الأربعاء 27 نوفمبر 2024

فن

"جعلني حائرًا".. قصة من مجموعة "جئتك بالحب" لـ تيسير النجار

  • 19-11-2020 | 10:32

طباعة

لا أدري متى أو كيف أتيت إلى هذا المكان..؟

لم يكن خارج مصر بالطبع، فهذه الوجوه القمحية ذات العيون السوداء مصرية بالتأكيد، لكنها ليست منطقتي، لا أعرف إلى أين يفضي الشارع الذي أسلكه، ضيق .. طويل .. موحل، توك توك وكابوت يشاركانني المسير، بائع الخضار حين رآني سقطت ثمرات الطماطم من يده، التفت المرأة السمراء نحوي، أدارت رأسها سريعًا بخوف، كدت أن أسمع أنفاسها، مضيت أحاول تجاهل ما حدث، اصطدمت قدمي بكرة بلاستيكية صغيرة ضاعت ألوانها أسفل الطبقة المتسخة، تبعها طفل صغير، ابتسمت له وركلت الكرة في اتجاهه، نظر إليّ بامتنان تحول إلى ذعر، هرب من أمامي فجأة، هل أنا مخيف؟ تنحيت خلف جدار متهالك يستر بعض القمامة ولمست ملامحي وشعري لم يكن ملبدًا أو طويلاً، ثيابي باهتة لكنها ليست غريبة تشبه ثياب العابرين، لماذا يفزعون مني؟ هناك قط أسود يبحث عن طعام في القمامة، صوته لفت نظري بجواره رجل ضرير، تقدمت نحوه، رفع عصاه، طمأنته بإلقاء السلام وأنني احتاج مساعدته في الخروج من هذه المنطقة، همس أن رائحتي مألوفة لا بد أن هذا المكان نشأتي، وددت إخباره برد فعل الناس تجاهي لكني شكرته ومضيت، أشعر وكأنني بصقة ما إن يلحظها أحد يتحاشها، ماذا أفعل بذاكرة بيضاء لا تعين؟ هل أنا مجرم؟ المنازل متشابهة والطرق طريق واحد ممتد، كلت قدميّ وآلمتني، أين الراحة أمام الأعين المتربصة؟ أنجب الطريق دروب صغيرة أيهم اختار؟ يراودني شعور أن هذه المنطقة مثل مسرح يتم تجهيزه في هذه اللحظة، لو ركضت بسرعة لن أجد حياة لأنها لم تخلق بعد، هل تفهمني ؟ أنت، نعم لا بد أن هناك من يسمعني، حتى لو كان خيالي أو ظلي النحيل جدًا الذي لا يخافني مثلهم، المرأة التي تقف في الشرفة اختبأت عند رؤيتي، ربما أنا مجرم لفظه السجن وهذا الحي الذي كنت أسكنه؟ الجميع يعرفونني، ينظرون إليّ دون تأمل بل لمحة خاطفة تكشفني، تعريني أمامهم، ربي هل أنا فكرة في رأس أحد يخطني على ورقه؟ أم أنا دمية في يد القدر؟ أنا سيزيف دون صخرة، أحمل الزمن السرمدي، أين الخلاص ومتى العفو؟ أي ذنب اقترفت قبل لعنة النسيان التي ابتلعتني؟ ربما هذا كابوس سأفيق منه، إن لم يكن كابوسًا فهو نوم سأفيق منه بالموت.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة