أما مشرحة المستشفى في
توميوسو في وسط إسبانيا، لا تزال الممرضة لورد فيسوس سيدريان ترتجف وهي تستذكر
قافلة النعوش المتواصلة التي تنقل ضحايا لكوفيد-19 كانت تهتم بهم قبل ساعات على
ذلك.
عندما ضربت موجة
الوباء الأولى إسبانيا كانت فيسوس (56 عاما) تعمل ممرضة في مدينة توميوسو الهانئة
في كاتسيا لا مانتشا في وسط البلاد.
وتقول مستذكرة
"في الأيام الأولى كنت أنزل للتدخين أو البكاء لأنني كنت بحاجة إلى
ذلك". وتوضح "لكن اضطررت إلى التوقف عن ذلك لأني كنت أرى جثة تلو الأخرى
تنقل (..) كان الأمر مؤلما جدا".
في واحدة من أكثر
الدول الأوروبية تضررا على صعيد الوفيات، ضرب الوباء هذه المدينة في الصميم مع
خسارتها 1 بالمئة تقريبا من سكانها البالغ عددهم 36 ألف نسمة.
ومع أن المدينة كانت
بمنأى نسبيا عن الموجة الثانية إلا أن ذكرى كابوس الموجة الأولى لا تزال ماثلة في
الأذهان.
وتقول رئيسة بلدية
المدينة ايماكولادا خيمينث إن "نحو 300 شخص دفنوا" خلال الموجة الأولى
"بمعدل عشرة أو 11 أو 12 شخصا يوميا".
قبل الجائحة، كانت
المدينة معروفة لدى السياح الذين يسيرون على خطى دون كيشوت بطل رواية ثيرفانتيس
قبل أن تلقبها بعض وسائل الإعلام ب"ووهان مانتشا" على اسم المدينة
الصينية التي ظهر فيها كوفيد-19 أولا.
قليلة هي العائلات في
المدينة التي لم تتضرر من الجائحة أو تسجل وفيات فيها. انخيليس رودريس فقدت
والدتها خوسيفا (82 عاما) في نهاية آذار/مارس بعد أسبوع على دخولها المستشفى.
في البداية بدا الوضع
جيدا، باستثناء تعذر رؤية والدتها.
وتروي ربة العائلة
البالغة 50 عاما أن المستشفى اتصل بهم ذات ليلة "عند الساعة الثالثة صباحا
(..) وعند الساعة 13,15 توجهنا مباشرة إلى المقبرة".
وترك عدم تمكنها من
وداع والدتها أثرا مدمرا عليها واحتاجت رودريغيس إلى أشهر لتجاوز ألمها وغضبها
وللتمكن من الحديث عنهما.
وفي جزء آخر من
المستشفى، امضى فرانسيسكو نافارو (56 عاما) ساعات طويلة ممدا على بطنه لإدخال
الهواء إلى رئتيه المتضررتين من فيروس كورونا المستجد.
ويقول هذا الصحافي
المحلي "عشت عذابا كبيرا". وهو لا يزال يشعر بعد أشهر على نجاته من
الموت بالتعب المتواصل ويعاني من اضطرابات في القلب وشكل من أشكال الاكتئاب. ويؤكد
"أبكي كثيرا وأتأثر بسرعة واستذكر سريعا كل ما حصل".
في توميوسو لم يكن
الجميع مدركا للمأساة التي يشهدها المستشفى الصغير الذي يضم 90 سريرا في المدينة
حيث كان 141 مصابا بكوفيد-19 يعالجون في مارس.
وكتبت لورد فيسوس
يومياتها خلال هذه الأسابيع القاتمة. تنهمر الدموع من عينيها وهي تقرأ مجددا صفحة
20 مارس أي بعد ستة أيام من بدء الإغلاق في إسبانيا.
كتبت حينها "إنها
الحرب بسبب الهجوم الكثيف على السكان والأضرار الجانبية".
وتابعت "في بعض
الأيام أذهب إلى المستشفى لمساعدة زملائي. في أيام أخرى ينتابني خوف كبير يولد في
الرغبة بالاتصال لأقول إني أشعر بأعراض وإني باقية في الحجر في منزلي".
وفي يومياتها أيضا
وصفت الوضع بعد ثلاثة أيام على ذلك بأنه "فوضوي". وأوضحت "لا معدات
متوافرة للممرضين ونحن معرضون للعدو باستمرار" أي الفيروس.
أما في دار المسنين في
إلدر التي تضم 170 سريرا فقد توفي 74 شخصا وفق الأرقام الرسمية في ما وصفه مديرها
بأنه "فيلم رعب".
فيما تواجه إسبانيا
والعالم موجة وبائية ثانية، لم تسجل في توميوسو إلا 13 وفاة بين مايو
وسبتمبر وهي لم تعد تتصدر أخبار الصحف.
ويقول ديفيد فيسينتي
هويرتاس الناطق باسم هيئة الصحة المحلية "اليوم لدينا تسعة مصابين بكوفيد-19
في مستشفى توميوسو"، موضحا أن الفرق عائد إلى التشخيص المبكر وتعقب الإصابات
في حين أن المرضى كانت تشخص إصابتهم لدى وصولهم إلى قسم الطوارئ في السابق.
إلا أن أسباب الثمن
الباهظ الذي دفعته توميوسو لا تزال غامضة حتى الساعة.
وبعد نهاية الإغلاق في يونيو، أبقت رئيسة البلدية على سلسلة من القيود ملغية حفلات الصيف واستمرت
في إغلاق المسبح البلدي.
وتوضح "اليوم
الوضع تحت السيطرة في توميوسو ونحن من المدن التي تضم أقل عدد من الحالات نسبة إلى
عدد السكان في المنطقة ما يعني أن الإجراءات التي اعتمدناها فعلت فعلها. لقد
استخلصنا العبر".