الأربعاء 26 يونيو 2024

الاغتراب فى روايات نجيب محفوظ لمنى بركات.. محاولة لرصد أنماط الصراع الاجتماعي ووسائله

فن22-12-2020 | 23:44

 

صدر مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي كتاب بعنوان "الاغتراب في روايات نجيب محفوظ" للدكتورة مني بركات، حيث يتناول هذا الكتاب ظاهرة الاغتراب السياسي في نماذج من روايات نجيب محفوظ التي تبرز عنده بمظاهرها المتعددة بصورة واضحة وجلية علي مستوي الشخصية والفكرة والرؤية،  باعتبارها ظاهرة تمتد جذورها في المجتمع المصري والعربي وتشكل وجهة نظر نجيب محفوظ في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بالمجتمع المصري والعربي خلال القرن العشرين وأثرت في الإنسان العربي من المحيط إلي الخليج.

 

استخدم نجيب محفوظ رواياته لتصوير الطبقة المتوسطة ولتجسيد قيم جيله، ونجح في شحذ أداة للكتابة تتسم بالكثير من القوة والدقة في التعبير وكافح طوال حياته الروائية من أجل ابتداع أسلوب نثري يتسم بالوضوح والصراحة حيث يمكن استخدامه للوصف والإيحاء في آن واحد، فهو يعتبر مؤسس التقاليد الناضجة للرواية العربية، وأحد أفضل الأدباء المصريين الذين استوعبوا قضايا الوطن العربي الاجتماعية والسياسية والدينية والفكرية والميتافيريقية في إنتاجهم الأدبي.

 

إن السياسة كانت مصدرًا من مصادر إنتاج نجيب محفوظ الفني ككل، فالصراع السياسي مكتوب في جميع ما كتبه، حتي في رواية "أولاد حاراتنا" التي توصف بأنها رواية ميتافيريقية، وقد اختارت الكاتبة ثلاثة أعمال أدبية له فكانت رواية "كفاح طيبة" التي كتبها في ثلاثينيات القرن الماضي، هي إحدى أعمال المرحلة التاريخية التي تمثل باكورة إنتاجه الأولى، وتميزت هذه الرواية بالنضج إذا ما قورنت بمثيلاتها من الأعمال الأدبية في تلك الحقبة، فقد كان الاغتراب السياسي بسبب التبعية والسيطرة الأجنبية يتضح فيها أكثر مما سواها.

 

ومن روايات الأربعينات الاجتماعية اختارت بركات رواية "القاهرة الجديدة" لأنها كانت باكورة الروايات التي بشرت بميلاد البطل الثوري في الرواية المصرية، واختارت أيضًا رواية "خان الخليلى" كنموذج علي الشخصية المغتربة المثقفة التي تكتفي فقط بإظهار نفورها من الواقع، و"بداية ونهاية" لأنها كانت تناقش انعدام العدالة الاجتماعية في المجتمع، أما "زقاق المدق" جاءت كنموذج علي الشخصية الصابرة اللامواجهة .

 

اختارت منى بركات رواية "السكرية" لأنها تحتوي علي خلاصة ما في الثلاثية من اغتراب وقد أهملت روايتي "قصر الشوق"، "بين القصرين" لغلبة الطابع الفكري الميتافيزيقي عليها، أما من روايات المرحلة الرمزية وقع اختيارها علي رواية "اللص والكلاب" كنموذج علي التمرد الفردي، و"ثرثرة فوق النيل" كنموذج علي اغتراب المثقفين، أما "ميرامار" لأنها كانت تشكل عودة "محفوظ" إلي الواقعية التي عبر عن طريقها علي الاغتراب عند مختلف طبقات المجتمع، أما من روايات السبعينات جاءت رواية "المرايا" كنموذج علي ظاهرة التشيؤ الذي تسبب فقدان الإنسان العربي لمقومات الشخصية العربية الأًصيلة، أما رواية "الكرنك" جاءت لتعبر عن صراع الأيدولوجيات في المجتمع المصري.

 

جاء الكتاب في 220 صفحة من القطع المتوسط مكون من ثلاث فصول يتناول الفصل الأول الأسباب والدوافع التي تكمن وراء الاغتراب السياسي في روايات نجيب محفوظ، أما الفصل الثاني يتناول المظاهر المختلفة للاغتراب السياسي بالتطبيق علي عدة نماذج من أعماله، أما في الفصل الأخير تحاول الكاتبة استخلاص النتائج حول تبعات الاغتراب السياسي في أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ.

 

وضعت مني بركات مدخلاً نظريًا حاولت فيه جاهدة الوقوف علي حقيقة الاغتراب بصفة عامة والاغتراب السياسي بصفة خاصة، وذلك من خلال دراستهما في اللغة والاصطلاح، فبالرغم من تعدد آراء الفلاسفة والمفكرين حول مفهومه فإن الكاتبة تري أن أغلب الدراسات تشير إليه بصفة عامة إلي تحديده صفاته التي تأتي "انعدام السيطرة واللاقدرة" في مقدمتها حيث ظهور صفتي الانعزالية والامعيارية حيث يصاحبه مشاعر الغربة ومظاهر قلق وتوتر نفسي وشعور بالوحدة والاكتئاب .

 

تعرضت بركات إلي الاغتراب السياسي فعرفت أنه علي صلة وثيقة بمشكلات التفكك الاجتماعي والثقافي والسياسي وتدهور القيم والتبعية والطبقية والطائفية والسلطوية وبسيادة علاقات القوة والنزاع بدلاً عن التعايش والتضامن والتفاعل الحر والاندماج الطوعي، كما وجدته جزء من نسيج الحياة الثقافية والاجتماعية العربية وتنعكس في أبعاده في كل مناحي الوجود الاجتماعي والثقافي العربي كنتيجة لإكراهات شتي تتمثل في القمع التاريخي، الأخلاقي، التربوي والاقتصادي حيث يشعر المغترب بوجود علاقة انفصالية بين الحلم والواقع.

 

وجدت مني بركات أن نجيب محفوظ قد عبر عن الاغتراب السياسي المتكيف بطريقتين هما: الصبر واللامواجهة والتظاهر بالانسجام والرضوخ للمجتمع ظاهرًا والنفور منه ضمنًا، وذلك من خلال تعبيره عنه بعدة وسائل منها الانسحاب من المجتمع واللامبالاة داخل المجتمع والتحول إلي التشرنق، والانغماس في نشاطات التسلية التي تنسي المغترب معاناته مثل النزوع إلي الخمر أو المخدرات وأخيرًا من خلال القتل أو الانتحار، أما الاغتراب السياسي الإيجابي فقد عبر عنه من خلال إظهار الرفض والنفور من الواقع أو قهر الاغتراب بالوعى، وقد ظهر عنده قهر الاغتراب بأسلوبين هما التمرد الفردي والعمل الثوري ضمن حركات اجتماعية تسعي لتغيير الواقع وتجاوز حالة الاغتراب ووضع حد لحالة العجز في سبيل تغيير الواقع المعاش.

 


    الاكثر قراءة