الإثنين 29 ابريل 2024

"فتاة العتبة.. حكاية لها العجب"

أخرى21-12-2020 | 17:22

في ليلة رمضانية صاخبة اجتمع فيها كل أنواع مناسبات الزحام في عام 1412 هـ في سنة 1992م.

زحام العتبة

زحام موقف الأتوبيس الرئيسي

زحام آواخر رمضان

زحام الخميس ليلا

زحام  خط 17 "عتبة ــ بولاق الدكرور"

زحام المواعيد الأخيرة للموصلات العامة

اجتمعت هذه الزحامات معا، لتشهد واحدة من أشهر الجرائم التى وقعت في بر مصر، وكنت يومئذ محررا تحت التمرين في قسم الحوادث والقضايا بالأهرام، وكنت مكلفا بسهرة الطبعتين الثانية والثالثة للأهرام عدد الجمعة، حيث كانت عقارب الساعة تدور حول منتصف الليل، عندما تلقى الزميل الأستاذ هشام الزيني الصحفي المختص بمتابعة أخبار مديرية أمن القاهرة، مكالمة تليفونية بأن هناك حادث اغتصاب جماعي وعلنى في العتبة!.

ياليلة كحل!


وفورًا، أجرى اتصالا بمأمور قسم الموسكي التابع له ميدان العتبة وكان اسمه على ما أذكر العقيد محمد عيسى الذى قرر بأنه بالفعل، حضر إلى ديوان القسم، مجموعة من الأهالى بصحبة أمين شرطة بالبحث الجنائي اسمه صلاح حلمى، وقد أوسعوا شابين ضربا من موقف الأتوبيسات وحتى مقر القسم القريب من مكان الواقعة.


والوصف كالتالى:

 "الفتاة كانت واقفة في موقف الأتوبيس، تنظر مع عشرات المنتظرين وصول الأتوبيس مع أمها وشقيقتيها، وبمجرد محاولة صعودها الأتوبيس حين دخوله الموقف والعشرات يركضون تجاهه، التف حولها عدد من الشباب وأسقطوها أرضا ومزقوا ملابسها وعروها تماما وتناوبوا اغتصابها اغتصابا كاملا أمام كل الناس".


هذه الرواية التى ترددت ولفّت مصر كلها، فيها مبالغة فائقة، وما زال هناك من يرددها حتى الآن، لكن ما حدث على غير ما تم تداوله، وكنت أسمعه في كل مكان، ولكن حذار إذا ما انتشرت قصة أنت تعلم حقيقتها، أن تواجه الناس بهذه الحقيقة لأنك ستصدمهم ولن يصدقوك، بل وسيتهموك بالتضليل والكذب على عادة الصحافة!.


فما حدث وثبت بعد ذلك، غير ما اشتهر على الألسنة، وأكذب ما فيه أنهم "جردوا الفتاة من ملابسها تماما واغتصبوها جهارا نهارا".


فالجريمة "وهي جريمة حقيرة طبعا بلا مراء" لم تقع بالنهار، ولم تكن اغتصابا، ولم يتم تجريدها من ملابسها تماما كما تردد، لكن الذي حدث هو أن الفتاة كانت تهم بركوب الأتوبيس، وسط الحالة الهمجية التى كانت تصيب الركاب في النزول والخروج من جراء تدافع وزحام وصياح، فلم يكن أيامها غير الأتوبيس العام كوسيلة مواصلات رئيسة لغالب طبقات الشعب، فحتى الميكروباص لم يكن بالكثافة ولا الانتشار الذى حدث بعد ذلك، وكانت المواصلات تنقطع تماما بعد منتصف الليل، ولا يبق غير التاكسي وبالطبع لن تغامر السيدة والدة الفتاة بأن تركب تاكسيا بالشيء الفلانى، كما أن التاكسي قد لايوافق على توصيلها لشارع ناهيا في بولاق الدكرور في مثل هذه الأوقات المتأخرة.


فكان لابد من خوض غمار التسابق نحو ركوب الأتوبيس، لأنه الميعاد الأخير أو قبل الأخير، لكن الزحمة فرقت بين الفتاة وأمها وشقيتيها على أمل بأن يجتمعا معا في طرقة الأتوبيس الضيقة، وربما يسعدها الحظ وتفوز في تزاحمها بمقعد تحجزه لحين صعود الباقي، لكن التدافع كان شديدا بين النازلين والصاعدين، فأحست الفتاة بشخص يلتصق بها على عادة ما كان يحدث في الأتوبيسات، حيث كانت ظاهرة التحرش تحت اسم "التدقير" منتشرة انتشارا مرعبا في الأتوبيسات، خاصة الخطوط المشهورة بالزحام.


وتذكر أن الأتوبيس من بولاق الدكرور إلى العتبة!.


ولما فشلت الفتاة في التفلت من الكائن "المدقراتى" حيث لم يكن قد ظهر مصطلح "التحرش" فاتجهت إلى الباب الآخر لكنه تبعها، فأمسكت بالماسورة الملاصقة لمقعد الكمساري لتحفظ توازنها، فانتهز الشيطان الآدمى، فرصة أنه خلفها فمد يده تحت الجيبة بين ساقيها وساعده ضغط الزحام على ذلك، فحاولت التملص ولكنها لم تتمكن من الالتفات نحوه ولكن التزاحم مع إصرار الفتى على استكمال ما نوى، أصاب الفتاة الهلع، فاختل توازنها مع الألم، فسقطت عليه ولما كان السقوط على السلم، حدث أن سقط عدد من المتدافعين في النزول والصعود، لكن الفتى تشبث بالفتاة حتى مزق جيبتها، لترى الأم هذا المشهد الذى لم يستغرق سوى ثوان معدودة، وأطلقت الصراخ عاليا ومريرا، فقد أفزعها أن ابنتها عارية النصف الأسفل وفوقها كومة من الرجال أسفل الأتوبيس!.


ونتيجة لصراخ الأم حدث هرج ومرج شديدين وتدافع الناس لمحاولة انتشال الفتاة، ولكن التزاحم جعل المشهد عبثيا، حينئذ أسرع صلاح، أمين الشرطة الذى تصادف أن مر بالقرب من المكان وكان بملابس مدنية لطبيعة عمله بالمباحث، فحاول اختراق كتلة البشر، فلم يتمكن من فض التجمهر حول هذا المشهد مع استغاثة الفتاة وصراخ الأم ومحاولات الساقطين على الأرض الوقوف ثانية، فما كان منه إلا أن أشهر مسدسه الميري وأطلق عيارين في الهواء، فانفض التكتل البشري مع سماع الرصاص، وسادت حالة مع من الذعر ما لبثت أن اتسعت لتشمل الموقف كله، فالميدان بأكمله.


وأمسك صلاح بأحد الرجال وكان ساقطا على الأرض بجوار الفتاة يحاول الوقوف فيفشل كما سارع بإمساك شاب آخر كان من بين المتجمهرين، ولكن حدة ملامحه تجعله عرضة للاشتباه، بينما أسرعت سيدة من بائعات سوق العتبة بخلع الملس الذي ترتديه فوق ثوبها لتستر به الفتاة -ربنا يسترها دنيا وآخرة- وبعد ذلك اتجه الجمع نحو قسم الشرطة لتبدأ أحداث واحدة من أشهر الحوادث فيي تاريخ الجرائم عامة والجنسية منها خاصة!.


فمن هما المتهمان وما علاقتهما ببعضهما وكيف صدر حكم ببراءتهما في نهاية المطاف وبعد طول خطوب، وهذا ما سنتناوله في المقال المقبل، إن شاء الله.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa