الأربعاء 5 يونيو 2024

تحت شعار حولوا العالم إلى برتقالي.. رولا عادل تكتب: لا مكان للهروب

فن5-12-2020 | 18:22

بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، بدأت فعالياته في 25 من نوفمبر الجاري وتستمر لمدة 16 يوم تحت شعار "حولوا العالم إلى البرتقالي".

"تنشر الهلال اليوم"، عددًا من المقالات الصحفية لمبدعات يُقدمن شهادتهن حول ما تتعرض له المرأة من أشكال عنف في المجتمعات العربية.

لا مكان للهروب

تدشّن الأمم المتحدة في الخامس والعشرين من نوفمبر في كل عام، يومًا عالميا لمناهضة كل أنواع ممارسات العنف ضد المرأة، استنفارًا للوعي الذي يحاول تجاهل الأمر طوال العام واعتبار الأزمة شيئا من طبائع الأمور، خاصة في الشرق الأوسط الذي ترتبط فيه أشكال العنف ضد المرأة إما بالعادات والتقاليد التي تبجّل الرجل أو بظاهر الدين الذي يفسّر القوامة على غير حالها تفسيرًا مبتذلًا مانحًا الرجل حق التربية والتهذيب والإصلاح.

عام مختلف في مجمله.. لا تختلف تفاصيله

 وإن اختلف هذا العام في مجمله بحضور طيف وباء كوفيد-19 المستحدث، فقد تغيّرت تفاصيله بالتبعية، وامتدت عبر الشهور الماضية موجة متزايدة من العنف المنزلي الممارس ضد النساء نظرًا لظروف الحظر المنزلي وسوء الأحوال الاقتصادية، فلا مكان حرفيًّا للهروب، وقد سجلت خطوط الإغاثة من العنف المنزلي مقدارًا يزيد بخمس أضعاف عن المكالمات الطارئة الواردة في الظروف العادية. لهذا قررت الأمم المتحدة هذا العام مدّ طيف التوعية ضد العنف الممارس ضد النساء حتى يوم العاشر من ديسمبر والذي يتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان.

 يحدث للجميع ولكن..

تعلو النبرة المدافعة في كل مرّة يثار فيها الأمر، بأن هذا أمر غير عادي -ربما- ولكنه يحدث للجميع، وأن حوادث العنف ضد النساء لا تقتصر على الشرق الأوسط، غير أن المشكلة دائمًا في قدر التعامل مع الأمر واستهجانه أو اعتباره من طبائع الأمور، فبينما يستهجن الغرب تلك الحوادث ويتعامل معها بجدّية تامة، ترتفع في الشرق الأوسط نبرة متخاذلة إلا قليلًا تعزو الأمر في كثير من الأحيان لخطأ لابد وأن تكون مارسته الضحية، وتتصارع التناقضات ما بين ما يبدو استهجانًا في ظاهره وتصريح لا يجتهد مطلقه حتى في اخفاؤه محاولًا البحث عن سبب للعنف، إثارة المرأة للرجل في حالة التحرّش، أو إثارتها لغضبه في حالات العنف.. تناقض صريح يعطي للرجل الحق الواعي في العقاب، وينزع عنه كل وعي في ردود أفعاله، فاعل قيّم ومفعول به مستحقّ لكل عذر.

الأدب مرآة الحياة..

غربًا

  يعرف قارئو الأدب ارتباطًا وثيقًا بين سيرة العنف الممارس ضد النساء و"سلسلة الألفية" التي كتبها المؤلف السويدي "ستيج لارسون"، والتي صدر منها أربعة أجزاء حتى الآن. توفّى "لارسون" تاركًا ورائه ثلاث مخطوطات تحمل محتوى الروايات والتي نشرت بعد وفاته، وجزء رابعًا غير مكتمل، ونبذات مختصرة عن جزءين آخرين حتى السادس. تأثر "لارسون" بأدب الروايات البوليسية والجريمة الأمريكية والبريطانية. تفرّغ "لارسون" قبل وفاته لكتابة السلسلة بأثر من حادث اغتصاب جماعي لفتاة شهده بينما كان في الخامسة عشرة من عمره، الأمّر الذي أثار لديه إحساسًا وشعورًا شخصيًا بالانزعاج من كل ما يخص العنف ضد المرأة بداية من أقل إشارات المعاملة السيئة وحتى الاستغلال الجنسي بمفهومه الواضح.

 تحكي الرواية عن لغز يبحث عن حلّه الصحفي "ميكائيل بلومكفست"، الذي خسر قضية نزاع وتشهير ضد مافيا تجارية فضحها من خلال تحقيق صحفي، يتلقى "بلومكفست" عرضًا من رجل ثري بالتحقيق في قضية اختفاء أحد أفراد عائلته، "هارييت" قريبته الغالية، مع وعد بمكافأة مالية ضخمة ومستندات تدعّم قضيته ضد المافيا التي خسر النزاع ضدّها لقلة توافر الأدلة. يقترح الرجل الثري الحزين على الصحافي الاستعانة بـ "ليزابيث"  الفتاة التي قرر مؤخرًا رعايتها، لثقته في قدراتها الاستقصائية ولتاريخها المزعج في الاستغلال الجنسي من وصيّها الشرعي.

