الإثنين 25 نوفمبر 2024

أخرى

الإعلام بين السبق وتغييب العقول!

  • 2-1-2021 | 23:47
طباعة

التاروت أو أوراق اللعب السحرية، هي من أقدم الطرق التي مارسها السحرة، وقارئو البخت وظلت تمارس حتى الآن، وهى الأصل فى أوراق اللعب الحديثة (الكوتشينة) كما نعرفها، والتي أصبحت هي نفسها تستعمل بدلا من أوراق التاروت الأصلية فى قرائه البخت والحظ والمستقبل، ويقال إن التاروت بدأ أصلا فى مصر الفرعونية وإن اسمه الأصلي (كتاب الإله تحوت)، نسبة إلى إله الحكمة والسحر المصري القديم، ولكن أثار الكابالا اليهودية واضحة جدا فى تلك الأوراق، مما يؤكد علاقتها بالكابالا واستخراجها من طبقات السفروت المعروفة فيها.


والكابالا: لمن لا يعرف هي ما عرفت أيضاً بـ(القبالة أو القبلانية)، وهي معتقدات وشروحات روحانية فلسفية تفسر الحياة والكون والربانيات، وبدأت عند اليهود وبقيت حكرا عليهم لقرون طويلة، حتى أتى فلاسفة غربيون وطبقوا مبادئها على الثقافة الغربية في ما يسمى (العصر الجديد)، ومع بدء عصر النهضة في أوروبا، اهتم الفلاسفة الأوروبيون بالقبالة اليهودية وترجموا كتبها وقاموا بدراستها، وقام التوفيقيون بين الأديان مثل القباليون المسيحيون والقباليون الهرامسة، كل على حدة، بتطوير مفهومهم عن القبالة باعتبار التوراة هي مصدر شامل وقديم للحكمة، كما دمجوا الأفكار القبالية مع مفاهيم الديانات والشعائر الأخرى غير اليهودية، ومع انهيار القبالية المسيحية في عصر التنوير، تحولت القبالية الهرمسية إلى حركة سرية وأصبحت نواة حركة التعاليم الباطنية الغربية.


وبالعودة لأوراق التاروت فإنها تتكون من 72 ورقة من الأوراق التي تحمل معنى خاص، وتتكون من شكلين متساويين فى نصفين غالبا علوى وسفلى، ومن بين الـ 72 ورقة يوجد 22 ورقة لها معنى خاص بها وأسماء تحملها منذ العصور الوسطى وحتى الآن مثل (القديس) و(البابا) و(الرجل المشنوق) و(عجلة الحظ) وغيرها، وكل واحدة منها تعنى تفسيرا خاصا حسب ترتيب ظهورها، كما أن الرسومات كلها تدل على أصلها الأوروبي ومناظر الطبيعة المعروفة عندهم مثل القلاع والجبال والأنهار وغيرها.


ولقد قسمت أوراق التاروت بما يسمى بالقوس الأكبر ويشتمل 22 كارتا تحمل صور لها أسماء، والقوس الأصغر ويشمل باقي المجموعة: 56 تحمل أشكالا وأرقام ورق الكوتشينة المعروف لنا الآن ومقسم إلى أربعة أنواع تحمل أشكالا مميزة، منها القلب ومنها الشكل المماثل للماس وهكذا، ثم مجموعة خاصة وهى الملك (الشايب) والملكة (البنت) والأمير (الولد) والجوكر وهو فى الحقيقة تعبير عن طبقات المجتمع الأوروبي فى العصور الوسطى، حيث كان مقسمًا إلى النبلاء والتجار والكتبة والفلاحين وتتبع باقي الأوراق نفس النظام من 1 إلى 10 وبالتالي تعطى كل مجموعة المعنى المراد به وفقا لما ترمز إليه، وطريقة استعمال هذه الأوراق لم تتغير منذ القرون الوسطى، وهى أن يركز السائل في ما يريد أن يسأل عنه أو يعرفه ثم يسحب ورقة مقلوبة من المجموعة ثم توضع فى وسط المنضدة التي غالبا ما تكون دائرية الشكل، ثم يقسم الباقي إلى 3 أقسام بواسطة السائل نفسه بعد تفنيطها، ثم توضع أمام قارئ الورق ويبدأ السائل فى سحب ورقة ورقة وهى مقلوبة، وكل ورقة توضع حول ورقة السؤال بشكل دائري فى اتجاه عقارب الساعة، وتقرأ ورقة ورقة بعد تحديد علاقتها بورقة السؤال، وهنا تتدخل الفراسة وسرعة البديهة ودقة الملاحظة فى تحديد الإجابة، وجميعها أشياء لا علاقة لها بقراءة المستقبل أو العلم بالغيب، وهو ما نص على أنه محض شعوذة ودغدغة للمشاعر وتلاعب بالأماني، وهو ما يصر بعض مقدمي البرامج على المساهمة في نشره، سواء كان بفقرات مباعة لمروجي تلك الأكاذيب، أو حتى للطامعين في تحقيق نسب مشاهدة وجنى ثمار إعلانات في زمن اختلط فيه الإعلام بالإعلان وطغي فيه صوت جنى الأرباح على صوت نشر القيم ومحاربة كافة صور الجهل والأكاذيب وفنون الشعوذة قديمها وحديثها أيضاً.


