فى البداية لم أشعر بأى اندهاش من
الترحيب الإخواني المبالغ فيه بوصول جو بايدن إلى البيت الأبيض وتولى رئاسة
الولايات المتحدة الأمريكية، والرهان عليه مبكرا حتى قبل انطلاق السباق الانتخابي
في دعمها ضد الشعوب العربية وخصوصا المصريين بعدما لفظتها وعزلتها عدة عواصم عربية
شعبيا وسياسيا، لأن تلك الجماعة الإرهابية لها تاريخ طويل، ومتعدد المراحل، وكثير
المحطات في جريمة الاستقواء بالخارج على مختلف ألوان وأشكال القوي الأجنبية،
وبالطبع منها الأمريكان لتوفير الحماية، وصد سيناريوهات التخلص من مشروعها المعادي
للوطن وناسه ومؤسساته بوصاية خارجية مهما كان الثمن، وبأى وسيلة، فهذا التنظيم
تجسيد واضح لمبدأ ميكافيلي «الغاية تبرر الوسيلة»، من تنفيذ الأجندات المسمومة
المضادة للبلد، وحتى قيادة مؤامرة تفكيكه لو لزم الأمر طالما مصلحة الجماعة تحكم،
ولا استغراب في هذا المسلك القذر، ولا تهويل من مستواه، لأنها ضبطت متلبسة به مرات
عديدة، وفى مواقف مديدة، وكله موثق بالأدلة والمستندات فضلا عن الصوت والصورة والأمثلة
تعصى على الحصر.
لكن يكفي أن أنعش ذاكرة حضراتكم بمقولة المرشد الأسبق
للإرهابية«مهدى عاكف» «طز في مصر»، وحتى عندما فتح له بعض صبيان الجماعة في
الإعلام أبواب التراجع والهروب أصر على موقفه بغباء وعنجهية فكرر الكلمة البذيئة
المرة تلو المرة وكأنها تطرب آذان كوادر وقواعد جماعته البغيضة.
لكن في ظنى - وليس كل الظن أثما - أن التنظيم الدولي
للإخوان وكوادر الجماعة الهاربين في تركيا وقطر وغيرهما وما يمتلكون من أذرع
ومنصات إعلامية يعيشون في وهم كبير، أشبه بالسيدة التي يراودها حلم الأمومة بعد
فوات الأوان، ودخولها مرحلة الشيخوخة، فيصور لها عقلها الباطن أن الأمر مازال
ممكنا، وأن ما ضاع وانتهى يمكن العودة إليه، رغم أنه بالعلم والتجربة لن يعود
الماضى، وعلى رأى الست أم كلثوم «قول للزمان ارجع يا زمان»، وهذا يجعلني على يقين
أن حلم الإخوان سيتحول إلى كابوس عندما يفيقون من سكرتهم الكاذبة على إدراك أن
إدارة الرئيس بايدن ليست كسابقتها وقت الرئيس الأسبق أوباما حتى لو كان الأمل
الإخوانى معقودا على أن بايدن كان نائبا للرئيس خلال تلك الإدارة، ويرجع هذا الأمر
إلى عدة عوامل أولها أن بايدن كان هو الوحيد من فريق أوباما الذي عارض بشدة تأجيج
نار أحداث الربيع العربي في مصر 2011، لأنه سياسي مخضرم وكان يعلم أن العواقب
ستكون وخيمة في حال وصول التيارات المتطرفة للحكم في العواصم العربية وعلى رأسها
مصر، أما العامل الثاني فهو تغير الظروف الإقليمية والدولية عما كانت عليه، فكافة
الدول الغربية اكتوت بجحيم التنظيمات الإرهابية في عقر دارها، وأصبحت على يقين أن
دعم جماعة الإخوان التي هي أصل كل الكيانات المتشددة سيزيد الطين بلة، ويجعلها
تدفع ثمنا باهظا من أمنها واستقرارها، وما حدث من تجميع الإرهابيين والقتلة الأجانب
في سوريا وليبيا على سبيل المثال ثم عودتهم لبلادهم ليس خفيا على أحد، ويأتى في
صدارة أسباب إعادة التفكير من إدارة بايدن حول دعم جماعة الإخوان الإرهابية ألف
مرة، تحول مصر إلى دولة قوية ومؤثرة إقليميا ودوليا إلى جانب ما حقتته من نجاحات
تنموية في جميع المجالات تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال السنوات الست
الأخيرة، متسلحا بالالتفاف الشعبي حوله، ووعى المصريين الذي أفسد مؤامرات متتالية،
ومخططات متتابعة لشق الصف الوطنى أو إحداث فتنة بين الشعب وقيادته السياسية،
وبالتالي من المستحيل أن تستثمر إدارة بايدن من جديد في تنظيمات الإسلام السياسي
عموما بالمنطقة العربية، وفى مقدمتها تنظيم الإخوان الإرهابي المعزول شعبيا، بعد
القضاء على مشروعهم وأجندتهم المعادية لفكرة الدولة الوطنية.
