السبت 4 مايو 2024

تزوير الكتب ورقيًّا بين فهم القوانين وتطبيقها

فن11-11-2020 | 21:30

بقلم أدهم العبودي


منذ سنوات، والناشرون يقاومون تزوير إصداراتهم من الكتب المتنوعة، ويشكون إلى الجهات المنوط بها مواجهة أعمال التزوير وتقليد الكتب، بسبب الضرر الناشئ عن اقتراف مثل هذه الجرائم، التي تُعَدُّ تخريبًا مُتعمّدًا لعجلة الاقتصاد القائم على نشر وطباعة وتوزيع الكتب في مصر، وتصديرها أو استيرادها من الدول العربية والأجنبية المختلفة، وإليها. وقد اجتمع اتحاد الناشرين المصريين واتحاد الناشرين العرب - مرات ومرات - لمناقشة هذه الجرائم ومحاولة طرح حلول لإنهائها، بلا جدوى، في الوقت الذي يمكن فيه ببساطة النظر إلى المواد العقابية التي اشتمل عليها وضمنها "قانون العقوبات المصري" بخصوص جرائم التزوير.


نصت المادة "206" من قانون العقوبات المصري على أنْ: "يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن كل من قلد أو زَوَّرَ شيئًا من الأشياء الآتية، سواء بنفسه أو بواسطة غيره، وكذا كل من استعمل هذه الأشياء، أو أدخلها في البلاد المصرية، مع علمه بتقليدها أو بتزويرها، وهذه الأشياء هي: أمر جمهوري، أو قانون، أو مرسوم، أو قرار صادر من الحكومة، أو خاتم الدولة، أو إمضاء رئيس الجمهورية أو ختمه، وكذلك أختام أو تمغات أو علامات إحدى المصالح أو إحدى جهات الحكومة، أو ختم أو إمضاء أو علامة أحد موظفي الحكومة، وأيضًا أوراق مرتبات أو بونات أو سراكي أو سندات أخرى صادرة من خزينة الحكومة أو فروعها، وتمغات الذهب أو الفضة".


في سبيل تطبيق هذه المادة - على سبيل المثال - يمكن أن نعتبر الهيئة المصرية العامة للكتاب أو دار الكتب والوثائق القومية أحد الجهات التي أشارت إليها المادة السابقة، فهي الجهة الحكومية التي تختص بمنح جميع الكتب الصادرة في مصر، وعن طريقها، ما يُسمى "أرقام إيداع" لهذه الكتب، إضافةً لما يُسمى بـ"الترقيم الدولي" لهذه الكتب، وهو ما يقوم المزورون بنسخِه وتقليده وتزويره، ثم التعامل بهذا المحرر المزوّر دوليًّا، عن طريق تصدير الكتب إلى الخارج.


وفي المادة "206" مكرّر من قانون العقوبات: "يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنين على الجرائم الواردة في المادة السابقة إذا كان محلها أختامًا أو تمغات أو علامات لإحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المُنشأة طبقًا للأوضاع المقررة قانونًا أو إحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانونًا ذات نفع عام، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنين إذا كانت الأختام أو التمغات أو العلامات التي وقعت بشأنها إحدى الجرائم المُبَيَّنَة في الفقرة السابقة خاصةً بمؤسسة أو شركة أو جمعية أو منظمة أو مُنشأة، إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيبٍ ما، بأية صفة كانت".


هذه المادة يمكن تطبيقها على كل دور النشر، سواءً كانت عضوًا في اتحاد الناشرين المصريين أو اتحاد الناشرين العرب من عدمه، لأنها تُعتبر شركات ومؤسسات مشمولة من المادة السابقة، لا يتطلب الأمر أكثر من شكوى رسمية، وفهم للقانون، والتعامل من خلال هاتيْن المادتيْن، والمواد الأخرى اللاحقة، لمواجهة جرائم التزوير الورقية بكل أنواعها.


كذلك تنص المادة "207" على أن: "يُعاقب بالحبس كل من استحصل بغير حق على أختام أو تمغات أو علامات حقيقية لإحدى المصالح الحكومية أو إحدى جهات الإدارة العمومية أو إحدى الهيئات المُبَيَّنَة في المادة السابقة، واستعملها استعمالًا ضارًّا بمصلحة عامة أو خاصة".


وتنص المادة "208" على أن: "يُعاقب بالحبس كل من قلد ختمًا أو تمغة أو علامة لإحدى الجهات أيًّا كانت، أو الشركات المأذونة من قبل الحكومة أو أحد البيانات التجارية، وكذا من استعمل شيئًا من الأشياء المذكورة مع علمه بتقليدها".


وتنص المادة "209" على أنّ: "كل من استحصل بغير حق على الأختام أو التمغات أو النياشين الحقيقية المُعَدَّة لأحد الأنواع السالف ذكرها، واستعملها استعمالًا مُضِرًّا بأي مصلحة عمومية أو شركة تجارية أو أي إدارة من إدارات الأهالي، يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين".


ومفهوم طبعًا أن كل شركة من الشركات - التي تضمنتها المادة "206" مكرر - لها علامة تجارية، أو "لوجو"، وهو الذي أشارت إليه المواد الثلاث السابقة من قانون العقوبات المصري.


الغريب أن جميع دور النشر والشركات الخاصة بطباعة الكتب ونشرها وتوزيعها وتسويقها وَرَقِيًّا تُنَوِّهُ داخل الصفحة الخاصة بالترويسة داخل الكتاب عن "النَّسْخ والاقتباس والتزوير". هذا التنويه يتم بشكل جدّي وقانوني، لكن لا يُعمل بهذا التنويه. بمعنى أدق، تشعر وأنت تقرأ الديباجة الخاصة بالتنويه أنها مجرد ديباجة تنقلها شركة نشر عن شركة أخرى وهكذا، دون فهمها، ودون العمل بها، ودون فهم القوانين التي تحكم هذه الجرائم حال حدوثها، وتُعَاقِب عليها عقوبات رادعة.


وبالنظر إلى المواد من "210" وحتى "215" من قانون العقوبات بخصوص جرائم التزوير، نجد عقوبات متنوعة لكل من قام ومن ساعد ومن اشترك ومن روّج في مثل هذه الجرائم. إذن لو قبضت على بائع متجول متلبسًا حال قيامه ببيع كتاب من دار النشر الخاصة بك، وحررت فيه محضرًا، سيُعاقب لكونه يروّج لسلعة مزوّرة، ويستعملها استعمالًا غير قانوني. ولو حررت محضرًا في بائع الرصيف الذي يبيع الكتب المزوّرة سيُعاقب. ولو حررت محضرًا في المطبعة التي تطبع الكتب دون إذنٍ فسيُعاقب صاحبها لأنه اشترك في تزوير محرر رسمي وشروعه في ترويجه وبيعه، إلى آخر الأمثلة التي يمكن تطبيق المواد السابقة من قانون العقوبات عليها.


لكنْ أصحاب شركات النشر درَجُوا على إطلاق اسم "كتب مضروبة" على الكتب المزوّرة، وعجزوا عن اللجوء إلى القوانين – العديدة - التي تعاقب على جريمة التزوير، لذا من الأصلح دومًا الاستعانة بأهل الخبرة من المحامين والحقوقيين لمجابهة جرائم التزوير ومحاربتها قانونيًّا، وعدم التواني عن تحرير محاضر أمام الجهات المختصة، سواء كانت أقسام الشرطة أو النيابات العمومية. ومع الوقت، ومع تطبيق القوانين، سيحدث عنصر الترهيب الكافي لكي يتوقف المزوّرون عن "ضرب" الكتب وبيعها والإضرار بأصحاب شركات دور النشر، وهذه مهمة من مهمات اتحاد الناشرين المصريين، وهي إعادة النظر في تكليف لجان تتفرَّغ لتَتَبُّع حالات تزوير الكتب في الأماكن المختلفة، ورصدها، وكتابة تقارير وافية بنماذج من الكتب التي تم تزويرها، ثم الاستعانة بما تم التحفُّظ عليه من كتب – كأحراز- تُثبت قيام المزوّرين بتقليد ونسخ وتزوير هذه الكتب، وفق المواد القانونية السابقة، وما أكثرها!.  


نشر المقال بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 48 - سبتمبر 2020