الإثنين 3 يونيو 2024

«الجزيرة».. 20 عامًا من عدم المهنية الوظيفي

أخرى4-1-2021 | 12:58

عند تدشين موقعها الإلكتروني منذ عشرين عاما، ادعت الجزيرة أنها تسعى للحقيقة، وأن تكون "صوت من لا صوت له، وأن تمكن الإنسان بمحتوى إعلامي دقيق وملهم وعميق يلتزم قيم الحقيقة ويسمو بالروح الإنسانية ومواجهة السلطة بالوقائع"... إلخ.

 وبمرور الأيام، وخصوصا بعد الربيع العربي، تكشف الوجه الحقيقي للقناة ولموقعها الإلكتروني فهي على طرف نقيض مع كل مبادئ أي ميثاق شرف مهني يحترم القيم الصحفية الرئيسية؛ من صدق وإنصاف وتوازن واستقلالية ومصداقية وتنوع متحرر من الاعتبارات السياسية والأيديولوجية التي يمكن لها التأثير على المهنية.

 المحاباة والانحياز للإسلاموية واستهداف مصر وحلفائها أصبح المحراب التي تذبح عليه كل يوم قيم السعي للوصول إلى المعلومة وإعلانها بشكل لا غموض فيه ولا ارتياب في صحته أو دقته ومراعاة الشفافية في التعامل مع الأخبار ومصادرها، بعدم تمييزها المتعمد والممنهج بين مادة الخبر والتحليل والتعليق والوقوع الإرادي في دنس التضليل الإعلامي يتأكد كل يوم احتقار الجزيرة لجمهورها أو معرفتها بطبيعة جمهورها.

تثبت كل يوم قناة الجزيرة وموقعها أن القضية الفلسطينية والدين وحقوق الإنسان والديمقراطية التي تتشدق بالدفاع عنهم، ما هي إلا مجرد أدوات، رخيصة في عينها وفي عين من يحركها، تشن بها فقط الحرب على من تعتبرهم الدوحة أعدائها.

فعند مشاهدتك الجزيرة باللغة العربية تشعر ومن الوهلة الأولي أن محتواها فيما يخص مصر والإمارات والسعودية والبحرين على وجه الخصوص لا يفرق بين المعلومات والمعلومات الخاطئة والتضليل المعلوماتي.. ولكن لو وجدت بعض الوقت لتحليل مضمونها خلال بضع ساعات أو بضع أيام سيتبين لك أن الجزيرة أصبحت رائدة لما نطلق عليه إعلام ما بعد الحقيقة، بمعني الإعلام الذي لم يعد حتى يكتفي بتزييف الحقائق بل أصبح يختلقها اختلاقا.. لم تعد تكتفي الجزيرة بإطلاق الكذب والشائعات، بل تحولت إلى مركز صناعة متكامل لتزييف الحقائق وخلق الوقائع.

ويروي المفكر السوري العظيم جورج طرابيشي قصة ذات مغزى، حدثت له عندما كان في آخر مؤتمر له في القاهرة، وكان معه المفكر والمؤرخ الفلسطيني هشام شرابي، والذي وقف على منبر المؤتمر وقال: "أبشروا يا عرب فإننا لم نعد أسرى لأنظمة دكتاتورية عربية فقد صارت هناك قنوات في كل مكان، وتوصل أصواتنا إلى كل مكان.. فلم تعد الدكتاتوريات العربية قادرة على حبس حرياتنا.. انظروا إلى قناة الجزيرة كيف استطاعت أن تفتح مجالا للنقاش وللآراء لتتصارع".

