سور شاهق ليس كغيره من الأسوار .فلم يكن
يوما مبنى بالأحجار ليكون حائط صد أو دفاع. ولم يلعب دورا داخل قلعة أو طابية
عسكرية.بل ظل طوال عمره الممتد إلى أبعد من 700 عام يلعب دورا حيويا في حياة
البشر.كان يمدهم بمياه الشرب.لذا كان دوره أهم بكثير من كل أسوار العالم.فهو
القادر على رفع مياه النيل من مجراه لتصل إلى قلعة الجبل.تلك هي معجزة سور مجرى
العيون كما أسماه أهل المحروسة منذ أن أمر ببنائه السلطان الناصر صلاح الدين بن
أيوب .
قناطر المياه أو سور مجرى العيون هو بمثابة
القلب داخل منطقة مصر القديمة.يقطعها قادما من فم الخليج ليواصل طريقه نحو قلعة
الجبل.دوره كان نقل المياه خلال قناة حجرية ترفعها السواقي إلى داخل أحد الأبيار
المنقورة في صخور الجبل عند القلعة التي كانت تمثل مقر الحكم خلال عصر الدولة
الأيوبية.مساحته تصل إلى 3500 متر ويحمل طرازا معماريا مميزا باستخدام حجر
«النحيت». كما يتكون السور من برج يسمى برج المأخذ يحتوي على 6 سواقٍ.وكان السلطان
محمد بن قلاوون أمر بتجديد السور بشكل كامل عام 1312م.وكذلك السلطان الغوري الذي
أمر بإنشاء ست سواقٍ تقع بالقرب من منطقة السيدة نفيسة لتقوية تيار المياه الواصلة
آبار القلعة.
وعلى مدار سنوات طويلة تعرض السور الأثري
لعدد من التعديات وإساءة الاستخدام.خاصة مع انتشار مصانع دبغ الجلود في المنطقة
المحيطة به مما تسبب في تعرضه للضرر .الى جانب انتشار الزحف العشوائي حوله.حتى كاد
يقضي عليه.ومع بداية تنظيم موكب المومياوات الملكية قررت الدولة المصرية متمثلة في
وزارة السياحة والآثار القيام بخطوات جادة نحو تطوير منطقة سور مجرى العيون
بالكامل والقضاء على كل مظاهر العشوائية حولها.فالموقع المتميز للمنطقة جعل من الواجب
إعادة استغلال المنطقة بشكل أفضل .والسعي لإقامة محال للحرف اليدوية علاوة على
إقامة قاعات العروض الثقافية والحفلات الفنية.
وهو ما قام به صندوق تطوير المناطق
العشوائية برئاسة المهندس خالد صديق .حيث قام بإزالة العشوائيات الموجودة فى
المنطقة المحيطة بكل من بحيرة عين الصيرة وسور مجرى العيون وتسليم المناطق خالية
إلى هيئة المجتمعات العمرانية . وقد بلغ عدد المواطنين المنقولين من منطقة سور
مجرى العيون الى مدينة بدر والأسمرات حوالى 2000 أسرة بالإضافة إلى وجود 90 أسرة
بمنطقة عين الحياة و80 أسرة بمناطق عشوائية مجاورة لعين الصيرة.وبلغت ميزانية
مشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون٥ مليارات جنيه على حد قول المهندس»صديق».
« إعادة إحياء القاهرة كمدينة تراث وثقافة «
تلك أهداف يحاول د. محمد الخطيب الاستشاري المعماري لمشروع تطوير عين الصيرة وسور
مجرى العيون أن يقوم بتنفيذها على أكمل وجه.حيث أكد أن المشروع الحقيقي بدأ بعد
إزالة كافة التعديات ونقل المدابغ بالكامل إلى مدينة الجلود بالروبيكي وإزالة
المبانى الموجودة.ويواصل «الخطيب» روايته عن هذه المنطقة التاريخية قائلاً «نسعى
إلى إعادة إحياء القاهرة التاريخية بعصورها المختلفة..» وذلك عن طريق إدخال
العمارة المناسبة لها,والتخلص من العشوائيات المحيطة بها.والأهم هو نقل سكانها إلى
مناطق سكنية جديدة تليق بهم.ويشمل المشروع تطوير كافة شوارع القاهرة التاريخية
وربط أحيائها من العصور المختلفة.ويهدف إلى تمكين المواطن المصري من السير من شارع
المعز لدين الله الفاطمي حتى جامع عمرو بن العاص ومجمع الأديان والاستمتاع بأكثر
من 350 اثرا تاريخيا ذا قيمة تاريخية وفنية.
وفي قلب السور الحجري يحكي المهندس «صلاح
نصحى «مدير المشروع التنفيذي أن الشكل النهائي للموقع ككل سيكون عبارة عن 70 عمارة
سكنية كل منها مكون من 4 إلى 6 طوابق.تحمل طرازا معماريا إسلاميا على مساحة تبلغ
حوالى 90 فدانا.كما سيضم المشروع إقامة منطقة ترفيهية تضم مولا تجاريا ومبنى
إداريا ومسرحا مفتوحا ومطاعم وحدائق منها حديقة بطول السور.علاوة على إقامة منطقة
بنوك وشركات وأماكن تجارية وأخرى إدارية ووحدات إسكان إدارى.وسوق للكتاب سواء
الجديد أوالمستعمل.ومعاهد خاصة للتعليم، ومناطق خدمات صحية استثمارية، وشركات
سياحة وصرافة.وعددا من المشايات الفرعية المتصلة بالمناطق الاثرية الموجودة بمحيط
المشروع.ويردد بقوله : « نسعى إلى خلق محور خدمى ترفيهى عمودى على السور..».مرتبط
مع منطقة المدبح بعد التجديد وحتى المنطقة الترفيهية جنوب صلاح سالم ليتكامل مع
منطقة متحف الحضارة.لذا من المنتظر إقامة متحفين بمنطقة السور.المتحف الأول يقع
داخل المنطقة الترفيهية.ويتحدث عن تاريخ تطور صناعة الدباغة والجلود في مصر.أما
المتحف الثاني سيكون داخل منطقة السواقى بالجهة الغربية للسور.ويستعرض أفكار
الهندسة الهيدروليكية فى زمن إنشاء السور.
وبالحديث عن أهالي المنطقة يهلل حسن يوسف
عبد الجواد أحد سكان منطقة «أكشاك أبو السعود» بقوله «نحن محظوظون» بعد أن انتقل
إلى حي الأسمرات.ويضيف بقوله :”انا كنت عايش وأسرتي داخل عشه..».حاله لم يختلف عن
أحوال كثيرين عاشوا وسط العشوائيات.مثل حاتم إسماعيل هاشم الذي عبر عن معاناته
السابقة بقوله :»اليوم نعيش في طمأنينة بعد أن أصبح لدينا بيت يحمينا من الشرور
والمخاطر..».وهو ما أكده إبراهيم محمد البدري أحد سكان منطقة مدابغ مصر والذي
انتقل ليعيش في مدينة بدر ومنطقة الروبيكي معبرا عن فرحته بقوله :» أصبح لدي مصنع
خاص..وحياة كاملة..وبيت آمن من البلطجة...».