الخميس 2 مايو 2024

متعة البصر.. واستعادة البصيرة

أخرى13-12-2020 | 20:01

بات لافتا أمام العيون وحاضرا في الأذهان متجسدا عودة البريق للعمارة القديمة في أحياء القاهرة التاريخية التي كانت شوارعها شاهدة على عصر من الجمال تاه وسط سنوات من الإهمال حتى بات القبح والعشوائية تسيطر على روح ساكنيها الذين كانوا يتخبطون في تصرفات فردية ليس لها عنوان أو فلسفة تجاهل صانعها تاريخ القاهرة التي كانت من أرقي وأجمل المدن عالميا.

إن النظر إلى تلك الحركة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي - الذي طالب بتوسيع نطاق جهود تطوير مناطق وأحياء القاهرة على نحو متكامل لبلورة تصور دقيق في هذا الخصوص لكافة التفاصيل الإنشائية والهندسية والاجتماعية والمالية – باعتبار أنها مجرد إعادة ترميم لأبنية جار عليها الزمن أو تجميل لمساحات سيكون اختصارا مخلا لفلسفة أعمق وهي إعادة ترميم بناء الإنسان المصري واستعادة الروح التي كانت تبني وتخطط في إطار وعلى خلفية من موروث حضاري يجب أن يكون امتدادا لهذا التاريخ الكبير.

لقد كانت القاهرة التاريخية مساحة وقطعة تفوح بالجمال وكانت المقصد الأول لكل المصريين لغسل أرواحهم وأبصارهم من قبح العشوائيات التي فرضها غياب التخطيط لاستيعاب النمو السكاني إن المتجول اليوم بأحياء القاهرة القديمة وهو يشاهد أعمال التطوير التي تواكب مع إنشاء عاصمة جديدة تؤكد إيمان الدولة بإعادة الهوية لشوارعنا لتعود منطقة وسط القاهرة وغيرها إلى موقعها الطبيعي كواحدة من أهم مراكز المدن في المنطقة وجزء مهم من الذاكرة المصرية.

 إن ثمن تعزيز شعور المواطن بالفخر ببلاده والانتماء لها رخيص مهما غلا فكافة التشوهات التي لحقت بها يجب أن تكون مجرد ذكرى غير جميلة عاشها المصريون دون التعمق في أسبابها أو الاستغراق في جلد الذات فنحن أمام لوحة كبيرة يعاد إليها بريقها في إطار شامل عنوانه بناء الدولة المدنية الحديثة ليجتمع في سياق واحد عراقة ماض راسخ وحداثة عصر حاضر.

لقد امتلأت فخرا واستشعرت نفسي مهابة حين مررت بمبنى محكمة عابدين حيث عاد المبني إلى سابق عهده معبرا عن شموخ القضاء المصري ومهابته ليشرق على المارين به ملهما إياهم روح الأمل وأن المصريين قادرون على استعادة عظمتهم مهما ضاقت بهم السبل أو تكالب عليهم المغرضون.

إن حلم شروق شمس القاهرة التاريخية والتي تقدر مساحتها بـ 32 كيلو مترا مربعا، وهى منطقة مقيدة ضمن قائمة التراث العالمى من قبل اليونسكو منذ عام 1979 بات حقيقة تسير في إطار محكم للتعامل مع كل الظواهر السلبية التي ألمت بها بل تعظيم القيمة الاقتصادية منها التي ستكون بلا شك إضافة للسياحة المصرية والدخل القومي منها.

ومن المهم أن يكون هذا التطور المعماري في مسار لصيق مع تطور في الوعي المجتمعي لسكان تلك المناطق وأن يكون المواطن شريكا في الحفاظ على ما يتم عبر تغيير حقيقي في سلوكه وذلك بنشر مفاهيم العمارة الصديقة للبيئة وأهمية استغلال الفراغات وإنشاء أسواق حضارية بديلة لتلك العشوائية وإن حققنا ذلك فقد أرسينا نوعا من الاستدامة المطلوبة حتى لا نهدر ما جري ويجري على أرض الواقع ليكون لنا حلقة تواصل بين مراحل نمو القاهرة التاريخية نستطيع من خلالها خلق قيمة مضافة اقتصادية عبر مجموعة من الأنشطة الفنية والثقافية والحرف والنمو التجارى والسياحة وفعاليات الترفيه.

إن ميادين مصر التي أراد لها البعض أن تكون منطلقا للتدمير والتخريب تحولت إلى شواهد على قدرة المصريين على صنع الحياة وإحياء حضارة ظن البعض أن شمسها ستغيب لكنها عادت وبقوة وسط قناعة وإرادة لا تلين بتصحيح الماضي المجيد وصنع الحاضر الواعد وتأسيس المستقبل المنتظر.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa