أكد وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة أن رسالة الوزارة الدعوية تقوم على عدة ثوابت ومرتكزات أساسية؛ هي: السماحة والتيسير، وأن دور العلماء هو البلاغ وليس الهداية أو الحساب، وعمارة الدنيا بالدين، وأن مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان.
وأوضح وزير الأوقاف، في تصريحات اليوم السبت، عن السماحة والتيسير "فالفقه عند أهل العلم التيسير بدليل، والفقه هو التيسير من ثقة، حيث قال تعالى: يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر (البقرة : 185). ويقول سبحانه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج : 78). وجَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ)، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فأقِمْهُ عَلَيَّ، قالَ: وَحَضَرَت الصَّلَاةُ فَصَلَّى مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فأقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللهِ، قالَ: هلْ حَضَرْتَ الصَّلَاةَ معنَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: قدْ غُفِرَ لَكَ، وما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه. ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه (صحيح مسلم).
ويقول (صلى الله عليه وسلم): يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا (صحيح البخاري)".
وأضاف وزير الأوقاف: "وثانيها، أن دور العلماء هو البلاغ وليس الهداية والحساب، أما الهداية فأمرها إلى الله (عز وجل) إذ يقول سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص: 56). ويقول الله تعالى: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ (الشورى: 48). ويقول سبحانه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس: 99). ويقول (عز وجل): مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ (الأنعام: 52). ويقول سبحانه: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (الأنعام: 164). ويقول الله (عز وجل): كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (المدثر: 38). ويقول سبحانه: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (البقرة : 286). ويقول الحق سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (المائدة: 105).
وتابع الدكتور جمعة قائلا: "ثالثها، إن دورنا هو عمارة الدنيا بالدين وليس تخريبها ولا تدميرها باسم الدين؛ فالدين فن صناعة الحياة لا فن صناعة الموت. إذ يقول سبحانه: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة : 32)".
وأكد وزير الأوقاف أن "رابع المرتكزات هو أن مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان؛ فكل ما يقوي شوكة الدولة الوطنية هو جزء لا يتجزأ من المقاصد الشرعية وكل ما يدعو إلى الهدم والتخريب والفساد والإفساد لا علاقة له بالأديان ولا علاقة للأديان به، ومن يقومون به فاسدون متشددون محاربون لله ورسوله، ويقول سبحانه: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة: 33)"، مشددا على أن الحفاظ على الوطن أحد أهم الكليات الست والمقاصد العامة للتشريع، وهي التي أحاطها الشرع الشريف بمزيد من العناية والصيانة والحفظ.
وفي سياق آخر، أكد وزير الأوقاف أنه لا تناقض بين الإيمان والعلم على الإطلاق، فالعلم قائم على الأخذ بالأسباب، والإيمان يدعونا إلى الأخذ بأقصى الأسباب.
وأضاف: "كان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة ، وحتى في حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ”لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً” (رواه أحمد) ، قال أهل العلم وشراح الحديث: إن الطير تأخذ بالأسباب ، فتغدو وتروح ، ولا تقعد في مكانها وتقول : اللهم ارزقني في مكاني".
وتابع: "نقل بعض الرواة أن أحد الناس خرج في تجارة فلجأ إلى حائط بستان للاستراحة فيه، فوجد طائرًا كسير الجناح ، فقال: يا سبحان الله ما لهذا الطائر الكسير كيف يأكل ؟ وكيف يشرب ؟ وبينما هو على هذه الحال إذا بطائر آخر يأتي بشيء يسير من الطعام فيضعه أمام الطائر كسير الجناح ، فقال : يا سبحان الله ، سيأتيني ما قسمه الله لي ، فقال له صاحبه : كيف رضيت لنفسك أن تكون الطائر المسكين الكسير مهيض الجناح ؟ ولم تسع لأن تكون الطائر الآخر القوي الذي يسعى على رزقه ويساعد الآخرين من بني جنسه، وقد قال أحد الحكماء : لا تسأل الله أن يخفف حملك ، ولكن اسأله سبحانه أن يقوي ظهرك".
ويقول الحق سبحانه: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” (الملك : 15) ولم يقل اقعدوا وسيأتيكم الرزق حيث كنتم ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” تداوَوا عبادَ اللَّهِ فإنَّ اللَّهَ سبحانَهُ لم يضع داءً إلَّا وضعَ معَهُ شفاءً إلَّا الْهرمَ” (رواه ابن ماجه)، ولم يقل أحد على الإطلاق إن الدعاء بديل الدواء، إنما هو تضرع إلى الله (عز وجل) بإعمال الأسباب التي أمرنا سبحانه وتعالى بالأخذ بها لنتائجها".
وأشار إلى أنه لم يقل أحد على الإطلاق من أهل العلم إن الفقه بديل الطب ، بل إن الفقه الصحيح يؤكد أن تعلم الطب من فروض الكفايات، وقد يرقى في بعض الأحوال إلى درجة فرض العين على البعض، مضيفا : أنه أكد في أكثر من كتاب ومقال أن ثواب تعلم الطب لا يقل عن ثواب تعلم الفقه، وأن الأولوية لأحدهما ترتبط بمدى الحاجة الملحة إليه، فحيث تكون حاجة الأمة يكون الثواب أعلى وأفضل ما صدقت النية لله (عز وجل).
ودعا الناس إلى الأخذ بأقصى الأسباب وألا ينسوا خالق الأسباب والمسببات، (مَنْ أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون)، وأن يجمع الناس بين أسباب العلم وأسباب الإيمان معًا، مؤكدا أنه لا تناقض بينهما بل الخير كل الخير والنجاء كل النجاء أن يتم إحسان الجمع بينهما والأخذ بهما معًا.