بالكفر وقتلوه، لمصالحهم الشخصية وباسم الدفاع عن الله، وهكذا يقوم هؤلاء المتجيشون من الجهلة والتكفيريون لمحاولة قتل جديدة باسم الله، لكن هيهات أن تحدث فقد تغير العالم وتغير وعي الجمهور وزاد عدد المنتمين للحلاج والسهروردي وابن عربي وغيرهم أضعافا مضاعفة، صار هناك قانون يحتكم إليه الجميع ولن تعد مرة أخرى دولة الفقيه التي يتمنون إقامتها.