فى مشهد بمليون كلمة جاء التوافد من أبناء
شمال سيناء أمام لجان الانتخابات البرلمانية ليؤكد بشكل عملى عودة الأمن
والاستقرار الكامل لتلك المحافظة بعد سنوات من مواجهة الإرهاب ومكافحة التنظيمات
التكفيرية. الوصول إلى هذا المشهد الانتخابى الذى يعكس حالة السيطرة الأمنية فى
شمال سيناء، وسبقها بأيام قليلة مشهد افتتاح جامعات جديدة ومشروعات قومية كبرى فى
سيناء لم يكن ليحدث لولا نجاح الدولة فى تحقيق استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب
فى سيناء، جزء رئيسى منها تحمّله رجال القوات المسلحة والشرطة بتضحيات غالية
وإصرار على استئصال الإرهاب، وجزء آخر كان خلال خطة البناء والتنمية المستمرة على
الأرض والتى قادها الرئيس السيسى من خلال إقامة مشروعات كبرى وفتح الباب لكافة
أنواع الاستثمار لخلق فرص العمل لشباب سيناء وجعلها جاذبة للسكان.
جاء المشهد الانتخابى فى سيناء ليترجم كل هذا النجاح
للدولة فى مكافحة الإرهاب، والذى تلخصه الأرقام التى تؤكد انحسار العمليات
الإرهابية من أكثر من ألف عملية إرهابية خلال عام 2017 إلى عدد لا يتجاوز أصابع
اليد الواحدة هذا العام.
خبراء الأمن يرصدون كيف كان الطريق إلى هذا المشهد
الحضارى وكيف نجح رجال الجيش والأمن فى تمهيد الأرض لهذه الصورة خلال سبع سنوات من
العمل الجاد.
اللواء فؤاد علام، نائب رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق
وعضو المجلس القومى لمكافحة الإرهاب، أكد أن الضربات القوية التى وجهتها القوات
المسلحة من خلال العملية الشاملة بسيناء والضربات الاستباقية التى وجهتها الداخلية
والشرطة للتنظيمات والخلايا الإرهابية خلال السنوات الماضية أدت إلى انكماش
التنظيمات الإرهابية وانحسارها خلال الفترة الأخيرة فقد تم تفكيك الغالبية العظمى
منها، بعد أن تم تدمير الإمكانيات المادية للإرهابيين من وقف تمويل الأسلحة
والمتفجرات والذخيرة وقطع وسائل الاتصال والمواصلات ووسائل الإعاشة، وكذلك السيطرة
على أماكن الاختباء وأيضا والأهم النجاح الكبير للعنصر البشرى فى رصد تحركات
العناصر الإرهابية ورصد مخططاتهم التخريبية.
فقد ضعفت الإمكانيات للتنظيمات الإرهابية بعدما تم تجفيف
منابع التمويل وهذا كان له الأثر الكبير على توقف العمليات الإرهابية، وعودة
الاستقرار والأمان والوصول إلى مشهد الانتخابات الحالى، ومشروعات التنمية التى تتم
كل يوم على أرض سيناء صحيح أنه لو توفر التمويل والإمكانيات سوف يعود الإرهاب، لكن
الأجهزة المصرية اتخذت كل الاجراءات لمنع عودتها مجدداً.
وشدد علام على ضرورة معالجة الأسباب الرئيسية للإرهاب
والتى مازالت موجودة من خلال استراتيجية ودراسة تقودها الدولة وتشترك فيها جميع
الوزارات والمؤسسات لمواجهة أسباب الإرهاب وألا تكون هناك إمكانية لعودة تشكيل
التنظيمات الإرهابية وعودة العمليات الإرهابية من جديد لأنه مازال هناك تنظيمات
إرهابية مفككة تحاول إعادة التنظيم مرة أخرى للحياة وتحاول استغلال أى فرصة خاصة
أنه رغم النجاح الأمنى فى حصار الإرهاب، إلا أن هناك بعض أوجه القصور الأخرى سواء
على المستوى الثقافى أو الدينى أو الفكرى ولم تتم معالجة أسبابها حتى الآن.
اللواء محسن الفحام، مساعد وزير الداخلية الأسبق
والمحاضر بأكاديمية الشرطة يؤكد أنه رغم الاستقرار والسيطرة الأمنية والتراجع
والانهيار للتنظيمات الإرهابية، إلا أنه يخطئ من يعتقد أن الإرهاب قد وصل إلى
مرحلة من الانحسار بالشكل الذى يمكن أن نتجاهله أو نتساهل فى تتبعه ومواجهته
فمازال هناك مشروع شرير وممنهج لاستدراج مصر إلى صراعات مدمرة تستنزف قدراتها
وتعطل الجهود المتسارعة للإصلاح الشامل الذى يتبناه الرئيس عبدالفتاح السيسى لكى
تكون مصر القوية تحارب الفقر والمرض بيد وتحارب الإرهاب باليد الأخرى.
ومازالت الجماعة الإرهابية تحاول استهداف مصر فى الداخل
والخارج عن طريق الخلايا النائمة لها والتى تبحث عن أى دور لها أو منفذ للعودة إلى
الظهور للمشهد السياسى مرة أخرى وهؤلاء يسعون دائمًا إلى استمرار حالة الفوضى
والتوتر فى البلاد لأنه يمثل المناخ الأمثل لاستمرار الإرهاب وخلق الصراعات والفتن
والشائعات داخل الدولة المصرية.
وبطبيعة الحال فإن الإرهاب لم يعد مقصورًا على مصر فقط،
بل إنه امتد إلى العديد من دول العالم خاصة الدول العربية على خلفية ما سمى بثورات
الربيع العربى أو ثورات الفوضى الخلاقة وهو الأمر الذى ترتب عليه سقوط الآلاف من
الضحايا نتيجة الأعمال الإرهابية التى تقودها تلك التنظيمات التى خرجت من عباءة
جماعة الإخوان الإرهابية.
يأتى هذا أيضًا بجانب أن هناك العديد من تلك العمليات
يقوم بها بعض المتشددين من اليمين المتعصب فى بعض الدول الأوربية والتى راح ضحيتها
أيضا العديد من الأبرياء سواء من أبناء تلك الدول أو من غيرهم.
وكشف الفحام أن تلك المؤامرات التى تتبناها هذه الجماعة
الإرهابية لا تزال مستمرة وإن اختلفت الوسائل والأساليب، إلا أن نجاح الأجهزة
الأمنية فى القضاء على قيادات الصف الأول والثانى منها قد أحدث شللًا فى تحركاتها
وتأثيرها بشكل كبير.
وبحسب بعض الدراسات التى قامت برصد وتتبع خطى الإرهاب من
عام 2011 إلى 2019 وجدنا أنه كان هناك تصاعد كبير فى العمليات الإرهابية بدأت بنحو
34 عملية فى 2011 حتى وصلت إلى أعلى رقم لها خلال الفترة من 2014 وحتى 2017 حيث
بلغت نحو 1003 عملية إرهابية كان أبرزها استهداف النائب العام الراحل الشهيد هشام
بركات، وكذا بعض القيادات التنفيدية والأمنية والشخصيات العامة إلى أن بدأت تلك
العمليات فى الانحسار مع بدايات عام 2018 حيث وصل عددها لنحو 16 عملية وهذا العام
انخفض العدد إلى عدد محدود جداً.
وكشف اللواء محسن الفحام أن أهم الأسباب التى أدت إلى
تراجع العمليات الإرهابية هو الانهيار الكبير فى بنية التنظيمات والجماعات
الإرهابية وعدم قدرة العناصر المتطرفة على تنفيذ عمليات إرهابية جديدة، والانحسار
شبه الكامل لدور تنظيم حسم وكذلك لواء الثورة نتيجة تراجع حركة الجناح المسلح داخل
الجماعة عقب مقتل المسؤول عنه الإخوانى محمد كمال، ونجاح الضربات الاستباقية التى
قامت بها القوات المسلحة والداخلية والتى استهدفت العناصر الإرهابية من تنظيم بيت
المقدس الإرهابى فى سيناء.
اللواء دكتور أحمد جاد منصور، مساعد وزير الداخلية رئيس
أكاديمية الشرطة الأسبق يرى أن مصر قد أحرزت فى السنوات الأخيرة نجاحات غير مسبوقة
فى مكافحة الإرهاب بفضل أبنائها خير أجناد الأرض من رجالات القوات المسلحة الباسلة
وجهاز الشرطة الوفى المؤتمن على حماية أمن الوطن والمواطنين.
وأكد أن الإرهاب ظاهرة عالمية لم تقتصر على بلدان بعينها
وينبغى على المجتمع الدولى كله أن يتكاتف للقضاء على هذا الإرهاب الأسود، وأن مصر
تقوم من جانبها بمواجهة حاسمة للإرهاب والقضاء على الإرهابيين وهو ما نجحت فيه
بالفعل، وذلك فى إطار الشرعية الدستورية والقانونية.
وأضاف اللواء أحمد جاد أنه مما ساهم فى القضاء على
الإرهاب بجانب جهود رجال القوات المسلحة والشرطة المصرية قانون مكافحة الإرهاب بكل
مواده، بعد أن تطورت العمليات الإرهابية وأصبح قانون العقوبات المصرى قاصرا وغير
كاف لمواجهة الإرهاب الأسود الخطير بكل وسائله غير التقليدية التى يلجأ إليها فى
ارتكاب جرائمه التى تودى بأرواح الأبرياء الذين يدافعون عن وطنهم بكل فداء وتضحية
لإقرار الأمن والاستقرار بالبلاد.
وكشف الدكتور أحمد جاد منصور أنه يوجد عدد من الإرهابيين
بالخارج ويأويهم عدد من الدول الداعمة للإرهاب وهنا يتضح على المستوى الدولى عدم
كفاية الجهود المبذولة لمكافحة الجرائم الإرهابية التى أصبحت أشد الجرائم خطورة
بسبب دعم عدد من الدول والتنظيمات الدولية لمرتكبيها، وأصبحت تأوى أعضاء وقيادات
الجماعات والتنظيمات الإرهابية التى ارتكبت جرائم فى دولها وهربت إليها تحت ادعاء
حقوق الإنسان واللجوء السياسى، وأصبح المجتمع الدولى يعانى الازدواجية والكيل
بمكيالين وعدم الشفافية، وأصبحت القرارات تصدر لأهداف سياسية واقتصادية وأكد جاد
أن الأجهزة الأمنية رغم ما حققته من نجاح فى القضاء على الإرهاب، لكنها مازالت
يقظة وتواصل ضرباتها الاستباقية بنجاح لقطع أذرع الإرهاب وخلاياه فى أى مكان.