السبت 1 يونيو 2024

جون ميلتون.. ملحمة السقوط وعودة الفردوس

فن9-12-2020 | 16:13


يعتبر جون ميلتون أشهر وأهم شعراء الأدب الإنجليزي، حيث ولد في عام 1608، وتوفي عام 1674، وهو صاحب الملحمة الشعرية "الفردوس المفقود"، التي لا نظير لها في الأدب الإنجليزي كله. 


قدم ميلتون العديد من الأعمال الأدبية والتي نذكر منها، لالكرو، المفكر، كوموس، ليسيداس، في المذبحة الأخيرة، الفردوس المفقود، الفردوس المُسترد، شمشون الجبار


ميلتون كان مغرماً بالحرية ولذلك أثر كبير على كتاباته، حيث كان دائم القول بإن الكفاح من أجل الحرية يتمثل في التمرد، كما إنه من المؤثرين وبشدة في بداية تبلور الفكر الليبرالي. 


وفي هذا السياق يذكر لنا الباحثين عماد أفروغ وعبد الرازق الجابري في كتابهما "نقد السلطة من منظور أخلاقي"، إن چون ميلتون ساهم في تبلور الفكر الليبرالي من خلال أقوالاً تدافع عن حرية الصحافة وحرية الفكر بشكل عام.


ولنشأة ميلتون الدينية أيضاً تأثير أكبر على كتاباته فمعظم إنتاجه الأدبي قدمه من منظور ديني كملحمته الفردوس المفقود والفردوس المُسترد وغيرهم ووظف هذا المنظور أيضاً لمواجهة الظلام المُسيطر وقتها في عصره حيث هيمنة الكنيسة على الدولة والشعب.


ولا شك أيضاً أن رحلته إلى إيطاليا كان لها أبلغ الأثر في نضوجه الأدبي، فلم يكن ميلتون مجرد زائر جاء لكي يستمتع بجزء من وقته في ربوع هذه البلاد ولكنه كان أشبه ما يكون بسفير لثقافته. وقد كان محظوظا أكثر من أي مسافر آخر لأنه كانت لديه القدرة على التحدث بطلاقة باللغة اللاتينية مما أتاح له فرصة ذهبية للاحتكاك بالأدباء والفنانين والإيطاليين، حيث شارك في كثير من المناقشات الفلسفية والأدبية التي كانت تدور رحاها في ذلك الوقت.


الفردوس المفقود، ملحمة ميلتون الأروع على الإطلاق وهي ملحمة شعرية كتبها في عام 1667. في عشر كتب وتبعها الطبعة الثانية عام 1674 حيث اعيد تقسيمها في اثنتى عشر كتابا (بطريقة تقسيم إنياذة فيرجيل) مع بعض التنقيحات البسيطة والملاحظة على طريقة نظم الشعر


الفردوس المفقود" تحكي قصة الشيطان وهبوط آدم وحواء، وتدور في محورين سرديين، الأول عن الشيطان (لوسيفر) ويله آدم وحواء، تبدأ بعد هزيمة الشيطان والملائكة المتمردين الآخرين وعقابهم في النار، أو كما يطلق عليها في القصيدة تارتاروس، وفي پاندايمونيوم (عاصمة جنهم)، يستخدم الشيطان مهاراته البلاغية لتنظيم أتباعه؛ بمساعدة مامون وبعلزبول. بليعال ومولوخ موجودون في القصة أيضاً. 


في نهاية النقاش، يتوجه متطوعو الشيطان لتسميم الأرض حديثة الخلق والمخلوق الجديد والمفضل لدى الله،وهو الإنسان. -وتقوم القصيدة بمكافحة العديد من القضايا اللاهوتية الصعبة ومنها المصير، الاقدار والثالوث. وقد قام ميلتون بدمج الوثنية مع الإشارات اليونانية والكلاسيكية من خلال هذه القصة، وهو من اشد المعجبين بالكلاسيكين ولكنه عزم من خلال هذه القصة ان يعمل على افاقتهم مما هم فيه.

 

وفي دراسة تحليلية للباحث عبدالله عامر يقول: "شيطان ميلتون في الفردوس المفقود" قال إن بعض النقاد رأوا أن ميلتون قد تعاطف مع الشيطان في هذا العمل إلى حد ما، وواحدة من أكثر الأمور التي تضرب لنا في البطوله مثلاً في الشعر الملحمي هو اسلوب الحض والتحفيز الذي يتبعه القائد مع اتباعه، وفي الفردوس المفقود نجد الشيطان واقفاً علي روؤس أتباعه مظهراً لامبالاته بما حاق بهم من أهوال علي أثر السقوط العظيم فهو فقط ينظر إلى الأمور من جهة انه أول من سن سنة الخروج علي الله والثوره علي ملكه".


الكتاب الأول، في الفردوس المفقود، جملة طويلة افتتاحية يتضرع فيها الشاعرو يذكر غرضه و هو سقوط الإنسان و هدفه هو تبرير طرق الله للناس أما الشيطان و الملائكة الأخرى الثائرة تم وصفهم بأنهم يستلقون على بحيرة نار من حيث يرتفع الشيطان و يدعى أن الجحيم هى ملكيته الخاصة مخاطباً اتباعه بعبارات حماسية قائلاً إنه من الأفضل لهم الخلود في النار عن الخدمة في السماء.


والكتاب الأخير الثانى عشر و قبل خروج آدم و حواء من الجنة قام ميكائيل بإخبار آدم بموعد المجىء النهائى للسيد المسيح . ويختم ملحمته بجملة "لقد كان هذا العالم كله أمامهم حيث اختاروا مكان اقامتهم و طريق رشدهم و تعاونا بخطى بطيئة لكنها سديدة و من جنة عدن اخذوا طريقهم الماسى"

 -يبلغ طول الملحمة 10565 سطرا وترجمها كاملة الدكتور "محمد عناني" ونشرها مشروع كلمة في أبوظبي. كما طبعتها الدار المــــصرية اللبنـــانية بإذن من مشروع كلمة. وصدرت منها طبعة فخـــمة بســـعر زهيد لم يتجاوز الدولارين في مشروع مكتبة الأسرة، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.   


الفردوس المُسترد، نُشرت لأول مرة في 20 سبتمبر 1671. ظهر معها في نفس الكتاب مسرحية عذاب شمشون. الفردوس المسترد ترتبط اسمياً بملحمته التي ذكرناها والتي تشاركها نفس الخط العقائدي،لكنها لم تكن في مثيلة الفردوس المفقود. وهي تكملة لها حيث أن ميلتون ذكر فيها كلماته الشهيرة على لسان المسيح "الآن انتقمت لآدم المغدور به، وبالتغلب على الإغراء استعدت الفردوس المفقود.


وفي نفس الصدد الديني ألف "ميلتون" بين عامي 1641-1642 خمسة أجزاء عن إصلاح حكومة الكنيسة؛ حيث يدرس أحد هذه الأجزاء الإصلاح، التغييرات التاريخية في كنيسة إنجلترا منذ نشأتها في عهد الملك هنري الثامن، كما ينتقد التشابه المستمر بين كنيسة إنجلترا والكنيسة الكاثوليكية الرومانية، خاصة التسلسل الهرمي في الحكومة الكنسية.