الثلاثاء 28 مايو 2024

"فرصة للحياة" من مجموعة "جئتك بالحب" لتيسير النجار

فن30-11-2020 | 10:49

تنشر "الهلال اليوم"، قصة قصيرة من المجموعة القصصية "جئتك بالحب"، للكاتبة الشابة "تيسير النجار"، والصادرة مؤخرًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والقصة بعنوان "فرصة للحياة".

 

«كان يومًا مشرقًا، وكل شيء يبدو جميلاً، هل هى محاولة لإغرائى حتى أتراجع عن قراري، أم وداع يليق بي؟ خرجت من منزلى بحقيبتى الصغيرة لماذا أثقل ذاتى إن كنت سأتحرر من الحياة؟ حملت فقط بعض الأموال .. فيزا كارت .. مفاتيح خزانتى .. خاتم الفضة أول هدية من عبد المعطي، هل ينظر إليّ؟ سيصفنى بالجنون كالعادة؟ أم سيفرحه اجتماعنا بعد هذه السنوات؟ عطرى المفضل، صففت شعرى كما يحبه وأحكمت وضع الحجاب فوقه، البياض الذى اكتسبه لم يفقده نعومته وطوله، هذا ما كان يجذب عبد المعطى إليه، تركت خلفى أوراق المحضر وكل ما سلب راحتي.

هل أنزع الفرامل أم أقف أمام القطار ..؟ أجيد السباحة، هل الموت صعبٌ مثل الحياة..؟ أقود سيارتى والأسئلة تتلاقفني، صرخة من جانب الطريق "يااااااااااارب" خدرتنى وجعلتنى أتوقف وأبحث عن المستغيث، رأيته رجلًا أربعينيًّا ينزف ويقاوم الموت.. وأنا أستدعيه يا للعجب، طلبت من رجل يسير على الجهة الأخرى أن يساعدنى فى حمل المصاب، نظر نحوى بدهشة وألقى بسيجارته، عاونني، أدخلت المريض سيارتى وشكرت الآخر الذى استكمل طريقه، كانت منطقة لا أعرفها، يبدو شرودى جعلنى أبتعد كثيرًا، وجدت مستشفى خاصة، أسعفوه، كانت كدمات وجروحًا سطحية وكسرًا فى قدمه اليمنى، جلست بجواره فشكرني، أنا من كانت ترغب فى شكره، شعرت أن لوجودى هدفًا نبيلًا لأنه ربما يكون زوجًا أو أبًا لأطفال، أكد لى الطبيب أنه بإمكاننا الخروج، ابتعت له عكازًا، سألته عن جهته عندما ركبنا السيارة، قال إنه لا مكان له أو أهل ..أخذته إلى فندق متوسط أعرفه وحجزت لنفسى الغرفة المجاورة، جلسنا فى الاستقبال.

أنتِ ملاك.

ربما أنت الملاك.

أنا شيطان وأعرف ذلك.

اليوم كنت سأقتل نفسي، بسببك مازلت حية.

وأنا أتمنى الموت.

مازال أمامك العمر طويلاً.

ما ضاع منه لا يعوض.

لم كل هذا اليأس؟

ولماذا فكرتِ فى الانتحار؟

لا أحد يرغب بوجودي، أحفادى قاموا برفع قضية حجر عليّ.

آسف، وأنا لا أحد يرغب بوجودى أو يلحظنى من الأساس.

أين أهلك؟

لا أعرف.

كيف ذلك ؟ امتنع عن الإجابة ولكن لا تكذب.

اليوم أنهيت عقوبتى وخرجت من السجن، 25 عامًا لم يزرنى أحدهم، نسيت ملامحهم صدقيني.

من ضربك إذن؟

أهل القتيل ولم يكتفوا بضياع عمري.

كان الحديث سوداويًا، تناولنا العشاء، وخرجنا فى نزهة إلى وسط البلد بسيارتي، أخبرته أننى أجبن فى تنفيذ الانتحار، راودنى عقب موت عبد المعطى زوجى وجد الجاحدين، كان يأتى فى المنام ويصبرني، لم أندم على الحياة تكفلت برعاية معارفه الفقراء وهذا ما أغضب أحفادي، لكنه أسعدنى كثيرًا بعد هجرة أبنائي، الوحدة كانت تقتلني، لم يجب طلب ورقة وقلم، رسمنى بدقة :

أنا لا أعرف شيئًا سوى الندم، كنت شابًا طائشًا وصرت كهلاً لا فائدة منه فى لمحة بصر، سنواتى قد اختلست مني.

امتدحت رسمه، عدنا إلى الفندق، فى الصباح قمت بسحب بعض الأموال، لم أوكل محاميًا سأتركهم يأخذون المال والمنزل وكل شيء، كنت سأترك الحياة لكن ظهور راشد جعل أيامى تطول قليلاً، شعرت بأمومتى وأنوثتى بل أعاد لى الحياة، هناك من ينتظر صباحى عليه وكتفى ليستند وروحى لتشتبك بروحه، عشت لأننى لا استطيع قتل روحين معًا».