وفى الوقت نفسه لا أعتقد كغيري من المتابعين للمشهد
الأمريكي أن تغير اسم أو شخصية الرئيس الأمريكي كفيلة بتنكر أي إدارة أمريكية
لموقفها وسياساتها من التنظيمات الإرهابية المحسوبة على جماعة الإخوان مهما كان
حجم اختلاف الرؤية بين الحزبين الديمقراطي والجمهورى، صحيح أن التنظيم الدولي لتلك
الجماعة لعب كثيرا على أفكار الحزب الديمقراطى، ووظفها في بعض الأحيان لاختراق
المجتمع الأمريكي من بوابة حرية الرأى والتعبير، وترويج شعار «المظلومية» الذي
تتقنه الجماعة جيدا، لكن شتان ما بين دعم جماعة سلمية سابقا، وبين دعم جماعة
إرهابية حاليا باعتراف واشنطن نفسها عندما تأكدت مؤسساتها من أدلة الإدانة، ففي
عام 2018وضعت بعض الأذرع المسلحة لتنظيم الإخوان الإرهابي مثل «لواء الثورة»
و»حركة حسم» على قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يقطع الشك باليقين أن صناع
القرار في بلاد العم سام مدركون خطورة هذه الجماعة بفروعها المختلفة والممتدة
كأذرع الأخطبوط في عدة عواصم شرقية وغربية، ولا يتوقف الخطر على مصر فقط، ولن يغير
فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية من الموقف شيئا، وحتى لو دبرت
وتآمرت شلة المنتفعين من تمويل الإخوان في الدوائر الأمريكية المؤثرة أو المؤلفة
قلوبهم إخوانيا سيجدون آخرين يرفعون في وجوههم السجل الأسود لإرهاب الجماعة.
وبالطبع عند الحديث عن هوامش تحركات إدارة بايدن فيما
يتعلق بالعلاقة مع القاهرة مهما كانت انحيازاته بغض النظر عن مخططات الإخوان أو
غيرهم من الحاقدين على إنجازات المصريين في هذه المرحلة، لا يمكن إغفال محددات
وثوابت السياسة الخارجية المصرية في تعاملاتها مع القوى الدولية الكبرى وعواصمها
من واشنطن إلى موسكو وبكين مرورا بالاتحاد الأوربى، خاصة مع استراتيجية إدارة
الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الـ 6 سنوات الماضية التي عمقت فيها مصر علاقاتها
مع كل القوى الكبرى وليس قوة واحدة فقط، إلى جانب أن العلاقات المصرية الأمريكية
مهمة على جميع المستويات باعتبار أن مصر دولة محورية، وعلاقات الدولتين قوية
اقتصاديا وتجاريا وعسكريا ودبلوماسيا، وأمنيا، واستخباراتيا، ومن غير المنطقى أن
يتوهم البعض حدوث تأثر سلبي بشكل جذري لتلك العلاقات المتشابكة مع وجود إدارة
جمهورية أو ديمقراطية، وأقصى ما قد حدث ويمكن أن يحدث أن يرتفع مستواها ويهبط وفقا
لبعض المتغيرات الطارئة لكن تظل العاصمتان حريصتين على بقائها وتماسكها، ومن
المعلوم بالضرورة أن واشنطن تعتبر مصر شريكا استراتيجيا في تحقيق الأمن والاستقرار
في الشرق الأوسط كله.
وفى الختام لدىّ قناعة بأن التصعيد الإخواني في ملف
تعامل بايدن مع قضايا المنطقة، وتوجيه الاتهامات الجوفاء للدول العربية وأنظمتها،
الهدف منه إبعاد الأنظار عن نوايا ومواقف الإدارة الأمريكية الجديدة المناهضة
للنظام التركي حليف التنظيم الدولي للإخوان، وراعي منصاتهم الإعلامية العميلة،
ومدبر المأوي للهاربين منهم، ويحضرني هنا ما قاله بالصوت والصورة جو بايدن ضد
أردوغان أثناء حواره نهاية 2019 مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بالحرف الواحد
«سأعمل مع المعارضة التركية لإسقاط أردوغان»، ويرجع هذا الموقف المعلن من بايدن
إلى جرائم أردوغان المتواصلة داخليا ضد حقوق الإنسان وقمع الأكراد وكل معارضى
سياساته الفاشلة سياسيا واقتصاديا إلى جانب بلطجته الخارجية في منطقة شرق المتوسط،
وتورطه في التوتر بين أنقرة وقبرص واليونان، وغيرها من مناطق النزاعات.