بقلم – ثروت الخرباوى
بنجاح ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية واستلامه الحكم نكون قد دخلنا فى عهد جديد، ترامب يتوعد داعش ومن بعدها الإخوان، أما بوش ومن بعده أوباما فقد كانا أكبر داعمين للإخوان، والأب المؤسس لداعش، فضلًا عن تاريخ أمريكا السابق مع تنظيم القاعدة الذى أنشأه جون برينان الذى أصبح فيما بعد فى عهد أوباما رئيسًا للسى آى إيه، ولكن التاريخ شيئ والواقع شيئ آخر.
اللافت للنظر أن محمد سلطان فتى الإخوان المرتعش، الذى هاجر لأمريكا، بحثًا عن الوليف الأمريكي، هذا الفتى كان هو آخر من زار أوباما فى البيت الأبيض قبل أن يغادره بساعات، فما الذى دار بينهما، وما هى الأسرار التى دفنوها فى صدورهم بعيدًا عن العيون، وهل أسر له أوباما بخريطة أمريكا القادمة وكيفية تعامل الإخوان معها؟ وإذا عدنا بالنظر إلى الوراء بضع سنين لوجدنا أن أوباما عندما جاء إلى القاهرة عام ٢٠٠٩ وألقى خطابا فى جامعة القاهرة كان قد اشترط أن يحضر الخطاب بعض قيادات الإخوان، وبالفعل حضر سعد الكتاتنى وحسين إبراهيم وحازم فاورق والداعية عمرو خالد، إلا أن المقطوع به أن الكتاتنى جلس مع أوباما فى جلسة منفردة استمرت نصف ساعة قبل أن يلقى الأخير خطبته الشهيرة، وبذلك تكون أول فاعليات لأوباما بعد أن أصبح رئيسًا هى جلسة مطولة مع قيادى إخوانى فى جامعة القاهرة، وآخر حكمه جلسة مطولة بالبيت الأبيض مع شاب إخواني، وبين الجلستين وقبلهما وبعدهما حكايات وحكايات، لعلنا نقرأ منها بعض السطور، وما بين السطور فى السطور القادمة.
أما عن سطور علاقة جماعة الإخوان بالأمريكان فهى من سطور العلاقات الغريبة التى لا يمكن أن تخضع لتحليل سياسي، ولا لتحريم ديني، ولكنها تدخل فى نطاق الطب النفسي، ومن بعدها ستدخل حتما فى عالم الاستخبارات والخيانة والجريمة فى حق الوطن، أما عن المرض النفسى، فكما كتبت من قبل عن أن الإخوان أصابوا أنفسهم بمرض الذئبة الحمراء، فإنهم أصيبوا أيضًا بمرض الشيزوفرنيا، حيث تملك منهم الفصام وآفاته، واستحوذ عليهم انفصام الشخصية، وأصابتهم حالات الانتفاخ التى تصيب مَن أكل أكلة دسمة ـ مثل الثورة مثلًا ـ فإذا بها لا تنفخ الأمعاء ولكنها نفخت الأوداج وشرايين الذات فأصبحت جماعة الإخوان ستين عتريسًا لا عتريسًا واحدًا، وحين دخلت الجماعة العملاقة من أحد أكمام الجاكيت الأمريكانى خرجت من الكم الثانى وهى تقول «كنت هاموته».
نقفل الشباك ولا نفتح الشباك، تلك العبارة الشهيرة التى كان يرددها الفنان القدير الراحل أحمد الجزيرى فى مسرحية «القضية» أصبحت واقعًا فى الحياة السياسية لجماعة خانت بلدها وأصبح شعارها الأثير هو «الحكم قبل الدين أحيانًا» وقد اقترن بهذا الواقع ذلك الزواج السرى الذى أدمنته جماعة الإخوان، ولأنها تؤمن بتعدد الأزواج والزوجات، فقد تزوجت الجميع، كان بعض الزواج كاثوليكيًا مثل زواجهم بالأمريكان، والبعض الآخر يدخل فى نطاق زواج المتعة، ثم زواج المسيار الذى عقدوه مع أهل الخليج، ولكن حكايتهم مع الأمريكان يجب أن يرويها لنا أحد أطباء النفس المتمرسين، ومع ذلك فإننى سأدلى بدلوى فى بئر الإخوان ـ فى عصرهم الحديث ـ لأخرج لكم بثروة معلوماتية، وياما فى الجراب يا حاوى.
كانت علاقة الإخوان بالأمريكان فى السبعينيات مثل السمن على العسل، ولم تكن هذه الحميمية تقلق السادات أو تقلقل خاطره، فقد كانت تتم بعلمه وتحت رعايته، شهد شارع سوق التوفيقية ـ مقر الإخوان وقتها ـ السيناتور الأمريكى الشهير «جورج ميشيل» وهو يترجل متوجهًا بصحبة نخبة من السفارة الأمريكية لزيارة عمر التلمسانى مرشد الإخوان، كان الحوار وقتها يتناول الواقع السياسى الدولى والحرب الباردة بين الأمريكان والروس ورغبة الأمريكان فى مساعدة الإخوان لهم لمكافحة المد الشيوعي، يعرف الأمريكان كيف يضعون «اللقمة» فوق مائدة الجعان الذى يحلم برغيف الخبز الكامل، ولا يعرف الإخوان أن الأمريكان يصنعون للجوعى فى بلادنا أرغفة خبز بلاستيك لا تسمن ولا تغنى من جوع، بل يتحطم طاقم أسنان الجماعة الإخوانية وهى تلوك اللقمة البلاستيكية، ولكنها تظل عمرها ـ الجماعة لا اللقمة ـ على ظن أنها كانت أذكى من الجميع لأنها تحتفظ بطاقم أسنان احتياطى!!.
ثم كانت حركة الإخوان مع حركة السى آى إيه فى مشاركة كاملة من أجل إنشاء تنظيم القاعدة، وقتها كان «أبو هاني» مصطفى مشهور هو عرَّاب هذا الاتفاق، وكان عبدالمنعم أبو الفتوح أحد مفاتيح تجنيد الشباب الإخوانى وإرساله إلى أفغانستان عن طريق لجنة الإاثة فى نقابة الأطباء، وكان الممر الدولى إلى هناك وقتها هو المملكة العربية السعودية، وكان الشاب الأمريكى المخابراتى جون برينان، مدير مخابرات أمريكا فيما بعد هو الصديق الصدوق لأسامة بن لادن وعبدالله عزام وهو الذى وفق بينهما وبين مصطفى مشهور وعبدالمنعم أبو الفتوح من أجل تجنيد شباب الإخوان لمحاربة الروس بالنيابة عن أمريكا تحت مظلة الجهاد الإسلامي، وتحت اسم التنظيم الوليد الجديد «تنظيم القاعدة».
وظلت العلاقة قائمة من خلال الدعم اللوجستى الأمريكى للمجاهدين الإخوان القادمين من كل العالم إلى أفغانستان، إلا أن الدعم السياسى لم يكن قد بدأ بعد، ولعله كان ينتظر اللحظة المناسبة، وذات يوم أتت هذه اللحظة على طبق من ذهب.
ففى عهد أكثر حداثة وفى ظل الرئيس السابق مبارك ـ والد المصريين كلهم ووالد الإخوان على حد قول محمد بديع مرشد الجماعة ـ نشرت المصور فى غضون النصف الأخير من عام ٢٠٠٥ خطابا فى منتهى الخطورة مرسل من أحد القيادات الأمريكية لخيرت الشاطر تعرب فيه أمريكا عن شروطها لدعم الإخوان، وكان أكبر الشروط هو وجوب موافقة الإخوان على اتفاقية كامب ديفيد وتعديل مسار آرائهم الفقهية بالنسبة للأقباط والمرأة، ولذلك كتب عصام العريان بعدها فى صحيفة عربية تصريحًا بأن الإخوان إذا وصلوا للحكم سيوافقون على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وبعدها أصدر الإخوان برنامجًا افتراضيًا لحزب افتراضى أدلوا فيه بعدة آراء بخصوص المرأة والأقباط.
ثم ذات يوم ثار جدًا حول حوارات تتم بين الإخوان وأمريكا، فكان أن خرج علينا الإخوانى محسن راضى من نافذة الجماعة لكى يضع لنا ملامح حوار الإخوان مع الأمريكان، فيقول والكلمات تتقاطر من فمه كما تتقاطر عربات قطار النقل: هم ـ أى إخواننا الأمريكان ـ يريدون معرفة موقفنا من المرأة ووضع الأقليات وتداول السلطة والديمقراطية، والموقف بالنسبة للعلاقة مع حماس وإيران واتفاقية كامب ديفيد وكل هذه الأمور التى سبق وأن أعلن الإخوان رأيهم فيها ـ أى أن اللقاءات والحوارات تحصيل حاصل ـ ثم يستطرد الأخ راضى وهو يزين للأمريكان أطايب الطعام الشهى الذى طبخه الإخوان فيقول: إن وضع المرأة فى السعودية لم يكن حائلًا أبدًا لأن تكون هذه الدولة حليفًا قويًا للولايات المتحدة، ولم يمنع الوضع المزرى للأقلية فى البحرين الولايات المتحدة من جعل أرض هذه الدولة مقرًا لأسطولها الخامس! فكأنه يقول، أهلًا وسهلًا بالأمريكان وإن تغاضوا عن حقوق الأقليات طالما إنه وإننا وإنهم ـ بكل أنَّات اللغة العربية ـ فى الإمكان أن نجعل من بلادنا محلا مختارًا لأسطولهم.
ولكن أدبيات الإخوان كانت تنطلق من معاداة أمريكا، فكيف ستستطيع أن تقنع الرأى العام الداخلى فيها، والرأى العام الخارجى المكون من نخب مصر وأطيافها السياسية بحوارات أمريكية إخوانية ومبارك لا يزال على سدة الحكم؟ ليس هناك من ضير أن يكون هناك تناقض، فالتبرير سيقنع شباب الإخوان الذى لم يتعلم التفكير، وتحالفات الانتخابات جعلت الأطياف السياسية تغض الطرف عن حوارات إخوا أمريكية، ومعارك إخوا أمريكية كلامية، فإذا نظرنا إلى الناحية الأخرى سنجد أن كفاح اللسان أصبح وقتها هو السمة الرئيسية للجماعة، حيث إنه هو الكفاح الرخيص الذى ليس له كلفة عالية، لذلك ارتفع الصوت الإخوانى منددًا بالسياسة الأمريكية التى ترعى المصالح الصهيونية، ومظاهرات طلابية يستغلون فيها طلابهم السذج الذين تربوا على الثقة فى القيادة، وأعلام أمريكية يتم حرقها تحت الأقدام الإخوانية، ومقاطعة للبضائع الأمريكية، وعويل وصراخ، ولعن الله أمريكا الكافرة الزنديقة.
ولأن اللسان غير الأنف ووظيفتهما تختلف فإنه لا تثريب على أنوف الإخوان إن أدمنت شم التبغ الأمريكى، فقد ذهبت أنوفهم تعدو صوب دخان السيجار الأمريكى الفاخر الذى يتصاعد من السفارة الأمريكية وهى غير مدركة أن كل دخان سيتبدد ذات يوم، ولكن الأخ محمد عبدالقدوس عرف طريق السفارة الأمريكية، يذهب إليها فى الأعياد القومية الأمريكية مهنئًا، وكان يصطحب معه الأخ عصام العريان الذى أخذ يرسل رسائل الطمأنة للحكومة الأمريكية وللحكومة الإسرائيلية قائلًا فى كلمات ألقاها فى السفارة الأمريكية وفى حوار له مع جريدة الشرق الأوسط قائلًا: على الحكومة الإسرائيلية أن تطمئن فسنحافظ على كامب ديفيد، ولأن رسائل الإخوان كانت وردية فقد تعودت السفارة الأمريكية على أن تدعو أعضاء جماعة الإخوان إلى ولائم السفارة من ومع الفم الإخوانى الذى يلوك الطعام الأمريكى، كان اللسان الإخوانى المجاهد يصرخ فى المظاهرات والتصريحات البطولية: لعن الله أمريكا وإسرائيل، أحرقوا أعلام أمريكا إنهم قوم لا يتطهرون.
وإذ فجأة يخرج الدكتور سعد الدين إبراهيم من سجنه بضغوط أمريكية فيكشف الرجل بصراحته الأمريكية عن أنه كان عراب الاتفاق بين الإخوان والأمريكان، بل والمجتمع الغربى كله، قال سعد الدين إبراهيم فى حوار صحفى عام ٢٠٠٤ ((حقيقة الأمر أن حوارًا بدأ بينى وبين الإخوان المسلمين فى سجن «مزرعة طرة» وكان أساسه: لماذا اهتم العالم بى ولم يهتم بالإخوان. وضاعف من حرارة الحوار وقوع أحداث كونية جسيمة أهمها الهجوم الانتحارى على مركز التجارة العالمى فى نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية. وكانت إجاباتى على أسئلة الإخوان المسلمين هى أن العالم يدافع عنى لأنه اعتبرنى صاحب رؤية ومشارك معه فى قيم إنسانية عالمية، بالإضافة إلى أننى أحترم الآخر. فقالوا ونحن أيضًا نشارك فى هذه القيم العالمية، وسأل «الإخوان» كيف نوصل وجهة نظرنا للعالم الغربي، فقلت لهم أضعف الإيمان هو الكلمة وأقواه هو الفعل، فردّوا أن الكلام نحن نقوله ونقرّه الآن، أما الفعل فلا بد من انتظاره حتى خروجنا من السجن.
وخرجت من السجن والتقى بى بعضُ من تحاورت معهم داخل السجن وآخرون لم يكونوا فى السجن، وطلبوا منى مواصلة الحوار الذى بدأناه داخل سجن طرة، بالإضافة إلى الحوار مع الغربيين. فنقلت رغبتهم لبعض السفراء الغربيين الذين كانوا يزوروننى بالسجن ويعرفون بحوارى مع الإخوان، وكان فى مقدمة هؤلاء السفراء السفير الكندى فى مصر الذى بدوره طلب الحوار معهم، خاصة بعد أحداث ١١ سبتمبر ولكن السلطات المصرية رفضت رفضًا باتًا ذلك الحوار.
ولكن الأمر اختلف بعد الخروج من السجن، واجتماعنا أنا وبعض أعضاء الجماعة الإسلامية أمثال عصام العريان ومحمد عبدالقدوس وبعض الغربيين وجلسنا فى النادى السويسرى بإمبابة فى مصر، واستمر الحوار يومًا كاملًا ثم تركتهم معًا لاستكمال الحوار وهذا كان دورى)).
ومع اللقاءات الحميمية ظلت مظاهرات طلاب الإخوان ترفع راية «أمريكا عدوة الله» وأخذ مجاهدو الإخوان يلقون بحمم ألسنتهم البركانية على أمريكا ومن والاها، ولعن الله من والاها.
أما بعد الثورة وقبل أن يصبح «الحكم قبل الدين أحيانًا» لم يعد هناك أى مبرر إخوانى لإثارة مظاهرات ضد أمريكا الصهيونية، فقد كان هذا الكلام أيام الجهاد الرخيص، أما الآن فهم أمام جهادهم الأكبر، جهاد السعى نحو أريكة الحكم، وبالتالى لم يعد هناك ما يستحق الإخفاء، أو الخفاء، أو التنديد والتهديد، ومع ذلك فإنه عندما قالت السيدة هيلارى كلينتون بعد ثورة يناير: سنعادود الاتصال بالإخوان، كان مفهوم الكلام أنه كان هناك اتصال «على الهاتف الدولي» ثم انقطع ومن ثم ستقوم الإدراة الأمريكية بإعادة الاتصال، ثم أكدت الوزيرة الأمريكية أن هذه المحادثات كانت قد بدأت منذ بضع سنوات!! وكشفت عن أهم الموضوعات التى يتم بحثها مع الإخوان هى: استمرار الإخوان فى سياسة عدم اللجوء للعنف، واحترام حقوق الأقباط والنساء.
ثم طلع الصبح على سعد الكتاتنى بعد الثورة بفترة يسيرة وهو يدلى بتصريح لوكالة رويترز بأن: الجماعة ترحب بأى اتصالات رسمية مع الولايات المتحدة لتوضيح رؤيتها، وأكمل الأخ حمدى حسن القيادى الإخوانى العتيد سيمفونية الغزل الرفيع ورحب بالحوار، وفجأة جاء الصباح فإذا بالسفيرة الأمريكية تزور المرشد محمد بديع.
وبعد زيارات السفيرة جاء وليم بيرنز الأمرصهيونى مساعد هيلارى كلينتون ليجلس مع قيادات الإخوان فى جلسة سرية، حيث لم يتح لأحد أن يعرف ما الذى دار فيها، اللهم إلا من الخارجية الأمريكية التى أصدرت بيانًا قالت فيه: حصلت على تطمينات من الإخوان.
ولذلك أصبحت المظاهرات الإخوانية بعد ثورة يناير موضة قديمة، فحين يتم محاصرة غزة، وقطع الكهرباء عنها، وعمل غارات صهيونية على أهلها، إلا أن الإخوان أذن من طين وأذن من عجين، فالمظاهرات لا تليق بأهل الحكم، وأيضًا المواقف السياسية الوطنية لا يجوز أن يقارفها أهل الحل والعقد، ولتستمر المفاوضات والحوارات والغزل الرفيع تحت لافتة «يتمنعن وهن الراغبات».
وكلنا يعرف ما الذى حدث بعد وصول الإخوان للحكم، وتوطد الصلات الأمريكية بالإخوان، ودفاعهم عنهم، وبعد سقوط الإخوان كانت أمريكا هى أكبر داعم للإخوان، وظن الإخوان أن حصون أمريكا مانعتهم، وستعيد مرسيهم للحكم، ولكن الشعب أفشلهم، فكان الدعم الأكبر من السى آى إيه لهم، ولكن الله شاء.
والآن يبدو أن خلافًا قويًا بين الإف بى آي، وهى الجهة المنوط بها الأمن الأمريكى الداخلي، والسى آى إيه وهى المخابرات التى ترسم السياسة الاستخباراتية بالخارج، فالإف بى آى تتفق مع ترامب فى ضرورة القضاء على الإخوان، أما السى آى إيه فترى أهمية قصقصة ريش داعش دون القضاء عليها، على أن يستمر دعمهم للإخوان، وهذه هى معركة أمريكا القادمة بين رأى الإف بى آي، والسى آى إيه.