يأتي شهرُ نوفمبر كُل عام مُحملاً بثلاث
أعياد عالمية مُميزة، ترتبط جميعها بـمفهوم "الأسرة"، الأول هو اليوم
العالمي للرجل، في 19 نوفمبر، ثم اليوم العالمي للطفل، يُصادف 21 نوفمبر، وأخيراً
اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، يوم 25 نوفمبر، علماً بأن هذا الترتيب
زمني، غير قائم على أولوية ما، درءًا لإثارة أي شعور بالتمييز لدى السيدات.
لذا يفرضُ علينا شهر نوفمبر تسليط الضوء
على "الأسرة"، ووضعها في أولوية متقدمة ضمن اهتماماتنا، باعتبارها
اللبنة الرئيسية لأي مجتمع، يصلحُ بصلاحها، ويفسدُ بفسادها، ليكون على
"الرجل" و "المرأة" عند التفكير في تكوين "أسرة"،
مسئولية لا تتوقف عند حدود باب البيت، ولكن تمتد إلى الدولة، ولا ينتهي تأثيرها
على الحاضر، بل ينعكس على المستقبل.
في مصر يتجسدُ المعنى الحقيقي لعبارة
"الست نصف المجتمع"، ففوق مساحة لا تزيد عن مليون كم، يعيش نحو 104
مليون مواطن، نصفهم من الذكور تقريباً، بينما يشغل السيدات النصفُ الآخر، ويكتسب
هذا المعنى مصداقية أكبر، حين نتابع حجم قوة العمل في مصر، لتصل إلى حوالي 38.2
مليون نسمة، يحتلُ السيدات نسبة غير هينة منها بنحو 5.1 ملايين سيدة تعمل،
والأرقام كلها تعود إلى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبالنظر إلى الأطفال، فلذات الأكباد،
ومستقبل الأوطان، فإن مصر تعد دولة شابة، حيث أن تعداد الأطفال يصلُ إلى 39.2
مليون طفل، وهو رقم كبير يعكس نسبة المواليد المتزايدة كل عام، والتي تضغط على
الموارد، لتظل "الطفلة نصف المجتمع"، فلدينا 20.3 مليون طفل، و18.9
مليون طفلة، بينما نسبة الأطفال تحت سن 4 سنوات 31.9% من إجمالي الأطفال في مصر،
وهذه الأعداد الكبيرة للأطفال تحتاج إلى الرعاية والدعم والاهتمام.
لاشك أن هناك فجوة بين الأرقام والواقع،
فالإحصاء الرسمي لا يمكنه أن يعكس بدقة وضع المرأة والطفل في مصر، حيث أن رقم
عمالة الأطفال الواقعي يتجاوز الرقم الرسمي المُعلن بـ2.8 مليون طفل، كما أن العدد
المُفزع لحالات الزواج المبكر بنحو 117 ألف حالة منها 1000 طفلة مطلقة تحت سن 18
عاماً يعدُ تجميلاً لواقع أكثر بشاعة، وأيضاً أن 34% ممن تزوجن في مصر تعرضن لاعتداءات
بدنية ولفظية وجنسية مخجلة.
وربما يكفي أن نعلم أن نسبة 91% من نساء
مصر تعرضن لجريمة الختان المجرمة شرعاً وقانوناً، وأن مصر تسجل حالة طلاق كل
دقيقتين ونصف، بإجمالي نحو 6 ملايين مطلقة، نتج عن ذلك تشريد نحو 7 ملايين طفل،
وتسرب أكثر من مليون طفل من التعليم، لندرك أن الواقع به الكثير من التشوهات
والتجاوزات في حق المرأة والطفل، والتي تبدأ من "الأسرة"، ولابد من
تداركها، بيد القانون ورسائلُ التوعية لتعديل سلوك المتجاوزين.
"الأسرة" هي المُجتمع الوحيد الذي يفعل المرء فيه أي شيء، حتى وإن
كان لا يُريده، في سبيل إرضاء أفراده، فهو الكيان الذي يسمو فوق الفرد، إنه امتداد
سيرتك فوق هذا الكوكب، والشجرة التي تطرح ثمارك فوق أغصانك الممتدة، فاحرصوا على
تكوين "أسرة" سوية، تصلح كبذرة لمجتمع صالح، زوجين يجمعهما الحب والاحترام،
وأبناء تعملون على تنمية شخصياتهم، وتغرسون في قلوبهم بُذور الفضيلة وحب الوطن
وقيمة العمل، وتسقونها بمياه الإيمان والأمل، ليغدوا أطفالنا أجيالُ نافعة لوطنهم
في المستقبل.