الثلاثاء 21 مايو 2024

فى ظل كورونا.. اليونانيون يعيدون صياغة علاقة الإنسان بالحياة (2)

فن19-11-2020 | 19:01

أرتور شوبنهاور 

تحتفي الأمم المتحدة- اليوم الخميس- باليوم العالمي للفلسفة، الذى نحتفل به منذ عام 2002 عندما أقرت منظمة اليونسكو بالاحتفاء بالفلسفة في الخميس الثالث من شهر نوفمبر من كل عام، وذلك إيمانا بدور الفلسفة البارز فى رصد تطور الفكر البشري، وتستهدف إحتفالية اليوم العالمي هذا العام إلى أهمية التأمل الفلسفي لمواجهة الأزمات المختلفة وعلى وجه الخصوص أزمة كورونا "كوفيد19"، فنحن فى أمس الحاجة إلى التفلسف وإعادة قراءة الأزمات من منطق الفلاسفة أكثر من أى وقت آخر.

يرى الفلاسفة دائما أن الأزمات ماهى إلا أسئلة كبرى تطرحها الطبيعة علينا، التي تنقسم بدورها إلى أسئلة تحتاج إلى إجابات وافية وأخرى تدفعنا بشكل أو بآخر نحو التأمل لإعادة قراءة أوضاع العالم فى ظل الأزمات الملحة التي تجتاح حياتنا بدون أسباب مسبقة، فالفلسفة ليست جزء من الماضى بل يمكن أن توفر لنا حلولا لتلك الأزمات التي نعيشها في الوقت الحاضر، فالفلسفة تعيد للمجتمع إتساقه المفقود.

منذ عام وجدت البشرية نفسها أمام فيروس تحول إلى جائحة فى غضون أسابيع قليلة ليكون أكبر معضلة تطرحها علينا الطبيعة وهو "كوفيد-19 "، وبالرغم من اتخاذ الدول خطوات إلزامية من أجل الحد من تفاقم تلك الأزمة، إلا أن الحجر الصحى والعزلة التامة عن العالم لن تستطيع أن تتخلص من تلك الجائحة، فكل دولة أصبحت منعزلة عن العالم كله فى سابقة لم تحدث على مر التاريخ الحديث، وقد حاول العالم فى نطاق البحث العلمي إيجاد حلولا سريعة للحفاظ على إستقرار الإنسان فى النظم الإجتماعية التي حددها وفق البنية الإجتماعية التى تشكل إطار المجتمع، وبالرغم من أن المجتمعات البشرية منذ إرهاصتها الأولى تعيش دائما مع مخاوف المجهول وبالرغم من أن حيز المجهول بإمكانه أن يتقلص فى نطاق المعرفة البشرية لقوانين الطبيعة، وفى ظل المواجهة الدائمة للإنسان والصراع مع الطبيعة التي شكلت هويته على مدى حقب زمنية مختلفة، ولكن فى خضم أزمة كورونا أعادت تلك الأزمة تعريف علاقة  الإنسان بالحياة بصورة معقدة.

نبدأ هنا بتناول الفلسفة لعلاقة الإنسان بذاته حيث نزوع الفرد نفسه إلى التوغل بدواخله بشيء من التأمل لتفسير ما يدور من حوله ولعل العزلة التامة والحجر الصحي أحد أسباب نزوع اإنسان لمعرفه نفسه إنطلاقًا من مقولة سقراط "إعرف نفسك بنفسك" فنحن في ظل تلك الجائحة محاطون بأسئلة معقدة لا إجابة لبعضها، وآراء مختلفة وحكومات عاجزة عن التبصر والتكهن في ظل التكنولوجيا المتسارعة بنهاية أو بحلول منطقية للقضاء عليها، لذا نتبصر من خلال رؤية بعض الفلاسفة لماهية الحياة حتى لا نظل بعد إنتهاء تلك الجائحة كالأنبوب الأجوف الفارغ بل نستغل قدرتنا على التبصر والتفلسف فى الإرتقاء بمستوى تجاربنا وتصحيح نظراتنا إلى الحياة، فالفلسفة هي التي تمكننا من الوصول إلى الأهداف البعيدة التي تجاهد البشرية من أجلها.

 الفيلسوف الألماني، أرتور شوبنهاور، المعروف بنزعته التشاؤمية صاحب فلسفة "إرادة الحياة" نجد أن الإرادة عنده لا تشمل المشيئة التى تتدبر عن وعي فقط، بل تشمل أيضا كل الدوافع الداخلية اللاوعية والموجودة فى العقل الباطن وكذلك تشمل الرغبات وجانب الطبيعة عند الإنسان الذى يبذل جهدا للصول إلى غايته، فالإراد عند شوبنهاور، عنده تكون هي الأولى في نظام الوجود ثم تأتى بعدها الأفكار المتغيرة، ثم تجعل الإرادة نفسها فردية في أفكار جزئية أي أنها تكون كالأشخاص والأشياء التي تكون أمثلة للأفكار وفقا لمبدأ العلة الكافية، إذن يمكن النظر إلى صياغة شوبنهاور للمثالية على أنها مثالية إرادية لأن الإرادة هى الحقيقة الأولية بدلا من الروح عند هيجل وهناك مذاهب كثيرة عن المثالية الإرادية، بعضها تفاؤلية، حيث أن العالم بأسره مرسوم من أجل الأفضل، فالكل ينتقل وفق خطة كلية تنكشف بالتدريج فى الطبيعة وبداخلنا.

وبالرغم من رؤية شوبنهاور للعالم والعقل إلا أنه يتجه نحو فن السعادة أو "كيف نتعلم أن نحيا"، فنسعى إلى تأمل الحياة، حيث أن الحياة السعيدة ترتبط بنظرة ذواتنا ودواخلنا إلى العالم، وفي ظل تلك الجائحة ترتبط دواخلنا مع إدراك وتفسير ما نحن عليه الآن، ويقيم شوبنهاور نتائجه التشاؤمية على تحليل طبيعة الرغبة فى علاقتها بالسعادة، فهو يزعم أن الرغبة لا تنشأ إلا عندما نشعر بحاجة أو نقص أو عندما نشعر بألم ما، أوإذا تم إشباع الرغبة داخلنا.

ومع كل مأساة تواجه البشرية يتنامى إلينا الشعور بنهاية العالم، ذلك الشهور الذي يجعل الإنسان في حالة ترقب وقلق من المصير المحتوم، وذلك بالطبع وفق التصورات التي يقيس عليها الموقف الآني فى إطار السياق الديني والمجتمعي، ولكن إن نظرنا وفكرنا في الأمور وفق ما تفرضه علينا الأزمة، خاصة من منظور واسع ومن مسافة بعيدة تماما، ربما تمنحنا تلك الجائحة إعادة تقييم لذواتنا وأوضاعنا كما لم نألفها من قبل.