وما تزال على يقين راسخ مفاده أن جميع بلدان العالم التي تقدمت، وتبوأت مصاف الدول الكبرى، هم دول شعوبها يقدرون ويقدسون قيم احترام العلم والعمل، ويحترمون قيمة الوقت ويؤكدون على أهميته، ونادراً ما تشاهد في برامجهم من يقوم بقراءة الطالع والنازل، وجلب الحبيب وفك المربوط، وأخيراً وقراءة كروت التاروت، وقراءة الكف وقراءة الطالع في النجوم، وهي ظاهرة وللأسف الشديد تميزت بها مجتمعاتنا العربية والأفريقية، ولا أعلم سبب رسوخ تلك المعتقدات المتنافية مع قيم العقل والعلم والعمل حتى وقتنا الحاضر، وبعد أن وصلنا لعام 2021، فما تزال القنوات المصرية والعربية ترحب بمثل هؤلاء الدجالين والمشعوذين، والذين احترفوا فن دغدغة مشاعر الناس، بوعدهم بعلو شأنهم أو زوال أزماتهم أو تحسن مستواهم المهني أو الوظيفي، وهو فن أظن أنه على الرغم من أن المتلقي يعلم أنه محض ادعاء لا أساس له من الصحة على المستوي العقلي أو الديني، أو حتى الواقع، إلا أن الناس ما يزالون يسعون خلفه، ويرحبون به بشكل يثير الدهشة، وأجدني أتساءل مراراً دونما النجاح في الحصول علي إجابة شافية، لماذا ما زلنا نتمسك بهذا الموروث الثقافي المغلوط والمنافي لقيم العقل والعلم وقبل كل هذا للدين، والذي أخبرنا صراحة بأن الغيب وعلم المستقبل بيد الله عز وجل وحده، وأن علم الغيب هو علم اختص الله سبحانه وتعالي نفسه ولم يطلع اخد من عباده عليه؟.


هذا وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد، فتعلم التنجيم لمعرفة الحوادث ودعوى علم الغيب هذا منكر عظيم، لأن ادعاء علم الغيب، أو إن هذه النجوم لها تأثير في إيجاد الحوادث دون الله فهذا أمر مخالف للعقيدة، وهو ما ورد به نص صريح في كتاب الله الكريم، إذ يقول سبحانه وتعالى: ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل:65]، فالغيب عنده سبحانه هو الذي يعلمه جل وعلا، وليس عند المنجمين والسحرة والكهنة ونحوهم علم الغيب.


وأجدني ما زلت أردد نفس السؤال، طامعاً في الوصول إلى إجابة شافية: لماذا تهيء القنوات مساحة من الظهور الإعلامي لمروجي فنون الشعوذة، لماذا هذا التوجه المعادي لتوجهات الدولة الواعدة، والتي وضعت لنفسها استراتيجية للتنمية المستدامة لمستقبلها عمادها العلم والعمل، حينما هي أعلنت عن استراتيجيتها الواعدة للتنمية المستدامة (مصر 2030)؟.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة