الخميس 20 يونيو 2024

دستور المصور

8-11-2020 | 21:20

فى شهر ديسمبر عام 1920 تقدم إميل وشكرى زيدان إلى إدارة المطبوعات بطلب تقديم لإصدار صحيفة أو نشرية دورية تحت اسم صحيفة "الدنيا"، وصدر بالفعل قرار الترخيص فى عام 1921، لكن هذه الصحيفة لم تصدر.. ثم قام إميل وشكرى زيدان بطلب آخر جديد لإصدار مجلة فكاهية مصورة بعنوان "المصور".. وحصلا بالفعل على الترخيص فى العام التالى (1922)، لكن المجلة صدرت بالفعل فى 24 أكتوبر عام 1924 كمجلة أسبوعية متنوعة وليست فكاهية فقط، حيث تضمنت قسمين رئيسيين الأول يتناول الأحداث الجارية والقضايا السياسية، التى تشغل الرأى العام، والثانى أدبى فكاهى وترفيهى.

وبعد أربعة أعوام وتحديدًا فى أبريل عام 1928 تحولت لمجلة سياسية بعد موافقة إدارة المطبوعات بوزارة الداخلية، تهتم بشكل أقوى بالقضايا والأمور السياسية وتخوض حملات ضد الاحتلال البريطانى، الذى كان يجثم على صدر مصر.. غير أنها ظلت أيضًا تهتم بجانب السياسة بالقضايا والمشاكل الاجتماعية والأمور الثقافية والأدبية وأيضًا الفنية.

وفى أوائل عام 1930 تم تغيير قطع صفحات المصور لتصبح 27×42 بدلًا من القطع السابق، الذى صدرت به وهو 24×32، مع استخدام اللون الغامق فى كل صفحات المجلة، التى اقتصرت فى أعدادها الأولى على 16 صفحة فقط.. وبحلول عام 1948 بدأت المجلة فى استخدام أربعة ألوان أساسية فى طباعة غلافها.. أما صفحات المجلة، التى اقتصرت فى البداية على 16 صفحة، فقد أخذت فى الزيادة منذ السنة الثامنة، التى تضاعف فيها عدد الصفحات.

ومنذ صدورها حتى الآن تولى رئاسة تحرير مجلة المصور 15 رئيس تحرير أغلبهم منفردون، وبعضهم مشتركون مع آخر مثلما حدث عندما تولى كل من الأستاذين أحمد بهاء الدين وفكرى أباظة رئاسة التحرير (64-71)، وأيضًا عندما تولى كل من الأستاذين فكرى أباظة وصالح جودت رئاسة التحرير(73-1977)، والأستاذين مرسى الشافعى وصبرى أبو المجد (1976-1977)، والأستاذين أمينة السعيد وصبرى أبو المجد (77-1981).. أما أول من تولى رئاسة تحرير المصور فقد كان الثنائى إميل وشكرى زيدان أصحاب دار الهلال ومؤسسيها، وهكذا على مدى كل هذه السنوات الطويلة تعرضت المصور لتغييرات عديدة ومتنوعة بدءًا بالشكل (عدد الصفحات والقطع والألوان)، وامتدت للموضوع أيضًا، حيث بدأت كمجلة غير سياسية تتناول الشأن العام والأحداث الجارية بحذر، وتحولت إلى مجلة سياسية قوية مؤثرة ليس فى مصر وحدها وإنما فى محيطها العربى كله.. كما أن الذين تولوا رئاسة تحريرها تركوا بصماتهم عليها وعلى اهتماماتها الصحفية كل حسب شخصيته وأفكاره ورؤاه، وأيضًا انتماؤه السياسى وإنجازاته الاجتماعية، ومع ذلك فقد انتهجت المصور منذ صدور عددها الأول وطوال كل هذه السنوات، التى مضت حتى الآن على دستور صحفى خاص بها سنته وأعدته لنفسها وظلت تلتزم به.

وجوهر هذا الدستور يمزج أو يجمع ما بين السبق الصحفى والحرص على المصداقية.. فهى باعتبارها الوليد الثانى لدار الهلال بعد مجلة الهلال، كانت تعى أن هذه الدار أقيمت لتكون مدرسة للتنوير فى مصر، بل وفى العالم العربى، وتعى أن مهمتها صناعة العقول وزرع الحب فى القلوب، ونشر التنوير، والانتصار لكل القيم الجميلة الصحيحة والإيجابية.. قيم الحق والخير والجمال والإخاء والمساواة والتسامح، والتى أفرخت لنا قيم المواطنة والعيش المشترك واحترام الآخر.

ولأنها ابنة وفية لهذه الدار العريقة أو لمدرسة التنوير هذه أخذت مجلة المصور منذ صدورها على أن تضطلع بدورها ومهمتها في عملية التنوير ونشر القيم الإيجابية فى البلاد، بل وكل أرجاء منطقتنا العربية.. ولذلك اجتذبت كل من يؤمنون بها ويدافعون عنها، وفى ذات الوقت انسجمت صفحاتها لهم، بل وسمحت لتقديم العديد من الشخصيات الفكرية والثقافية والأدبية لقرائها، وأسهمت فى رعايتهم حتى صار لهم مكانة فكرية وثقافية فى المجتمع.. كما خاضت المجلة طوال عمرها المديد العديد والعديد من الحملات الصحفية الناجحة، التى جعلت منها نموذجًا يحتذى فى بلاط صاحبة الجلالة، وذاع صيتها بأنها فى ظل الحرص على تقديم الجديد وتحقيق السبق وإحراز الانفرادات الصحفية، لا تفرط فى مصداقيتها وتمسك بها بشدة وتعض عليها بالنواجذ.. وهذه المصداقية هى التى جعلت منها نموذجًا صحفيًا يحتذى فى بلاط صاحبة الجلالة، وحفظ لها احترامًا واسعًا بين قراء الصحف والمجلات فى مصر، وجعلها تقدم أسماء صحفية لامعة.

لقد حرصت المصور دائمًا على ألا تخدع قارئها أو تضلله أو تكذب عليه، رغم التغييرات السياسية والاجتماعية، التى شهدتها البلاد، وأيضًا رغم شدة الظروف أحيانًا التى عاشت فيها المجلة على مدى فترات متلاحقة.. وحتى عندما كانت المجلة تقع فى خطأ سرعان ما كانت تتداركه وتعود لتصحح مسارها من جديد مرة أخرى، لتمضى فى طريق احترام القارئ والحرص على تقديم الحقيقة له سليمة غير مشوهة أو منقوصة، لأن الحقيقة المشوهة كذب، مثلها كالحقيقة المنقوصة أو الناقصة.

وهكذا.. لم تحتل المصور مكانة كبيرة، وخاصة داخل دار الهلال وحدها، حيث صارت هى الإصدار الرئيسى والأساسى لهذه الدار، وهى التى أعدت أعدادها الأولى من بدروم فى المبنى القديم لدر الهلال لمكان زاحم فيه المحررون والصحفيون الورق، الذى كان مخزنًا فيه، وإنما احتلت المصور مكانة كبيرة وخاصة بين الصحافة المصرية أولًا ثم العربية ثانيًا.. فقد كانت المصور هى أول مطبوعة صحفية مصرية، بل وعربية تهتم بالصورة منذ العدد الأول لها، ولذلك تعتبر المصور التى كان اسمها موفقًا جدًا سجلًا مصورًا وافيًا وشاملًا لمصر الحديثة أو سجلًا لتاريخها الحديث.. ولأن المصور اهتمت بمحيطنا العربى فقد اجتذبت اهتمام القراء العرب أيضًا، خاصة بعد أن انتهجت نهج إصدار أعداد خاصة للعرب وقضاياهم بهذا الدستور، الذى سنته لنفسها مجلة المصور، كونت مكانتها ونالت الاحترام بين الصحفيين والقراء خاصة من المثقفين والمفكرين والسياسيين وصناع الرأى العام.

فهو دستور احترم القارئ ورفض أن يخدعه أو يغرر به أو يخفى عنه الحقيقة أو يقدمها له ناقصة وغير مكتملة أو مشوهة.. ولذلك صنعت مصداقية واسعة لم تفرط فيها حتى فى أصعب الظروف وأشدها.

وهو أيضًا دستور صاغ له مهمة الإسهام فى عملية تنوير المجتمع ونشر القيم الإيجابية وحمايته من التطرف الدينى، الذى صنع لنا وحوشا آدمية انطلقت بيننا تقتل وتدمر وتخرب وتفجر وتحرق، ولذلك حظيت المصور باحترام واسع داخل وخارج مصر أيضًا.

وهو كذلك دستور صنع منها معهدًا كبيرًا للتدريب الصحفى فخرجت أجيالًا بعد أجيال من الصحفيين النابهين، الذين تحولوا إلى نجوم كبار تتلألأ فى سماء الصحافة المصرية.

دستور المصور وتمسكها به طوال هذه السنوات الطويلة هو سر نجاحها وتألقها وسبب ما تحظى به من احترام.