الأحد 26 مايو 2024

«الصين تلتهم الهند على طريق الحرير».. جزء جديد «أحجار على رقعة الأوراسيا»

فن23-12-2020 | 13:27

تنشر "الهلال اليوم" الجزء الأول من الفصل السادس لكتاب "أحجار على رقعة الأوراسيا"، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع:

 

الرؤية الاستراتيجية للقارة الآسيوية

يأتي اتجاه الصين إلى دول وسط وجنوب وغرب آسيا، كدولٍ نامية ضربتها أيادي العولمة الغربية في مقتل، مثل سائر الدول الحبيسة، التي لا تتمتع بإطلالةٍ على البحار، وتركتها فريسة للإرهاب العالمي.


هذا الاتجاه يستهدف خلق بيئةٍ حضاريةٍ واقتصادية، تحقق الازدهار لشعوب هذه الدول، في مواجهة  الفكر المتطرف، ومحاولات الاستثارة والتحفيز بالتيارات الإرهابية الموجودة بمنطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يمنح الأفضلية للاعب الشرق الصيني على رقعة الأوراسيا على حساب أمريكا الضعيفة.


كما أن الممر الاقتصادي (الصين – بورما) بجوار الممر الاقتصادي (الصين – باكستان) يقدمان حلًّا جذريًّا لأحد المشاكل الاستراتيجية للصين، التي تعتمد على توسع العمق الاستراتيجي والأمن القومي لها، حيث يشمل مساحات برية شاسعة بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية على البحار والمحيطات، ويوجدان لمقاطعات الصين الحبيسة، منفذًا بحريًّا لها على المحيط الهندي والمحيط الهادئ.


وبفلسفة الممرات الاقتصادية البرية الجديدة هذه، وربطها بلآلئ بحرية، ستسير الصين قُدمًا وبخطواتٍ ثابتة لتغير الخريطة الجيوسياسية على جزءٍ كبير من رقعة الأوراسيا، أي على الأرض المحورية ( دول آسيا) والتي رسم إحداثياتها، الجغرافي البريطاني (السير هالفورد ماكيندر) في كلمةٍ ألقاها أمام جمعية لندن الملكية الجغرافية في العام 1904 بعنوان (المحور الجغرافي للتاريخ).. وقد شكل هذا المقال كلًّا من الاستراتيجية العالمية البريطانية، والأمريكية، من الهيمنة والسيطرة عبر القوة البحرية.


آنذاك أشار (ماكيندر) إلى أن الدول ذات الهيمنة على البحار، يمكن لها أن تسيطر على العالم، فهل تسمح الولايات المتحدة بسقوط كل نظريات (ماكيندر) تحت أقدام الممرات الاقتصادية البرية، الخاصة بالتنين الأصفر على الأرض المحورية؟

 

الصين تلتهم الهند على طريق الحرير

دائمًا مع الصين هناك رواية مغايرة للرواية الأمريكية، إذ لم تمر السنة الخامسة على إعلان بكين مبادرة الحزام الاقتصادي وطريق الحرير، حتى تمكنت من تطويق نيودلهي، ومال التوازن الاستراتيجي في آسيا بشدة ناحية الصين.


نجحت بكين في فرض الهيمنة السياسية والاقتصادية، على جميع الدول المتاخمة للهند، والتي كانت مسرحًا للنضال بين الصين والهند، منذ الاستعمار البريطاني، وحتى تلك الدول التي تتعاون تقليديًّا مع الهند، مثل (بنجلاديش- جمهورية مالديف – نيبال - سري لانكا).


ميانمار: أبرمت مع الصين اتفاقية للشراكة الاستراتيجية، تمخض عنها إنشاء وتشغيل (الممر الاقتصادي الصين - بورما) وهو ما أوقع البلاد تحت السيطرة السياسية، والاقتصادية لبكين.


باكستان: العدو التاريخي للهند، والحليف الاستراتيجي الدائم للولايات المتحدة، أبرمت مع الصين اتفاقية للشراكة الاستراتيجية، تمخض عنها إنشاء وتشغيل (الممر الاقتصادي الصين – باكستان) فانتقلت مركزية إسلام آباد، إلى بكين، بعد أن ظلت لعقودٍ في كنف الكفيل الأمريكي.


أفغانستان: بدأت مناقشة الانضمام إلى ممر (الصين – باكستان) في ديسمبر 2017، عبر مشاريع ضخمة تضم  طريقًا سريعًا بين مدينتي (بيشاور الباكستانية - كابول الأفغانية).


وسكك حديدية بين مدينتي (لندي كوتل الباكستانية - جلال أباد الأفغانية) ومدينتي (توركهام الباكستانية - لوكر الأفغانية).


وأيضًا تشييد سد الطاقة الكهرومائية على (نهر كونار) أحد أهم أنهار أفغانستان الذي يصب في الأراضي الباكستانية.


وتشييد شبكة نقل الكهرباء بين كلٍّ من (تركمانستان - أفغانستان – باكستان) تمر عبر أفغانستان إلى آسيا الوسطى.


ستكون جميع هذه المشاريع العملاقة، جزءًا من الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان؛ وعلى هذا فالانتشار العسكري الصيني على أراضي أفغانستان وباكستان، من أجل حماية هذه المشاريع الضخمة، بات قريبًا ولا مفر منه.


سري لانكا: دولة تمثل أهمية جيوسياسية بالنسبة للهند، أصبحت لؤلؤة قلادة طريق الحرير البحري للصين، بعد التوقيع على (علاقات شراكة تعاون استراتيجي) مع بكين، منذ العام 2013، تمخض عنها تأسيس لجنة مشتركة للتعاون البحري في مجالات الموانئ، وإدارة الموارد البحرية، وحماية البيئة، والإنقاذ البحري.


العام 2016، أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في سري لانكا، باستثمارات بلغت (1.5 مليار دولار) في تطوير ميناء (بورت سيتي) وتشييد بنية تحتية لمدينةٍ سكنية متكاملة حول الميناء.


 العام 2017، استثمرت الصين ما قيمته (1.2 مليار دولار) كعقد إيجار مدة (99 عامًا) لأهم ميناءٍ استراتيجي على المحيط الهندي، وهو ميناء (هامبانتوتا الجنوبي) حيث تعمل الصين على تطويره، وتحويله إلى مركزٍ رئيسي للخدمات اللوجستية، وتخشى نيودلهي من استخدام هذا الميناء كقاعدةٍ عسكرية صينية تهدد الأمن القومي للهند.


أيضًا استثمرت الصين (مليار دولار) في بناء (مركز كولومبو المالي الدولي) في إقليم بورت سيتي، وهكذا ضربت بكين، الخاصرة الجنوبية لنيودلهي، بعد أن نجحت في استغلال ديون (سري لانكا) لصالح النفوذ الصيني، والاستيلاء الناعم على الجزيرة بأكملها.


جمهورية مالديف: الخاصرة الجنوبية الثانية للهند، والمرتبطة ثقافيًّا بنيودلهي، أبرمت مع الصين اتفاقية للتجارة الحرة عام 2017؛ سيطرت من خلالها بكين على مصدرين رئيسيين للدخل في جزر المالديف، بوصفها المورد الرئيسي للسائحين، والمستورد الرئيسي للمأكولات البحرية المالديفية.


نيبال: أفقر دول العالم ذات الحدود المشتركة بين الصين والهند، على جبال الهيمالايا، هي دولة وثيقة الصلة بنيودلهي، مع ذلك بدأت قطارات الصين في الوصول إليها عام 2016،  ومن يوليو 2016 إلى يناير 2017، ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر للصين، في نيبال، ثلاث مرات، إلى (34 مليون دولار) في مقابل انخفاض الاستثمار الهندي بنسبة 76٪، إلى (4 ملايين دولار) خلال نفس الفترة.


وفي قمة نيبال للاستثمار في مارس 2017، وعد الحزب الشيوعي الصيني باستثمار (8.3 مليار دولار) (حوالي 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي لنيبال) في مشاريع مختلفة طرحت في القمة، وفي أبريل 2017، عقدت أول مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين وسط حسرةٍ هندية، على فقدان التوازن الاستراتيجي مع الصين.


فالصين باتت تهيمن على كامل الأرض المحورية، على رقعة الأوراسيا، من حيث القوة الاقتصادية والسياسية، ومال التوازن الاستراتيجي لقارة آسيا بأكملها ناحية الصين، ومن خلفها القوة العسكرية للدب الروسي، على طريق الحرير، خاصة مع نظرية الاحتواء الروسي للهند، وتوقيع اتفاقيات شراكة استراتيجية بين الجانبين.


وأثمرت هذه الشراكة مؤخرًا عن صفقة القرن، في أكتوبر 2018، حيث تقوم موسكو بتزويد الترسانة العسكرية الهندية، بصواريخ (S400) بديلًا عن صواريخ باتريوت الأمريكية، والتي أثبتت فشلها في حرب اليمن، بعد أن ظلت لعقودٍ هي سيدة الدفاعات الجوية، وفي إشارةٍ واضحة إلى التحدي الهندي لواشنطن، رغم التحذيرات الأمريكية بفرض عقوباتٍ على نيودلهي حال إتمام هذه الصفقة.