تنشر «الهلال اليوم»، قصة قصيرة من المجموعة
القصصية «جئتك بالحب»، بعنوان «هروب إيزيس» الصادرة مؤخرًا عن الهيئة العامة لقصور
الثقافة، للكاتبة تيسير النجار.
"كان جسدي ممزقًا وملقًى بالطرقات، عانق دمي التراب فصار وحلاً، عيناي
تُركت فوق بناية قصيرة تتأمل بألم ما لحق بي، العابرون يضعون أرجلهم بتقزز بعيدًا
عن الدم، يكممون أنوفهم من رائحتي، بزغت هي على نحو مفاجئ، شعرت بالوجع لأنني لا
أستطيع الوقوف أمامها، كنت وسيمًا أظنني عاشق مناسب لها، انعكس بعينيها شفقة ورأفة
لم أرَها من قبل، رفعت طرف فستانها الطويل، كشفت عن ساقين لامعين كأنها خلقت من
بلور، مدت كفها اليمنى المرسوم عليها شامة بحجم حبة الفراولة إلى كفي المبتورة التي
تنزف بتدفق، وضعتها في فستانها قطرت الدم منه وبدل لونه الوردي إلى الأحمر القاني،
تجمعني بحب .. تحملني برفق كأنني من رحمها، كنت ثقيلاً، انحنى ظهرها ولم تختفِ
ابتسامتها الودودة، انتهت من جمعي فقط بقايا دمي المتساقط من أنسجة فستانها الدليل
الوحيد أنني كنت هنا، دارت حولها مستطلعة بحيرة، تذكرت أنها تبحث عن عينيّ،
أنزلتهما من فوق البناية ولامسا أصابع قدميها، ضحكت وحملتهما بطرف أناملها في حنان
أمومي، محنية .. متثاقلة الخطوات .. رافعة طرف فستانها، مكوم داخله مثل الرميم،
ابتعدت بي عن المارة، سارت وأنفاسها تخرج بهدوء وبطء، أشعر بها، ثنت ركبتيها وأدلت
عنقها ونظرت إليّ، بسطت فستانها على الأعشاب الخضراء، سحبته من أسفل أشلائي ومضت
نحو النهر، غرفت بعض الماء بين كفيها اللتَين صار لونهما أحمر من دمي، سكبت الماء
فوقي، رفعت عينيها للسماء الصافية وراحت تدعو، أغمضت عينيها كإغفاءة صغيرة لم
يتحرك فيها سوى صدرها الذي يسحب الهواء ببطء، مسحت شفتيها ثم مررت أناملها عليّ ..
عدت رجلاً، حاولت استيعاب معجزتها والنطق بالشكر أو أي شيء، كل الخواطر تجول برأسي
لم تمهلني اختفت ووقعت أنا في بئر بلا قرار.....
صحوت بألم في كل جسدي، سهام الندم وطلقات
الضمير النارية لم تبارحني ولم تقتلني، علقتني بين الموت والموت المحقق، وضعت ما
وجدته من ثياب فوق عظامي العارية، كان العرق يغرقني وأشعر بالبرد، غرفتي ضيقة لا
شبكة بها لذلك لن أجد مكالمات .. تذكرت أن هاتفي لم يعد معي منذ أول أمس لقد
قايضته بقطعة حشيش، عصير الجوافة أصابته الحموضة ولم يمنع ذلك شربه، خرجت بلحيتي
التي سرحت وتشعبت، يضحكني سائق الميكروباص حين يناديني "مولانا" أنا
السكير والعربيد، الذي ثملت بدعوة أمي "الله لا يسامحك أو يسعدك أبدًا"
أنا الملعون واللعنة، الباحث الحائر في دوائر اللذة، حورية الحلم هي ملاكي وخلاصي،
حفرت في ذاكرتي بمارج من نار، مشيت في السوق، عند زاوية القلعة رأيت طرف فستانها
بلونه الوردي يرفرف حول خطواتها، ركضت خلفه، نظرت جيدًا لم أجد لها أثرًا، تملكني
الحلم حد لوثتي به، مجموعة من الفتيات كن يتضاحكن، الأولى تغطي فمها بيمينها
وتضحك، الأخرى تراسل عشيقها على الإنترنت وتضحك، الوسطى تلعق المثلجات وتبتسم،
خلفهن طبيبتي لمحت بريق عينيها ولكنها لم تكن تضحك، سرت خلفهن دون جلبة، تركت
هاتفها وصاحت متحرش، اجتمع المارة حولي منهم من يريد ضربي والآخر يبعدني، لم أعبأ
بقبضاتهم لجسدي، فتاتي تبخرت هل أحلم أم أهذي؟ تركوني، صرت ألاحقها هنا وهناك ثم
تختفي، أعاتبها ولا تجب، لا أدري سبب اللطف الذي أصاب البشر كانوا يضربون كفًّا
بكف وينظرون إليّ ويمضون".