الأحد 24 نوفمبر 2024

فن

حولوا العالم إلى برتقالي.. فريجينيا وولف أيقونة «تيار الوعي»

  • 3-12-2020 | 17:34

طباعة
ڤرچينيا وولف، كاتبة أنجليزية من أيقونات الأدب الحديث للقرن العشرين، من أوائل من استخدموا تيار الوعي كطريقة للسرد، ومن أكثر الكاتبات التي أثرن على القضية النسوية بشكل إيجابي بل وخلقت نظرة مختلفة وجديدة للنساء في عصرها.

ولدت فرجينيا وولف في اليوم الخامس والعشرين من شهر يناير لعام 1882، في لندن  باسم أديلين فيرجينيا ستيفن، ورثت موهبة الكتابة من والدها، فقد كان مؤرخا مرموقا، ناقدا و كاتبا ماهرا، كما أنه أيضا كان متسلقا للجبال، وكان المحرر المؤسس لمعجم السير الوطنية، وكان لفرجينيا وولف، العديد من الأخوة غير الأشقاء، لكنها عاشت في أسرة مترابطة ومثقفة حيث أن والديها كان لديهم اهتمام كبير بالثقافة وبالطبع هذا الأمر كان له دور أساسي في مستقبل فرجينيا.

 لا يمكن للأوقات السعيدة أن تستمر للأبد، ولا توجد حياة بلا أزمات طوال الوقت، حيث بدأت رحلة المعاناة لدى فرجينيا وولف منذ أن كانت في عمر الثالثة عشر، عندما توفيت والدتها، قبل أن ترحل شقيقتها الأكبر بعامين فقط، الأمر الذي أصاب المراهقة الصغيرة بأزمات نفسية زادت حدتها مع وفاة الأب بعد سنوات، عندما كانت فرجينيا في الثانية والعشرين من عمرها. غير أن بعض المصادر كانت قد ذكرت بعض الاساءات التي تعرضت لها من إخوتها الذكور، لكنها غير مؤكدة.

لكن فرجينيا وولف، كانت قد صرحت  بأنها لم تعد قادرة على الكتابة، فيما تبين كما يبدو أن تلك الظروف المأساوية التي عاشتها الروائية الإنجليزية الشهيرة وهي في مقتبل العمر، كانت السبب الأبرز في ظهور هذا الكم من الشجن والمشاعر بداخل كتاباتها اللاحقة، التي صارت روايات يقرأها الملايين على مدار عقود طويلة وممتدة من الزمان.

اكتشفت فرجينيا وولف، أنه لا مهرب أمامها سوى الكتابة، تماما مثلما كانت المطالعة الملجأ الذي يحميها من أذى مجتمع ضاقت ذرعا به، وهكذا انكبت على الكتابة وراحت تمرن قلمها في إعداد المقالات النقدية أولا، ثم جربت كتابة الرواية، وظلت أعمالها الأولى عادية، لكن قلمها ميال للمشاكسة والرفض للأساليب المألوفة وما تفرضه المؤسسات على الفرد، فنشرت مقالات نقدية هاجمت أدباء راسخين، لكنهم في نظرها سطحيون يرددون ما سبق أن ردده أسلافهم عبر السنين الماضية، جلست تكتب مؤلفاتها ما خفف عنها بعض من حزنها، في أثناء الكتابة كانت تبلغ أوج النشوة والسعادة. وفي جامعة كمبردج انطلقت في دروب الفن وتوطيد صداقات جديدة.

وفي عام 1912م تزوجت من ليونارد وولف، وكان رجل فكر وأدب، وظل زوجها بمثابة الملاك الساهر على حراستها، ولم يكن لطموحها حدود، واندفاعها فوق خطوط المغامرات الكبرى، وكل ما ترتبط به في وجودها من عناصر وكيانات، ولم تكن كتابتها خيالية، بل إنها رصدت الواقع الخارجي المنظور مثلما أدخلت القارئ إلى دهاليز العقل الباطني وراحت تخترقه إلى أقصى مداه.

 أقبلت بحماسة على إلقاء المحاضرات في جامعة كمبردج عام 1928، وهي في أشد مراحل نضجها، ونشرت محاضراتها في كتاب لا يزال مرجعا في شرح أوضاع المرأة، اسمته "غرفة من أجلها"، ورفضت درجة الدكتوراه الفخرية التي قدمتها إليها جامعة كمبردج ومن جامعات أخرى حتى لا تناقض نفسها الثائرة على المؤسسات، وعلى حسب ما ذكرت ڤيرجينيا إن زواجها كان ناجحا وكانت تحب زوجها بشكل جنوني.

وفي سبعينيات القرن الماضي، أصبحت وولف أحد أهم الركائز التي استندت عليها حركة النقد الأدبي النسوي، وأصبحت أعمالها مشهورة على نطاق واسع وكثر الحديث عنها كونها ألهمت الحركات النسوية، وهذا مجال جديد لم تخضه وولف من قبل.

أعمال وولف يتم قراءتها في كل أرجاء العالم، حيث تمت ترجمة أعمالها إلى ما يزيد عن خمسين لغة. وتم تأليف الكثير من الكتب عن حياتها وأعمالها، وتم تأليف العديد من المسرحيات والروايات والأفلام عن شخصيتها. كما وُصِفت بعض أعمالها بالمسيئة حيث تعرضت للنقد كون بعض أرائها معقدة ومثيرة للجدل.

كما اشتهرت برواياتها التي تمتاز بإيقاظ الضمير الإنساني، مثل روايتي "السيدة دالواي" و"الأمواج" وتعد فيرجينيا وولف واحدة من كتاب القصة المؤثرين، وكانت روايتها الأولى ذات طابع تقليدي مثل رواية "الليل والنهار" 1919، واتخذت فيما بعد المنهج المعروف بمجرى الوعي أو تيار الشعور، كما في "غرفة يعقوب" 1922، "السيدة دالواي" 1925، "إلى المنارة" 1927، "الأمواج" 1931.

 ولها روايات أخرى ذات طابع تعبيري، منها  رواية "أورلاندو" 1928، "الأعوام" 1937، "بين الفصول" 1941.

 كما اشتغلت بالنقد، ومن كتبها النقدية "القارئ العادي" 1925، و"موت الفراشة ومقالات أخرى" 1943. كما كتبت ترجمة لحياة "روجز فراي" 1940، وكتبت القصة القصيرة، وظهرت لها مجموعة بعنوان "الإثنين أو الثلاثاء" عام 1921.

-رواية "السيدة دالاوي" 1925:

أجمع النّقاد على أن هذه الرواية هي من أفضل ما كتبت فرجينيا وولف، إن لم تكن الأفضل على الإطلاق، كما أنها تعد من أهم روايات القرن العشرين، وكان أهم ما يميز رواية السيدة دالاوي، هو أسلوبها في سرد الرواية، والذي كان فريدا من نوعه في تلك الفترة، وهو أسلوب تيار الوعي . فبينما السيدة دالاوي تُشرف على الاستعدادات المقامة لحفل المساء، هناك مونولوجا داخليا يدور بداخل عقلها قاطعا كل ما يحدث من أحداث، متنقلا بالزمن بين ما حدث سابقا، وبين ما يحدث في هذه اللحظة.

- كتاب "غرفة تخص المرء وحده" 1929:

"إن النساء لكي يكتبن بحاجة إلى دخل مادي خاص بهن، وإلى غرفة مستقلة ينعزلن فيها للكتابة"، يعد كتاب "غرفة تخص المرء وحده"، هو الكتاب النسوي بامتياز، والذي صورت فيه فرجينيا وولف حال النساء في عصرها بشكل عام، وفيما يخص الأدب والكتابة على الأخص. وكتبته بروح مختلفة عن باقي روايتها التي كانت تميل للكآبة، فجاء هذا الكتاب يحمل بعضا من الخفة والبهجة.

ويحتوي الكتاب على مجموعة مقالات نقدية مستندة إلى محاضرات ألقتها فرجينيا وولف في جامعة كامبيردج، تدور كلها حول تاريخ النساء والأدب.

وبسبب إصاباتها المتعددة بنوبات الإكتئاب ثم عودتها وانتكاساتها مرات أخرى تم توصيف حالة وولف النفسية من قبل طبيبها المعالج بـ "الجنون الاكتئابي" أو "جنون الثرثرة" إذ اعتادت سماع أصوات غريبة، وهنا نصحها طبيبها بالابتعاد نهائيا عن القراءة والدراسة، ولم يقتصر مرض وولف على سماع الأصوات، وإنما امتد إلى الهوس والتخيلات؛ ففي العام 1913 حاولت الانتحار عبر تناول 100 حبة من حبوب الفيرونال ولكنها نجت.

جيوب مثقلة بالحجارة :

بعد البداية المدمرة للحرب العالمية الثانية، وبعد أن انهت روايتها "بين الأعمال" والتي نشرت بعد وفاتها، و في عام 1941، قامت فيرجينيا وولف بملأ جيوب معطفها بالحجارة، والنزول في نهر أوز خلف منزلها، لتلقى حتفها غرقا في عمر التاسعة والخمسين. حيث عاد إليها الاكتئاب شديد الوطء، بعد أن كانت قد نجت منه بشق الأنفس في شبابها، ليستحوذ على ما تبقى من عمرها.

وتركت فيرجينيا وراءها مجموعة من الأعمال الاستثنائية -مذكراتها المحزنة ومقالاتها المبدعة و "أطول رسالة حب في تاريخ الأدب وأكثرهم سحرا" بالإضافة إلى مجموعة من كتب الأطفال غير المشهورة - والعديد من الأصدقاء المكلومين، ودفن زوجها رفاتها تحت علم في حديقة مونكس هاوس في رودميل ساسيكس.

    الاكثر قراءة