السبت 11 مايو 2024

طوبى.. وطوبة

كنوزنا20-11-2020 | 12:46

ومن المأسي ما يمتد في بطن التاريخ عدة مئات من السنين، ولكن أخطر مأساة في التاريخ، ان كل خليفة دي هو مصدر الحكمة وينبوع المعرفة ونموذج الكمال. وهو يظل كذلك حتى يموت. فإذا مات، فهو منبع الجهل ومصدر الظلم والنموذج الأكبر للفساد والاستبداد. مأساة حقيقية، ولكن سببها الخليفة نفسه، لأن نمط الحكم العربي يجعل من الخليفة أو الوالي أو السلطان الملك المعصوم، فلا يسمح لأحد بانتقاده وهو حي يرزق.

مسموح للجميع بأن يبالغوا في مدحه وفي حصر ماثره. وفي تسليط الضوء على مواهبه، والاعتراف بعبقريته، وتدور الأسطوانة على هذا الوجه مادام الخليفة حيا، فإذا مات الخليفة، قلبوا الاسطوانة على الوجه الأخر، وهي دائما عكس الوجه الأول، وبينهما مسافة لاتقل بعدا عن المسافة بين الأرض والمريخ ! ولذلك فكرنا ولله الحمد - ان نلقي نظرة على تاريخ مصر من تاني. نظرة رجل من الشارع غير متخصص وغير کمساری وعلى غير علاقة رسمية بالتاريخ. وسنعيد النظر من جديد وفي هدوء على التاريخ كله، بعد أن مات الخلفاء والسلاطين والأمراء والكمسارية والبصاصون. وسنحاول أن نجرد التاريخ من السلطة ومن أبهة الحكم ومن أجهزة المباحث والمخابرات. وهو على كل حال اجتهاد من جانبنا، ان اصبنا كان لنا اجر المجتهدين، وان اخطانا كان لنا أجر المجتهدين المخطئين. وسيكون الفرق بيننا وبين المؤرخين الكمسارية، أن مصر في نظر المحترفين هي سلسلة طويلة من الأمراء والملوك والسلاطين، ولكنها في نظر العبد الله مجموعة متصلة من الأجيال والصياع واصحاب الحاجات والمتشردين. مصر في زمن السلاطين لم تكن قلاوون أو قطز أو عز الدين أيبك التركماني أو على بك الكبير، ولكنها كانت الزعر والحرافيش والحشاشين، ومصر أيام عبد الناصر لم تكن هي الرئيس ونوابه، ومدير المخابرات واجهزة الاتحاد الاشتراکی، ولكنها كانت العمال والفلاحين والرأسمالية الوطنية والجنود والمثقفين، ومصر في عهد السادات لم تكن هي الرئيس أو زعماء المنابر، أو تجار الشنطة واصحاب بوتيكات شارع الشواربی واصحاب الكباريهات ورواد الحانات.

ولكنها كانت ايضا هي ملايين الشحاتين والمتسولين والذين يعانون المرض وخيبة الأمل والجوع. انه تاريخ الشعب المصري في الواقع وفي الحقيقة وعلى المكشوف وعلى عينك يا تاجر. ونرجو الا بغضب منا أحد، فنحن لا نقصد الا وجه الحقيقة. ولانهدف الا تعرية الواقع، ولانرجو الا عفو الجبار، فالتاريخ ليس أكثر من اخبار قديمة، ولكنها قد تتطابق أحيانا مع ما يجري اليوم من أحداث، أو قد تكون هي السبب فيما يدور اليوم من أمور، وهذا هو الفرق الوحيد - ربما - بين الحيوان والإنسان، فالانسان - على رأی أحمد بهاء الدين - حيوان له تاريخ : ولكي يكون الانسان انسانا بحق، فينبغی أن يعرف تاريخه لاتزویق ولا رتوش ! ولعل ذلك هو السبب الذي جعل منا نحن العرب اقل مرتبة من بعض الناس. فالانجليز مثلا يعرفون تاريخهم بالضبط، ويعرفون خباياه بالتحديد، ولكن تاريخ العرب في مجمله يقف عند خبر ان كل السلاطين في غاية العدل، وكل الأمراء في غاية الأدب، وكل الحكام على حق وكل الشعب في منتهى الوقاحة والاجرام ! وعلى أية حال، سنبدأ على بركة الله. وارجو ان ننتهي على بركة الله ايضا، ونسأل المولى العزيز التوفيق للوصول الى الحقيقة للكشف عن المستور وان نكون عند حسن الظن وعلى مستوى العمل الكبير. ونطلب من الله أن يبعدنا عن أيدي العسس، وان يخفينا عن أعين البصاصين، وان يحيينا صياعا ويميتنا صياعا، ويحشرنا يوم القيامة في زمرة الذين هم على باب الكريم.

طوبى للصياع، وطوبى للمتشردين والمخبرين، وطوبة للبصاصين.

محمود السعدني


    Dr.Radwa
    Egypt Air