الجمعة 28 يونيو 2024

عن إصلاح الإسلام ومكافحة التطرف.. رد على الدكتور جورج فهمى

أخرى4-12-2020 | 10:38

بداية لا بد بتعريف الدكتور جورج فهمي، لمن لا يعرفه، فهو زميل باحث في برنامج اتجاهات الشرق الأوسط التابع لمركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة في معهد الجامعة الأوروبية في فيزول بإيطاليا، وعمل باحثا غير مقيم في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، لبنان 2014 – 2016، وباحثا في المنتدى العربي للبدائل بالقاهرة، مصر 2011 -2014.


في بداية مقالة له منشورة على موقع  chathamhouse.org في 3 نوفمبر 2020، يطرح سؤالا مهما، وهو "لماذا إصلاح الإسلام لمكافحة التطرف العنيف فكرة سيئة"، ومن خلال المقال يحاول الإجابة عنه رغم تقديمه الإجابة التي في طرح السؤال نفسه، ولكن كيف دلل على هذه الإجابة، وفي مقدمة المقال يقول: "إن الفكرة القائلة بأن إصلاح الإسلام ضرورية لمحاربة التطرف العنيف لا تغفل فقط فكرة التطرف العنيف وطبيعة الإسلام نفسه، ولكنها في الواقع تأتي بنتائج عكسية لهذا الهدف بالذات."


ويستطرد فهمي ويقول: "بعد عودة الإرهاب الإسلامي على مدى السنوات الخمس الماضية، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إصلاح الإسلام في فرنسا. يريد أن يبني "إسلام التنوير"، وهو مشروع سيشمل تدريب الأئمة الذي يجمع بين المعرفة بالإسلام وقيم التنوير، فضلاً عن التعليم المتعمق للمفكرين المسلمين التقدميين مثل ابن رشد وابن خلدون من الإسلام. القرنان الثاني عشر والرابع عشر. كما تتزامن خطة الحكومة الفرنسية مع دعوات لإصلاح التقاليد الإسلامية في المجتمعات الإسلامية مثل مصرو السعودية شبه الجزيرة العربية."


وهنا وقع في إشكالية مهمة ألا وهي وضع الإسلام مقابل التنوير حيث يقول نصا: "وهو مشروع سيشمل تدريب الأئمة الذي يجمع بين المعرفة بالإسلام وقيم التنوير"، فهو بهذا ينفي وجود أي قيم تنويرية داخل الإسلام، دون أن يقوم بتعريف عن أي إسلام يتحدث، هل الإسلام السني بمذاهبه أم الإسلام الشيعي بمذاهبه المختلفة، أم عن الإسلام الصوفي بطرقه وأقطابه، أم عن الإسلام الشعبي الذي بمارسه الناس العاديون، أم الإسلام المؤسسي، كل هذه أسئلة لابد من الإجابة عليها قبل الحديث عن الإسلام فليس هناك إسلام واحد، ونقصد هنا ممارسة الإسلام وليس الإسلام نفسه كدين، فهناك بون شاسع بين الدين كدين منزل من السماء، وبين ممارسات الناس لهذا الدين "التدين".


والأهم من ذلك النقطة التي تغيب عن معظم العاملين في حقل الأديان، وإن شئنا الدقة حقل الإسلام السياسي، فالجميع يتخيل أن الإسلام هو دين النبي محمد وحده والمؤمنون به هم المسلمون وحدهم، وهذا طبقا لتعريف الكلمة "أسلم، مسلم" في القرآن الكريم مفهوم خاطئ ففي القرآن كل الأنبياء مسلمون، والدين عند الله الإسلام، والاختلاف في الشرائع فهذا يهودي الشريعة وليس الدين وكذلك المسيحي والمؤمن برسالة محمد.


ومن هنا نسائل الدكتور فهمي، عن أي إسلام تتحدث؟


ثم يستطرد الدكتور فهمي ويقول: "تستند هذه الدعوات إلى الحجة القائلة بأن إصلاح الإسلام ضروري لمحاربة التطرف العنيف. ما يمثل إشكالية هو أن فكرة إصلاح الإسلام لا تغفل فقط النقطة المتعلقة بالتطرف العنيف والطبيعة متعددة البؤر للإسلام نفسه، ولكنها تؤدي إلى نتائج عكسية لهذا الهدف بالذات.


أولاً، تقوم فكرة الإصلاح على افتراضين غير صحيحين حول التطرف. الأول هو افتراض أن الأفكار المستوحاة من الدين هي السبب الرئيسي للتطرف العنيف. في فرنسا، كما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تجريبيا، هناك أبحاث أظهرت أن الأفكار الدينية تلعب دورًا ثانويًا في دفع التطرف العنيف وأن الشباب الذين ينضمون إلى الجماعات العنيفة يتبنون أفكارًا دينية راديكالية فقط بعد التطرف السابق بسبب الظروف السياسية والاجتماعية."


وحول هذه النقطة أخطأ الدكتور فهمي أيضا، فالتطرف الديني ليس فقط وليد الظروف الاجتماعية والسياسية التي يعيشها الفرد، بدليل بسيط أن معظم عناصر الجماعات المتطرفة في مصر منذ الستينيات وحتى الآن من أبناء الطبقة المتوسطة والعليا، وأكبر أمثلة على ذلك أيمن الظواهري وعبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وخيرت الشاطر والمثال الصارخ الذي يهدم فرضية الدكتور فهمي أسامة بن لادن وأعتقد أنه يعلم من هو "بن لادن".


الافتراض الثاني غير الصحيح هو الخلط بين التحريض على العنف ووجهات النظر الدينية المحافظة، ولا سيما تلك الخاصة بالحركة السلفية. بينما يشترك السلفيون في تفسير ديني للإسلام يتحدى العديد من القيم الليبرالية، مثل المساواة بين الجنسين وحقوق الأقليات، فإنهم لا يدعمون بالضرورة استخدام العنف لتعزيز آرائهم. ينقسم السلفيون إلى ثلاث فصائل رئيسية: الأصوليون والسياسيون والجهاديون. فقط الجهاديون السلفيون هم من يطالبون بحمل السلاح لتعزيز أفكارهم الدينية. تتجلى خطوط الصدع هذه في مصر حيث شن الجهاديون السلفيون حربًا ضد النظام المصري بينما ظل السلفيون الأصوليون والسياسيون داعمين للحكومة.


وهذا الافتراض الذي يقدمه الدكتور فهمي أكثر خطورة من الافتراض السابق، فليس هناك فصيل سلفي لا يحرض على العنف وأدعوه لمراجعة فيديوهات ياسر برهامي وإسماعيل المقدم ويعقوب والحويني وسعيد عبد العظيم وغيرهم، فهؤلاء يصدرون الفتاوى التي تحرض على العنف لتكون المبرر الديني للفصائل الجهادية لارتكاب مذابحهم وتنفيذ عملياتهم الإجرامية في حق الشعوب، وعليك أيضا مراجعة فتاوى القرضاوي والعثيمين وابن باز وغيرهم كثر، وليس هناك سلفيون أصوليون داعمين للحكومة بشكل ما حتى لو كانت تصريحاتهم أمام الإعلام تقول بإنهم يدعمون الحكومة، فهم يصدرون فتاوى التطرف والفتنة الطائفية والإقصاء طوال الوقت وأدعوك لمراجعة موقف هذه الفصائل من الأقباط والمرأة ومسألة الحكم، مثال بسيط من كل حالة لعنصر واحد من هذه العناصر هو ياسر برهامي فقد حرم الولاية للمرأة والقبطي، وحرم تهنأة الأقباط بأعيادهم، وتجديد كنائسهم، وفي مسألة الحكم فهو يحرم الدستور والمجالس النيابية والعمل في الشرطة والجيش... إلخ، وأزيدك من البيت شعرا يتفق التيار السلفي مع اختلاف فصائله مع هذه الفتاوى وعلى رأسهم سعيد رسلان الذي يؤيد الدولة كل جمعة من فوق المنبر.


يقول الدكتور جورج: "ثانيًا، الدعوات إلى الإصلاح الديني تسيئ تفسير الإسلام على أنه عقيدة واحدة يمكن للنخب السياسية تشكيلها وفقًا لاحتياجاتهم وأهوائهم. لكن الإسلام، مثل التقاليد الدينية الأخرى، متعدد البؤر. لطالما كانت الكتب المقدسة، الإسلامية أو غير الإسلامية، موضع خلاف وتفسيرات متنافسة. يتميز المجال الديني الإسلامي بتنوع الأفكار والهياكل التنظيمية، مما يجعل من المستحيل فرض نسخة موحدة من الإسلام. كثيراً ما باءت بالفشل محاولات مؤسسات الدولة على مدى القرنين الماضيين لخلق نسخ خاصة بها من الإسلام."


ومع هذه الفرضية لنا وقفة مهمة، فهناك فارق جوهري بين العقيدة والفقه، العقيدة لا خلاف عليها وليست متعددة البؤر كما تظن، بل الجميع يتفق عليها وهي الإيمان بالله وكتبه ورسله والقدر خيره وشره واليوم الآخر، أما الفقه فهناك مدارس متعددة ومذاهب مختلفة بينها صراع مستمر وهذا في كل الأديان، وهذا هو الفهم الخاص للدين أو إن شئنا قلنا التدين، وهذا معك الحق فيه يستحيل أن يكون هناك تفسير واحد أو فقه واحد يلتزم به الجميع، ولكن يا دكتور فهمي اتفق هذا الفقه على أصول خمسة يدور حولها حفظ النفس والعقل والدين والمال والعرض، فلا يكاد يختلف أحد حول هذه المقاصد الكلية للشريعة وأعتقد أيضا أنه أي نظام فكري أو فقهي أو سمه ما شئت يحاف على هذه العناصر هو يطابق بشكل كبير جدا ميثاق حقوق الإنسان ومبادئ الليبرالية والعلمانية والجمهورية الفرنسية نفسها.


ومن هنا يصبح الإصلاح ضرورة لأن هذه الجماعات استندت على فتاوى تم إصدارها في سياقات تاريخية واجتماعية معينة، وقامت بإلغاء الزمن واستحضرتها لتطبقها علينا الآن، ولعلمكم والآخرين أن الفتوى ليست ثابتة، وليست معلقة في الفضاء، فهي مرهونة بحدث وبزمن ومكان معين، ولتنظر لتعدد المذاهب الفقهية الذي يتخذه البعض بأنه اختلاف ومغايرة، وحين الدراسة والبحث يتضح أنه تطور للفتوى أو للفهم حسب سياقات مغايرة وأقرب مثال على هذا فقه الإمام الشافعي الذي اختلف من العراق إلى مصر وسمي فقهه في العراق القديم ومذهبه في مصر الجديد، والذي اختلف باختلاف السياق الاجتماعي والأعراف للبلد الذي انتقل إليه عن البلد الذي جاء منه.


وآخر النقاط التي يتحدث عنها الدكتور جورج: "ثالثًا، تأتي الدعوات إلى الإصلاح بنتائج عكسية على الجهود التي تسعى إلى الحد من التطرف والتطرف العنيف. بناءً على النقطة السابقة، لا ينبغي فرض "إسلام التنوير" على المسلمين في فرنسا أو في أي مكان آخر باعتباره "النسخة الصحيحة من الإسلام". إذا أُجبرت السلطات الدينية على فرض نسخة من الإسلام تجيزها الدولة على مجتمعاتها، فإنها تخاطر بأن يُنظر إليها على أنها مجرد أبواق للدولة، الأمر الذي من شأنه أن يضر بشدة بشرعيتها ويمنح الجهات الراديكالية فرصة لكسب المزيد من الأرض لتعزيز قضيتهم."، وردا على هذه الفرضية، لم يطالب أحد بتدشين نسخة واحدة للإسلام ولا فهم واحد لكتاب الإسلام المقدس، ولكن النقطة الجوهرية التي يتحدث عنها الجميع أن هناك فارق كبير بين الدين والتدين، وأن هذا الأخير علاقة خاصة جدا بين الفرد وربه، ليس من حق أحد التدخل فيها، الإشكالية الأساسية التي يدور حولها الجميع هي فرض الوصاية من هؤلاء المتطرفون على المجتمعات التي يعيشون فيها، وهم امتلاك الحقيقة، وأنهم الوحيدون المخول لهم إصدار الأحكام، رغم أن كل هذه الأوهام ينفيها القرآن الكتاب المقدس عندهم، أما مسألة الأبواق للدولة وهذه الشعارات التي ترفعها وتروج لها الجماعات لا يهتم الشارع بها كثيرا، ففي القرى والنجوع يعرف الناس بعضهم البعض وإمام المسجد غالبا ما يكون ابنًا من أبناء القرية أو الحي أو المنطقة، وتجربة تونس في منع الناس الدعاة الذين اعتادوا الثناء على بن علي من دخول المساجد، لماذا لم تحدث في مصر مثلا؟


وختاما: ليس المقصود إصلاح الإسلام كما يروج البعض، ولا عمل نسخة واحدة يلتزم بها الجميع، كل المطلوب إعمال العقل في هذا التراث بالنقد والنقض إن لزم، فالتراث الإنساني إنتاج بشري من حقنا مناقشته ونقده ونقضه إن لزم الأمر، وللمجتهد المخطئ أجر وللمصيب أجران، في النهاية كلها آراء حول الإسلام، ليست هي الإسلام وكلٌ يصيب ويخطئ، ومن هنا تكون أنسنة الدين، وتحقيق مقاصد الشريعة التي تحدثنا عنها فهذه المقاصد تدور حول الإنسان، الدين أحد مكوناته.