 وعلق جورج طرابيشي في حوار له مع الإعلامي والكاتب السعودي ممدوح المهيني قائلا إنه استفزه هذا الكلام، وطلب التعقيب على حديث هشام شرابي فقال: "إن ما ذكره هشام هو نموذج للديمقراطية المزيفة التي نعيشها اليوم لأن قناة الجزيرة على الرغم من أنها قناة تعددية في السياسة لا مانع لديها أن يشتم الشيوعي القومي، والقومي يشتم الليبرالي، والعلماني يشتم غيره، وتفتح صراعات تصل إلى حد المهاترة بين التيارات السياسية إلا أنها لن تكوّن تعددية ثقافية، ولكن ما تمرره على الجميع هو الواحدية الدينية، وخاصة برنامج الشريعة والحياة، وهو ليس فقط صوت ديني واحد بل هو صوت ديني ومن أكثر الأصوات تخلفا، وهذه القناة ليس لديها مانع أن تمرر كل هذه التعدديات السياسية حتى تمرر هذه الواحدية الدينية، وعندما تراهم في الاتجاه المعاكس وهم يتسابون ويتشاتمون بهذا الشكل التلفزيوني السمج عندها تسقط قيمة الانتلجنسيا العربية في نظر الجماهير".. قصة توضح الفهم المبكر للعظيم جورج طرابيشي لوظيفة ودور الجزيرة كما توضح انطلاء التضليل على مثقف أخر بقيمة هشام شرابي.

عشرون عاما من الغسيل والنشر.. غسيل العقول والإرهاب ونشر الأكاذيب والكراهية.. وسأعطي هنا مثال واحد فقط؛ ففي 5 يوليو 2020 يحيى موسى العقل المدبر لاغتيال النائب العام المصري هشام بركات، ظهر على شاشة الجزيرة اليوم ليتحدث عن فشل مصر في مواجهة كورونا.

عشرون عاما من التطبيع الإعلامي مع إسرائيل، فالجزيرة هي أول من أدخل متحدثيها وخبرائها بيوتنا وأول من أسمعنا دفاعهم عن وجهات نظرهم وعن جرائمهم في حق الإنسان الفلسطيني.. عشرون عاما من التوظيف والازدواجية والانتقائية في التناول.. فلم تغطي الجزيرة ما حدث من الحكومة الإسرائيلية ضد مواطنيها من أصول أثيوبية عام 2019.. كما أوقفت قناة الجزيرة صحفيين عقب نشر فيديو ينكر عدد ضحايا الهولوكوست في 2019 أيضا.. ولم تتناول الجزيرة التطبيع بين المغرب وإسرائيل بنفس الحدة والتهيج والتكفير كما فعلت في حالة الإمارات والبحرين.

عشرون عاما من عدم تناول الشأن الداخلي القطري رغم أن الجزيرة تبث من قطر وتمول من قطر وتشرف عليها أجهزة الدولة القطرية.. أتحدى أن تتناول الجزيرة أسئلة من قبيل: أين الديمقراطية في قطر والتي ليس فيها أي نوع من الانتخابات، ولا يوجد فيها أحزاب ولا معارضة ولا حرية من أي نوع؟ لماذا لا تطبق قطر الإسلام كما يفهمه الإخوان؟ أين الشريعة والحاكمية والولاء والبراء.. إلخ؟ لماذا لا تسمح قطر بإعادة إنشاء جماعة الإخوان بعد أن حلت في تسعينيات القرن الماضي؟ لماذا لا تتحد قطر وتركيا في بلد واحد يحكمه أردوغان بصفته السلطان المنتظر وليكون ذلك الاتحاد نواة لعودة الخلافة العثمانية المزعومة؟ متى ستغلق قطر القواعد الأمريكية فيها ليستقل قرارها السياسي كما تنصح به الجزيرة الدول الأخرى؟ متى ستتناول الجزيرة شؤون قطر الداخلية وسياستها الخارجية بشكل نقدي كما تفعل مع الدول الأخرى؟ كم أنفقت الجزيرة على ما يسمى الربيع العربي وما هو دورها الكامل في تحريكه ومع من تعاونت في ذلك؟

خلاصة الأمر للجزيرة دور وظيفي، نرى أثره في تفكك الدول وتشرذم المجتمعات العربية وشيوع التطرف.. وهو دور في طور الأفول؛ بعد انكشافه لعموم الناس وسقوط ورقات التوت عنه الواحدة تلو الأخرى.