تدور أحداث الرواية البديعة بتفاصيل دقيقة للغاية عن عالم المافيا التجارية وتاريخ الاستغلال الجنسي التابع دائمًا لممارسات من العنف ضد النساء في العمل والمنزل على حد سواء، أقرباء وغرباء، وحتى لحظة حلّ اللغز وتتبع أثر "هارييت" ومصيرها.

شرقًا

وكما أخبرنا.. ورغمًا عن الشائع عن فكرة العنف ضد النساء، من كونها تتعلق بالأذى الجسدي أو البدني، بينما هو في الحقيقة يتعدى ذلك في إشارة للأفعال التي تمارس ضد النساء بشكل متعمد أو استثنائي، ذلك أن العنف الموجّه ضد الأنثى يمتد ليطال الإساءة النفسية والاضطهاد والمؤدي في غالبية الأحوال في النهاية حتى يطال جسدها. في روايتها الأشهر "الباب المفتوح"، تحكي "لطيفة الزيات" عن "ليلى" الفتاة الذكية التي تخفي حبّها للحرية وتمارس دورها الخنوع على مضض، خوفًا من الأب المسيطر الذي يمارس عنفًا عليها واضطهادًا بالنظرة المرعبة المربكة التي تجعلها تفكّر ألف مرّة قبل أن تهبّ لنجدة نفسها فلا مُنقذ هنا ولا مغيث.

تجري الرواية في زمن الخمسينات من القرن الماضي وتصوّر حال المرأة الهاربة من همّ لـ همّ، التي يأست من عقلها جالب الوبال فقررت في بعض لحظات ترك مصيرها لهؤلاء الذين يصرّون أنهم على وعي بقدرها ومصلحتها أكثر منها، تعاني "ليلى" على طول الرواية من اضطهاد وعنف لا ينتهي، وتتقاذفها رياح النقد والتقريع ومآسي الوصاية. قدّم هنري بركات الرواية في فيلم سينمائي علم 1963 من بطولة فاتن حمامة، وفاز الفيلم بجائزتي أفضل فيلم وأفضل ممثلة في مهرجان جاكرتا السينمائي.

 عقبات ضد جهود منع العنف

على طول وكثرة المحاولات المبذولة من المؤسسات العالمية أو المحلية داخل حدود الدول، لا تزال قضايا استهجان العنف ضد المرأة تعاني من عقبات عديدة، يبرز أهمها في فكرة قلة المعلومات والبيانات الواضحة حول قدر العنف وتفاصيله، ويعود ذلك لتفادي الضحايا الإبلاغ عن حوادث العنف بتحريض من المعايير الاجتماعية وحساسية الأمر وقدر العار الذي يطالها، الخوف هنا هو العقبة الرئيسية، والمتلازمة الشهيرة بتحويل الاتهام في اتجاه الضحية، لذلك لا تخلو حملات مناهضة العنف ضد النساء، من برامج توعية للنساء تشجيعًا ومؤازرة لهن بضرورة الإبلاغ والتحدث عن الأمر ونفي فكرة العار، وحتى توفير ملاجئ آمنة لاحتواء ضحايا العنف، المجبرات على احتماله أحيانًا بدوافع اقتصادية أو اجتماعية.

عقبة أصيلة أخرى تواجه القضية وهي قلة وعي الضحايا بالقوانين المؤازرة لهن، ففي عالم تحكمه التقاليد في العالم الثالث مثلًا، تتصدى القوانين في الغالب لقضايا الخلافات الجنائية بين الأغراب، بينما سجلت بعض البيانات الموثوقة تخاذلًا من جهات التحقيق حينما يتعلق الأمر مثلًا بالعنف المنزلي، باعتبارها أمورًا اجتماعية يمكن تسويتها بالجلسات العرفية وما شابه. ناهيك عن القناعة السائدة كما ذكرنا بكون القانون لا يتحرّك حقًا إلا في حالة ثبوت أدلة على الإيذاء الجسدي لتحويل القضية إلى جناية ومن ثم اتخاذ بقية الإجراءات لتعويض المجني عليها، بينما تتراكم الحالات التي لا تظهر آثار الأذى إلا على أرواحهن.

في النهاية لا يسعنا سوى التذكير بضرورة التوعية بجرم العنف الموجّه ضد المرأة بكافة أشكاله وتجريمه، ولو مجتمعيًا، فتلك هي الخطوة الأولى الأساسية، قبول الضحية والتصديق في حقّها بالعيش في مجتمع آمن، تؤدي واجباتها، وحين يأتي أوان الحقوق فعلى المجتمع أن يلبّى النداء.