مسيرة طويلة من الإبداع قضاها الكاتب والأديب
المصري "كامل الكيلاني" يسير في دروب المعرفة من أجل كتابة استثنائية للطفل، فأصبح كالنور الذى ينبثق من عُتمة الجهل
وظلماته لينير للنشء، فلقُب برائد أدب الأطفال، حيث قدّم العديد من الأعمال العبقرية الموجهة إلى
الطفل، وترجُمت أعماله إلى اللغات الأجنبية منها الروسية، الإنجليزية، الفرنسية،
الصينية، فكان أول من خاطب الأطفال عبر أثير الإذاعة المصرية، وأول من أسس مكتبة
للأطفال في مصر.
ولد "كامل كيلاني إبراهيم كيلاني"
بالقاهرة في منزل يطل على جبل المقطم في 20 أكتوبر 1897، وأتم حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، إلتحق بمدرسة أم عباس عام 1907، ثم انتقل إلى مدرسة القاهرة الثانوية
وحصل على شهادة البكالوريا، ليبدأ في دراسة الأدب الإنجليزي والفرنسي، ثم إلتحق
بالجامعة المصرية سنة 1917، وحصل على ليسانس الآداب قسم الغة
الإنجليزية.
بدأ" كيلاني" حياته العملية بتدريس
اللغة الإنجليزية في المدرسة التحضيرية، ثم انتقل إلى مدرسة الأقباط الثانوية
بدمنهورعام 1920، ثم تدّرج في الوظائف الحكومية فقد ظل موظفًا حكومية بوزارة
الأوقاف لمدة 32 عامًا، حتى وصل إلى منصب سكرتير مجلس الأوقاف الأعلى، وكان
فى نفس الوقت يعمل بالصحافة ويشتغل بالآداب والفنون، ففى عام 1922 أصبح رئيسًا
لجريدة "الرجاء".
فى عام 1927 توجه للكتابة فى مضمار "أدب الطفل"، فقام بإنشاء مكتبة للأطفال تهتم برعاية الأطفال إيمانًا بدور
القراءة فى توسيع مدارك الطفل ونقله إلى مستوى راقٍ من الثقافة والعلم والمعرفة
والتهذيب مما ينعكس على سلوكياته منذ الصغر.
أول قصة كتبها "كيلاني" للأطفال
كانت "السندباد البحري"، ثم بدأت إنتاجه الأدبي الغزير ينهال علينا فكتب
أكثر من ألف قصة، طبع منها مائتي قصة ثم حمل الراية من بعده ابنه "رشاد كيلاني"، حيث طبع أكثر من 50 قصة لأبيه
بعد رحيله، ومن أشهر قصص "الكيلاني" التي كتبها للطفل: "الحمارالقارئ"، "الأميرة القاسية"، "الأمير الحادي وخمسون"، "الأرنب والصياد"، "ابن جبير في مصر
والحجاز"، "أمير العفاريت"، "مصباح علاء
الدين"، "نوادر جحا"، "السعيد حسن"، "الدجاجة الصغيرة
الحمراء".
اعتمد "كيلاني" على استخدام أسلوبًا
راقيًا ومتميزًا فى كتابة قصص فقد كان يقدس اللغة العربية الفصحى، وكان يعتقد أن
السبيل الوحيد لتشكيل هوية الطفل العربي بشكل سليم، وذلك من أجل ألا ينسل الطفل عن
هويته وتاريخه وحضارته التي ينبغى أن يبقى فخورًا بها، فكان يمزج بين المنهج
التربوي والتعليمي ليستقى الطفل المعلومة بسهولة ويسر،فكان يحرص أن يبرز الغاية
والوسيلة فى كل قصصه، يحدد الهدف ويطرح الإشكالية ويبرز الجانب الأخلاقى في أعماله
دون إجحاف أو تحيز.
لم يكن"كيلانى" كاتبًا ومترجمًا
منغلقًا على نفسه بل كان يسعى إلى التعرف على الثقافات الأخرى، وذلك من خلال
ترجمة أهم الإصدارات الأدبية من كافة أنحاء العالم، فساهم بترجماته للأدب
الفارسى، الهندى، الصينى، كما كان يعتمد أسلوبه على تجليات الأساطير والملاحم
والموورث المثيلوجي الذي ساهم بشكل منقطع النظير في إثراء الحركة الأدبية وخاصة فيما يتعلق بحيز الكتابة للطفل.
كتب "كيلاني" الشعر وكان ينظم
الأبيات الشعرية التي كانت تتخلل الكثير من أعماله القصصية فكان حريصًا على أن
يكون الطفل لديه ذائقة فنية منذ صغره، ومن ثم يصبح له رأى مستقل فيما يقرأه إلى
جانب الإلمام المعرفي أيضًا عند الطفل، فقراءة الشعر تُحسن من لغة الطفل كما أنها تحمل رسائل ضمنية مفاداها ضرورة التحلى بالأخلاق القويمة ونهج السلوكيات المقبولة
في المجتمع.
كان لـ"كيلانى" إسهامات أخرى غير
الكتابة للأطفال فترجم العديد من الكتب كالأدب الأندلسي وكتب "نظرات في تاريخ
الإسلام"، "روائع من قصص الغرب"، "فن الكتابة"، وساهم
أيضًا بكتاباته في مجال النقد الأدبي وتحقيق الأعمال الأدبية الكبرى مثل
"مصارع الخلفاء"، و"مصارع الأعيان"، و"ملوك
الطوائف"، و"رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، و"شرح ديوان ابن
الرومى".
توفي كيلاني في 9 أكتوبر1959 عن عمر يناهز62
عامًا، تاركًا تراثُا أدبيًا لن يفنى، ومازال يُقْبل عليه الكبار قبل الصغار.