علم الاقتصاد السياسى، ليس مُوغلاً فى القِدَم،
إنما ارتبط ظهوره عمليًا مع بزوغ المرحلة الأولى من الثورة الصناعية فى أوروبا مع
بدايات القرن التاسع عشر، حيث كانت التطورات الصناعية الهائلة التى خلفتها ثورة البُخار
أو الثورة الصناعية الأولى تقتضى أن تكون هناك مفاهيم علمية لها خلفية ثابتة من
ضوابط ومفاهيم اجتماعية واضحة.
وبنهاية الحرب العالمية الثانية عام
1945، ظهر فى النظام الاقتصادى العالمى فرع يسمى "اقتصاديات التنمية"،
الذى ينصبّ فى الأصل على ذلك الجزء المعروف من العالم باسم العالم الثالث، الذى يضم
غالبية شعوب القارات الثلاث: آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وأن السمة الغالبة
بينهم هى انخفاض مستوى الدخل.
وبدأت فى تلك الحقبة، ما بعد الحرب
العالمية الثانية، وما تلاها أن تقوم المؤسسات المالية العالمية ومعها الدول
الصناعية الكبرى فى تقييم الدول النامية، وإطلاق برامج الإصلاح الاقتصادى فى دول
العالم الثالث؛ باعتبارها جزء من المنظومة الاقتصادية العالمية.
وذلك بالاتجاه نحو آليات السوق الحرة
وتحرير سعر الصرف وتشجيع نشاطات القطاع الخاص، والكفّ عن تدخل الدولة فى الاقتصاد
كأداة إنتاج؛ وهذا المنطق الاقتصادى – الليبرالى - لا يعنى مطلقًا إلغاء دور الدولة
فى الحياة الاقتصادية، بل إن الدولة وفق هذا التقييم عليها المعول الأكبر فى اتخاذ
السياسات الاقتصادية المناسبة لحماية الاستقرار المالى والاقتصادى من خلال الرقابة
والإشراف بموالاة حازمة ودقيقة، وبما لا يعرقل حرية الأسواق ولا تتحول الحكومة ليد
غليظة تضيق الخناق على متنفسها الضرورى، ما نستنج منه أن: مقتضيات المرحلة التى تمر
بها الدولة، تصوغ الرؤية الاقتصادية المستقبلية للدولة.
والرؤية الاقتصادية لا تنفصل عن آليات
ومقتضيات السياسة العامة للدولة، ومن ثم فالتشريع - بالضرورة - يأتى فى مقدمة
الآليات التى تمتلكها الدولة؛ لإنفاذ وإعمال المنهج الاقتصادى الذى يحقق لها - وفق
رؤيتها - الاستغلال الأمثل لمواردها وتحقيق القدر الأكبر من الرفاهية للمواطنين.
ومؤخرًا وقامت الحكومة المصرية باتباع
حزمة قرارات اقتصادية، تدخل فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى "روشتة"
من البنك الدولي؛ يستهدف النهوض بمستوى الاقتصاد ونسب التنمية الاقتصادية ورفع دخل
المواطن؛ وعليه فالعلاقة القائمة على التفاهم والتنسيق بين كل من المؤسسات
السياسية والمؤسسات الاقتصادية تمثل جوهر الإسهام الرئيسى فى تطور المجتمع.
وقامت الدولة بإصدار التشريعات
الاقتصادية الأخيرة التى كانت بمثابة إلقاء الحجر الذى حرك المياه الراكدة، من
خلال وعى حكومى، وفهم تشريعى كامل بحقيقة موقفنا من العالم، وما يجب توخيه واقتفاء
أثره بالضرورة؛ للحاق بالركب الحضارى الراكض بلا هوادة، وتحقيق الوثبات التنموية
الهائلة فى شتى المجالات ومن ثَم يأتى معيار نجاح أى دولة فى النجاح فى مساحة
التناغم بين القرار السياسى والضرورة الاقتصادية.